منتديات بحر الامل

منتديات بحر الامل (http://www.bhralaml.com/vb/index.php)
-   ۩{ قصص وسيرة الصحابه رضوان الله عليهم }۩ (http://www.bhralaml.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   ظاهرة التنبؤ في المجتمع العربي (http://www.bhralaml.com/vb/showthread.php?t=49442)

أحساس 2021-05-09 01:31 AM

ظاهرة التنبؤ في المجتمع العربي
 
لم يكد نبأ وفاة النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ينتشر في بلاد العرب حتى اشتعلت الفتنة في كلِّ أنحاء الجزيرة العربيَّة بأشكالٍ مختلفةٍ ولأسبابٍ متباينة، وبرزت ظاهرة التنبُّؤ كإحدى الانعكاسات للنجاح الإسلامي في الحجاز، وإن كان بعض المتنبِّئين قد أعلنوا دعوتهم في أواخر حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

فتنبَّأ الأسود العنسي في اليمن، ومسيلمة الكذاب في بني حنيفة في اليمامة، وطليحة في بني أسد، وسجاح التميميَّة، ولقيط في عمان. وكانت ثورة اليمن أعنف مظاهر الانتفاض على الدين الجديد في الجزيرة العربية في أواخر حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لكنَّ قبائل اليمامة وما جاور الخليج العربي كانت تتهيأ للثَّورة على الدين الجديد، ومع أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُغْفِل هذا التطور السلبي في أواخر حياته، فإنَّ اهتمامه السياسي انحصر في الالتفات نحو الشمال من خلال تجهيزه حملة أسامة بن زيد؛ إذ أمره أن يتوجَّه إلى تخوم البلقاء[1]، والداروم من أرض فلسطين، واعتقد أنَّه إذا استطاع تحقيق الانتصار هناك فإنَّ ذلك من شأنه تقوية موقفه داخل الجزيرة العربية وبين قبائلها، وبخاصَّةٍ أنَّ الدَّعوة الإسلاميَّة انتشرت آنذاك في مختلف أنحاء الجزيرة العربيَّة من الشمال إلى الجنوب، ثُمَّ إنَّ خروج أسامة إلى وجهته يُعبِّر عن الإقلال من شأن هؤلاء الخارجين والمرتدِّين وخطرهم، ولا شَكَّ أنَّ هذه السياسة تُعطي المسلمين دفعًا معنويًّا لمواجهة الخارجين والمرتدِّين في اليمن واليمامة وغيرهما من أنحاء الجزيرة العربيَّة.
كان المتنبِّئون آنذاك يتهيَّئون للجهر بدعواتهم آملين أن تحلَّ بالمسلمين نكبَّةً ما، وأخذوا يُبشِّرون بها، كلٌّ في ناحيته بهدوءٍ وأناةٍ دون أن يطعن أحدٌ منهم في صحَّة نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ وإنَّما ساووا أنفسهم به، فهو نبيٌّ وهم أنبياء مثله بُعثوا في أقوامهم كما بُعث هو في قومه؛ لكنَّ أحدًا منهم لم يُقدِّم خصائص لدعوته تُضاهي خصائص الدَّعوة الإسلاميَّة.
تستوقفنا في هذا المقام بعض الدوافع التي أدَّت إلى بروز هذه الظاهرة، نذكر منها ما يلي:
أنَّ المناطق التي انطلق منها المتنبِّئون كانت أكثر مناطق الجزيرة العربية تحضُّرًا وأضخمها ثروةً، كما كانت مجاورةً لأراضي الفرس أو كان للفرس فيها نفوذ.
وقد اعتمد المتنبِّئون على الناحية العصبيَّة، وبخاصَّةٍ ما كان بين اليمنيَّة وبين المضريَّة من عداوة راسخة الجذور، بالإضافة إلى التنافس بين ربيعة ومضر، وإذا تغلغلنا في صميم هذه الظاهرة نلمس شواهد واضحةً على أثر العصبيَّة القبليَّة.
ويرتبط بالعصبيَّة القبليَّة ما ينتج عنها من تحاسد وتنافس بين القبائل العربية والتسابق في ادِّعاء النبوة؛ ذلك أنَّ المظاهر الأساسيَّة لحركة الرِّدَّة لم تقتصر على رفض بعض أركان الإسلام، أو عدم الاعتراف بسلطة المدينة؛ وإنَّما جاءت مصحوبة بادِّعاء بعض الأشخاص النُّبوَّة؛ إذ إنَّ النجاح الذي حقَّقه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حياته، والمكانة التي وصلت إليها قريش في الجزيرة العربية عند وفاته، غدت مثار حسد كافَّة القبائل العربية، ولم تلبث أن أضحت سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلًا يُحتذى لتحقيق نوعٍ من الأهميَّة والزَّعامة في مجتمعٍ يُمجِّد الأبطال.

والواضح أنَّ كثيرًا من الأفراد في المجتمع العربيِّ كانوا طلَّاب زعامةٍ ورئاسة، فأرادوا الاقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم لتحقيق تطلُّعاتهم، فحاولوا التَّشبُّه به في ما أُوحي إليه من القرآن الكريم، فأتوا بعباراتٍ مسجوعةٍ مفكَّكة المعاني، ركيكة المضمون، لا روح فيها، تتَّصف معانيها بالسذاجة، وسجعها بالتكلُّف.
تمادى المتنبِّئون حين امتدَّت أيديهم إلى التشريع، من ذلك أنَّ مسيلمة الكذاب شرَّع لأصحابه أنَّ من أصاب ولدًا واحدًا عقبًا لا يأتي امرأةً إلى أن يموت ذلك الابن، فيطلب الولد حتى يُصيب ابنًا ثُمَّ يُمسك، فحرَّم بذلك النساء على من له ولدٌ ذكر[2]، كما ادَّعوا أنَّ الوحي ينزل عليهم من السماء.
الحقيقة أنَّه لم يكن عند هؤلاء شيءٌ من أدب النبوَّة، وأنَّ بعضهم كان لا يُبالي أن يطَّلع الناس على قبيح، ولعلَّ في علاقة مسيلمة الكذاب مع سجاح –التي سنبحثها في موضعها- ما يُثير الاشمئزاز، فضلًا عن خروجها عن الآداب العامَّة.
ومن مظاهر التَّشبُّه بالإسلام أنَّ بعض المتنبِّئين عمد إلى اتِّخاذ بيتٍ حرام يُنافسون به البيت الحرام في مكَّة، من ذلك أنَّ مسيلمة الكذاب ضرب حرمًا في اليمامة نهى الناس عنه وأخذ الناس به، فكان محرَّمًا[3].
تفجَّرت ظاهرة التنبُّؤ في بلادٍ وعلى أيدي أفرادٍ عرفوا النصرانية وسمعوا بها أو اشتهروا بالكهانة؛ لقد ساد الجزيرة العربية آنذاك -باستثناء الحجاز- اضطرابٌ دينيٌّ بفعل عدم استقرار العقيدة في النفوس؛ فالنصرانية واليهودية والمجوسية والوثنية تجاورت كلُّها في ظلِّ نقاشٍ جدليٍّ في أيٍّ منها تُحقِّق السعادة لأتباعها؛ ممَّا مهَّد الطريق أمام المتنبِّئين للظهور واستقطاب الناس بكلامٍ منمَّق، وبمظاهر يتَّخذونها آيات صدقهم، واستطاعوا بهذه الوسيلة أن يُحقِّقوا نجاحًا مبدئيًّا؛ ذلك أنَّ النصرانيَّة انتشرت في الجزيرة العربية قبل الإسلام عن طريق الأحباش في الجنوب والأنباط في الشمال، وكان ملك اليمامة هوذة بن علي نصرانيًّا أرسل إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو يدعوه إلى الإسلام[4]، ثُمَّ إنَّ العرب شأنهم في ذلك شأن معظم الشعوب الوثنية عرفوا الكهانة وبخاصَّةٍ عرب الجنوب (حِمْيَر)؛ مثل طريفة الخبر التي تنبَّأت بأخبار سدِّ مأرب، وسطيح الغسَّاني وغيرهما، فادَّعى بعض الكهَّان أنَّ نفوسهم قد صفت، واطَّلعت على أسرار الطبيعة، وادَّعى آخرون أن الأرواح المنفردة -وهي الجن- تُخبرهم بالأشياء قبل وقوعها، وحدث تقاربٌ بين النصرانيَّة والكهانة عند العرب في الجاهلية، هذا على الرغم من أنَّ أدعياء النبوَّة اختلفوا عن الطرفين في اتِّباعهم أسلوب النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سيرته وأقواله وأفعاله، فادَّعوا أنَّهم أنبياء، وأنَّ الوحي ينزل عليهم، وشرَّعوا لأتباعهم، وطالبوا لأنفسهم بسيادةٍ وزعامةٍ عليهم[5].
وقد اعتمد المتنبِّئون على العامل الإقليمي؛ فقد استغلَّ الأسود العنسي استياء اليمنيين من الفرس ونفورهم من الحجازيين.
تُشكِّل ظاهرة التنبؤ إحدى الانعكاسات التي أحدثها فتح مكَّة، وانتشار الإسلام في أجزاءٍ واسعة في الجزيرة العربية، وتوسيع نفوذ الحكومة المركزيَّة في المدينة؛ ذلك أنَّ هذا التطور الإسلامي أثار عملياتٍ مشابهةٍ، متوازيةٍ ومتزامنةٍ في أنحاءٍ متفرِّقة؛ حيث بدأت تنشأ تحالفات قبليَّة واسعة يتزعَّمها أناسٌ يدَّعون النُّبوَّة، اقتداءً بالنجاح الذي حقَّقه النبيُّ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، أدَّى فيها التطوُّر الإسلاميُّ دور الباعث والمحرِّك[6].
شجَّعت ثورة الأسود العنسي قبائل اليمامة وبني أسد على الاقتداء به إثر وفاة النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان كلٌّ من مسيلمة وطليحة يخشى قوَّة المسلمين المتنامية، ويرى أنَّه لا قِبَل له بمقاومتها؛ لذلك لم يُعلن ثورته مبكِّرًا، ولمـَّا تجرَّأ الأسود العنسي على إعلان دعوته، ورَفَع راية العصيان، وحاز من النجاح ما أثار مخاوف المسلمين، اقتدت قبائل اليمامة به وشجَّعها على ذلك أنَّ النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم تُوفِّي في ذلك الوقت[7].

المصدر: تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية.
ــــــــــــــــــــ
[1] البلقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى، قصبتها عمان. الحموي 1/489.
[2] عاشور: ص71.
[3] الطبري: 3/283.
[4] ابن الأثير: 2/95.
[5] عاشور: ص73.
[6] إبراهيم: ص105، 106.
[7] هيكل: ص96، 97.

العاشق 2021-05-09 01:33 AM

⦁.σнѕαѕ.☘
جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
وجعلكم من أهل جنات النعيم
اللهم آآآآمين

مس مون 2021-05-09 03:09 AM

طرح رائع

لاهنتوا

كيان 2021-05-09 07:16 AM

بارك الله فيــــــــــك
وجعل ما كتبت في ميزان حسناتك يوم القيامة .
أنار الله قلبك ودربك ورزقك برد عفوه وحلاوة حبه ..
ورفع الله قدرك في أعلى عليين ...
حفظك المولى ورعاك وسدد بالخير خطاك

عبير الورد 2021-05-10 07:41 AM

يعطيك العافيه على هذا الابداع
سلمت يمناك ولاعدمنا جديدك المميز
وبنتظارجديدك بشوق
تقديري واحترامي

صقر 2021-05-11 05:43 AM

جزاكم الله خير الجزاء وجعله الله فى ميزان حسناتكم

الفارس 2021-05-17 11:42 AM

جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
دمت بِ سعآدة لا تنتهي

♕ السلطااانه ♕ 2021-05-19 02:34 PM

جزاك الله خير وبارك فيك
ورزقك الجنة بغير حساب
"
ودي

عيسى العنزي 2021-05-21 06:01 PM


شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

♕حُلوة الحُب♕ 2021-10-13 03:02 AM

https://cdn.top4top.net/i_f8832793b11.gif


الساعة الآن 08:31 PM

 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
المشاركات المكتوبة والمنشورة لا تعبر عن رأي منتدى بحرالامل ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)