♥ ☆ ♥ فعاليات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|||||
♥ ☆ ♥اعلانات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|
۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ قَسَمَ يَهَتَمَ بَاَلَقَرَآنَ وًّاَلَتَفَسَيَرَ وًّاَلَقَرَاَءاَتَ .. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
الواضح في التفسير الحلقة الرابعة والعشرون
الواضح في التفسير (الحلقة الرابعة والعشرون) أ. محمد خير رمضان يوسف الجزء السابع سورة الأنعام (الآيات1 - 58) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1] 1- الشكرُ للهِ والثناءُ الطيِّبُ على رَبِّنا، الذي خلقَ السَّماواتِ والأرض، الدالَّةَ على كمالِ قدرتهِ وسَعةِ علمهِ وعَظمَتِهِ في خَلْقِهِ وتَدبيرِه، الذي جعلَ الظُّلماتِ والنُّورَ مَنفَعةً لعبادهِ في ليلِهمْ ونهارِهم. ومعَ الأدلَّةِ الواضِحَة، والمخلوقاتِ العَظيمةِ المَبثوثَةِ في الكَون، التي تدلُّ على وجودِ اللهِ ووحدانيَّتِه، فإنَّ الكافِرينَ يَميلونَ عنِ الحقّ، ويُشرِكونَ في العبادةِ معَهُ أجساماً وأرواحاً هيَ مِنْ مَخلوقاتِه. ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 2] 2- هوَ اللهُ الذي ابتدأ خَلْقَكمْ مِنْ طِين، ثمَّ قدَّرَ عليكمْ أجلَ الموت، وأجلٌ آخَرُ يَنتظِرُكمْ هوَ يومُ القيامَة، استقلَّ اللهُ بعلمهِ ووقتِ حُلولِه، فلا يَعلمُهُ إلاّ هو، وبعدَ كلِّ هذا تَشُكُّونَ في البَعثِ وتَجحَدونَه، غيرَ متدبِّرينَ قدرةَ الخالقِ وما خَلق؟ ﴿ وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 3] 3- هوَ اللهُ المعبودُ في السَّماواتِ وفي الأرض، وهوَ المالِكُ المتَصرِّفُ فيهما، الكلُّ خاضِعٌ لعظمَتِه، مُستكينٌ لعزَّتهِ وجَلالِه، يعلمُ ما تُخفُونَ وما تُظهِرونَ منْ أقوالٍ وأفعال، وما تَعملونَ مِنْ خَيرٍ وشَرّ. ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [الأنعام: 4] 4- وما نُنَـزِّلُ آيةً على المشرِكينَ المعانِدينَ، أو نُريهمْ مُعجِزةً تدلُّ على وحدانيَّةِ اللهِ وصِدقِ رسولِه، إلاّ صدُّوا عنها وولَّوا مُدبِرين. ﴿ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 5] 5- فقدْ كذَّبوا بالقُرآنِ وأعرَضوا عنهُ لمّا جاءَهمْ آيةً آية، وسَوفَ يَرونَ عَواقِبَ ما كذَّبوا بهِ ووَبالَ استِهزائهمْ ولا مُبالاتِهم، وسيَعلمونَ مِنْ بعدُ أنَّهُ الحقُّ مِنْ ربِّهم. ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 6] 6- ألا يَعتَبِرُ الكافِرونَ مِنْ تاريخِ مَنْ سبَقَهم، فيَنظروا كمْ أهلكنا مِنْ أمَّةٍ قبلَهم، وقدْ أعطَيناهمْ مِنَ القوَّةِ والمالِ والأولادِ وطُولِ العَمرِ والتمْكينِ منَ العَيشِ وسُبلِ الحضارةِ ما لم نُمَكِّنْ لكمْ ذلك، وأغدَقنا عليهمُ الأمطار، وفجَّرنا لهمُ العُيونَ والأنهارَ تَجري في خِلالِ مساكنِهم، فكانوا في خِصْبٍ ورَفاهية، ولكنَّهمْ كفَروا ولم يَشكروا النِّعمة، وردُّوا الرسُلَ وسَخِروا مِنْ مَعجِزاتِهم، وبَطِروا واغترُّوا، وظنُّوا أنَّ مُلْكَهمْ لا يَبلَى، وأنَّهمُ الأقوَى، فأهلكناهمْ بذنوبِهمُ التي اقترَفوها، ولم نُبْقِ منهمْ أحداً، وأوجَدنا بعدَ إهلاكِهم جيلاً آخَرَ بدلاً منهم، فاحذَروا أنْ يُصيبَكمْ ما أصابَهم، وما أنتمْ بأعزَّ على اللهِ منهم. ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الأنعام: 7] 7- إنَّهمْ كفّارٌ مُكابِرونَ معانِدون، ولو أنَّنا نزَّلنا عليكَ منَ السَّماءِ كتابةً في ورقٍ ونَظروا إليها بأعينِهم، ولمَسوها بأيديهم، ورأوها تَنْـزِلُ عِياناً، لأنكَروا كلَّ هذهِ الدلائلَ المادِّيةَ المحسوسةَ التي تُسَلِّمُ بنـُزولِ هذا الكتاب، وقالوا: لا شكَّ أنَّ هذا سِحْرٌ واضحٌ بيِّن، وليسَ هوَ بكتابٍ حَقيقيّ! ﴿ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 8] 8- وقالَ الكافِرونَ أيضاً في عِنادٍ واستِكبار، لا بقَصْدِ الإيمان: هلاّ أُنزِلَ على هذا الرسُولِ مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ يُخبِرُهمْ أنَّهُ رسولٌ مِنْ ربِّه؟ وهمْ يَقصِدونَ المَلَكَ بصورتهِ الحقيقيَّة، وهذا ما لا يُمكن. ولو أنزلنا مَلَكاً كما هو، لتَمَّ أمرُ إهلاكِهم، بسبَبِ هولِ مَنظرِه، معَ ضَعْفِ ما همْ فيهِ منَ القوَّة. ثمَّ لا يُمْهَلونَ بعدَ إنزالهِ ومشاهدتهِ لِيُسَلِّموا بالأمرِ أو يَتوبوا، لأنَّ الموتَ يكونُ قدْ سبقَهم. ومنْ وجهٍ آخر: إذا أنزلَ اللهُ المَلَكَ ولم يُؤمنوا أهلَكهم، ولم يُنْـزِلْهُ تعالَى لئلاّ يَستَحِقُّوا هذا العَذاب. ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9] 9- ولو بَعثنا إليهمْ أحدَ الملائكة، ليكونَ نبيّاً مُرسَلاً إليهم، أو مُصَدِّقاً للنبيِّ المُرسَلِ إليهم، لجعَلناهُ في صُورةِ رَجُلٍ آدَميٍّ على شَاكلَتِهم؛ ليُنتَفعَ بهِ بما يُناسبُهم، ولو كانَ في صُورتهِ الأصليَّةِ لَما كانَ بالإمكانِ النظرُ إليهِ أصلاً، ولو جُعِلَ في صورةِ رَجُلٍ لالتَبَسَ عليهمُ الأمرُ وقالوا: ما هذا إلاّ بَشَر، وليس مَلَكاً، ثمَّ يَقولونَ في الرسالةِ ما يَقولونَ في رسالةِ الرسُولِ البَشَريّ. ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10] 10- لقدْ سبقَ لأمثالِ هؤلاءِ الكفّار أنِ استهزَؤوا وتَهكَّموا برسُلٍ مِنْ قبلِكَ كما اسُتهزِئَ بكَ أيُّها النبيّ، فأحاطَ بالمستَهزئينَ منهمْ عقوبةُ استِهزائهمْ بأنبيائهم، التي كانوا يَسخَرونَ منها ولا يُصَدِّقونَها. ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11] 11- قلْ أيُّها النبيُّ لهؤلاءِ المكذِّبينَ المستَهزئين: امشُوا في الأرضِ مُفَكِّرينَ مُعتَبِرينَ مِنْ آثارِ السَّابقينَ وحوادثِهمْ وقَصَصِهم، وما حلِّ بالمكذِّبينَ منهمْ مِنْ عُقوبةٍ جزاءَ كُفرِهمْ وسُخرِيَتِهمْ مِنْ أنبيائهم، معَ ما يَنتَظرُهمْ في الآخِرَةِ مِنْ عَذاب. ﴿ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12] 12- قلْ لهمْ أيضاً تَذكيراً وتأنيباً: لمنِ الأرضُ وما فيها مِنْ كائنات: خَلْقاً ومُلْكاً وتَصرُّفاً؟ قلْ لهم: إنَّكمْ إذا فكَّرتُمْ وتَدبَّرتمْ لنَطَقَتْ فِطرَتُكمْ وأدَّى بكمْ عقلُكمْ إلى الاعترافِ بالحقِّ وعدمِ إنكارِه، وأنَّ كلَّ هذا الكونَ للهِ وحدَه. وقدْ قضَى اللهُ سبحانَهُ على نفسهِ المقدِّسةِ بأنْ يَرحمَ العِباد، ولا يُعَجِّلَ عُقوبتَهم، وأنْ يَقبلَ توبتَهم، إحسَاناً وتفضُّلاً منه، وسَوفَ يَجمعُكمْ جميعاً ليَومٍ لا رَيبَ فيه، هوَ يومُ الحِساب، ويومُ الثَّوابِ والعِقاب، والخائبونَ الذينَ خَسِروا أنفسَهمْ في ذلكَ اليومِ همُ الجاحِدونَ المستِهزِئونَ برسَالاتِ ربِّهمْ في الحياةِ الدُّنيا، المصِرُّونَ على الكفر، المستَكبِرونَ عنْ قَبولِ الحق، الذينَ لا يُصَدِّقونَ بالمَعاد، ولا يَخافونَ سُوءَ ذلكَ اليَومِ وهَوْلَه. ﴿ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 13] 13- ولهُ سُبحانَهُ كلُّ ما استقرَّ مِنْ كائن، في السَّماواتِ والأرض، باللَّيلِ والنَّهار، فالجميعُ عبادُه، تحتَ تَدبيرهِ وسُلطانِه، وهوَ السَّميعُ لأقوالِهمْ وأصواتِهم، العليمُ بحركاتِهمْ وأسرارِهم. ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ﴾ [الأنعام: 14] 14- قلْ لهمْ أيُّها الرسُولُ الكريم: لا أتَّخذُ غيرَ اللهِ مَعبوداً وناصِراً ومُعيناً، سُبحانَهُ لا شريكَ له، خالقِ السَّماواتِ والأرضِ ومُبدِعِهما، وهوَ يَرزُق ولا يُرْزَق، يَرزُقُ الكائناتِ كلَّها، وهوَ غيرُ محتاجٍ إليها. قلْ لهمْ كذلك: لقدْ أُمِرْتُ مِنْ قِبَلِ ربِّي عزَّ وجلَّ أنْ أكونَ أوَّلَ مَنْ أسلمَ مِنْ هذهِ الأمَّة، مُتوَجِّهاً إليهِ سُبحانَه، مُخلصاً لهُ دِيني. وقيلَ لي: ولا تَكوننَّ منَ المشرِكينَ في أمرٍ مِنْ أمورِ الدِّين. ﴿ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15] 15- قُلْ لهمْ في خَوفٍ وتَضُرُّعٍ إلى ربِّكَ: إنَّني أخافُ ربِّي وأخشَاهُ إذا عَبدتُ غيرَه، وخالَفتُ أمرَهُ ونَهيَه، أنْ أُعَذَّبَ عَذاباً عَظيماً في يومٍ عَظيم، هوَ يومُ القيامَة. وهوَ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ مَعصومٌ منْ هذا، لكنَّهُ تَذكيرٌ ووَعيدٌ للناسِ بغَضَبِ اللهِ وعِقابهِ لمنْ كفرَ وعصَى. ﴿ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الأنعام: 16] 16- ومَنْ صَرَفَ اللهُ عنهُ العَذابَ في ذلكَ اليومِ العَصيب، فقدْ رَحِمَهُ رَحمَةً كبيرَة، وذلكَ هوَ النَّجاةُ والفَلاح، والفَوزُ بالسَّعادةِ الدائمَة، في جنَّةِ اللهِ الخالِدَة. ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾ [الأنعام: 17] 17- وإذا أصابَكَ اللهُ ببَليَّة، كمَرَضٍ وغَرَق، فلا يُفرِّجُها عَنكَ غَيرُه، وإذا أصابَكَ بعافيةٍ ونِعمَة، كصِحَّةٍ وغِنًى، فلا رادَّ لفَضلِه، ولا يَقدِرُ أحدٌ على أنْ يُمسِكَ خيرَهُ عنك، فهوَ القادرُ على كلِّ شَيء، منَ الخيرِ والشرّ، والضرِّ والنَّفع. ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18] 18- وهوَ القاهِرُ الذي خَضَعتْ لهُ الرِّقاب، الغالِبُ الذي ذَلَّتْ لهُ الجبابِرة، القادِرُ الذي عَنَتْ لهُ الوجوه. وهوَ الحكيمُ في تَدبيرِ الأشياء، المُحسِنُ في تَقديرِها، والعالِمُ بأسرارِ عبادِه، الخبيرُ بما دقَّ مِنْ أحوالِهم. ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19] 19- وإذا عانَدكَ المشرِكونَ وازدادوا استِكباراً وإنكاراً لرسالتِك، فقُلْ لهمْ يا نبيَّ الله: ما هوَ أعظمُ الأشياءِ شهادةً وأصدقُها؟ فقلْ لهمْ أنت: إنَّ أعظمَها وأجلَّها وأصدقَها هوَ شهادةُ الله، فهوَ العالِمُ بما جئتُكمْ به، وهوَ الذي يَشهدُ لي بالحقّ، ولكمْ بالباطِل، وقد أُوحيَ إليَّ هذا القُرآنُ المُعجِزُ منْ قِبَلهِ تعالَى، الذي يَشهدُ بصحَّةِ رِسالتي إليكم، لأُنذِرَكمْ بما فيهِ منَ الوعيد، أنتُمْ ومَنْ بَلَغَهُ القُرآنُ مِنَ الثَّقلينِ حتَّى يومِ القيامَة. أتَشهَدونَ أيُّها المشرِكونَ أنَّ هناكَ معَ اللهِ آلهةً أخرَى؟ قلْ لهمْ: لا أشهَدُ بهذا ولو شَهِدتُمْ به، فإنَّهُ باطِلٌ لا حقَّ فيه ولا دَليلَ عليه. وقلْ لهمْ مُقِرّاً بالتوحيدِ والأُلوهيَّةِ لله، مُعَلِّماً إيّاهمْ ذلك: إنَّما اللهُ إلهٌ واحِد، لا شَريكَ لهُ ولا نِدّ، ولا أهلَ لهُ ولا كُفء، ولا مَعبودَ بحقٍّ سِواه، وبذلكَ أشهَد، وأنا بريءٌ مِنْ إشراكِكمْ وما تَعبدُون. ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 20] 20- إنَّ الذينَ آتَيناهمُ الكتابَ منَ اليهودِ والنَّصارَى، يَعرِفونَ النبيَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلَّم كما يَعرِفونَ أبناءَهم. ومعرفةُ الابنِ مَثَلٌ يُضْرَبُ بهِ لليَقين، فلا يُشَكُّ في ذلكَ ألبتَّـة. وذلكَ أنَّ الرسُلَ كلَّهمْ بشَّروا بهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وببِعثَتِه، وبأحوالهِ وأمَّتِه، والذينَ خابوا وخَسِروا أنفسَهمْ كلَّ الخسارة، همُ المشرِكونَ وأهلُ الكتاب، الذينَ لم يؤمنوا بما يَجِبُ الإيمانُ به، وهوَ ظاهِرٌ مَعروف، بشَّرَ بهِ الأنبياء، وعَرَفتْهُ الأممُ منذُ القِدَم. ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21] 21- وليسَ هناكَ أظلَمُ ولا أكذَبُ مِنَ الذي تَقوَّلَ على اللهِ فادَّعى أنَّهُ رسولٌ مِنْ عندِ اللهِ وليسَ هوَ كذلك، وممَّن ادَّعَى أنَّ لهُ شَريكاً وهوَ الواحِدُ الأحَد، أو كذَّبَ بالمُعجِزاتِ التي أنزَلها اللهُ على رسولِه، الدالَّةِ على صِحَّةِ رسالتهِ وقالَ إنَّها سِحر، أو كذَّبَ بالقُرآنِ وقالَ إنَّهُ مِنْ كلامِ البَشر. ولا يُفلِحُ الظَّالمونَ منَ المفتَرِينَ والمكذِّبينَ أبداً، وسيَظهَرُ كذبُهمْ وباطِلُهمْ في الدُّنيا، وتَفتَحُ لهمْ جهنَّمُ أبوابَها يومَ القيامَة. ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 22] 22- ونَحشرُ الكافِرينَ وآلهتَهمْ جميعًا يَومَ القيامَةً، ونسألُهمْ على رؤوسِ الأشهاد: أينَ الأصنامُ التي كنتُمْ تَعبدونَها وتَزعُمونَ أنَّها آلهةٌ معَ الله؟ ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23] 23- ثمَّ لمّا رأوا ما همْ مُقْدِمونَ عليه، ولا بدَّ لهمْ منْ أنْ يُجِيبوا على ما اختُبِروا به، قدَّموا مَعذِرتَهمْ مُتبرِّئينَ مِنْ شِركِهم، بقولِهم: واللهِ يا ربَّنا لم نُشرِكْ بكَ شَيئاً! قالوا هذا بعدَ أنْ رأوا أنَّهُ لا يَدخلُ الجنَّةَ سِوَى أهلِ التوحيد، فنفَوا ما كانوا قائمينَ عليهِ في الدُّنيا. ويومُ القيامةِ طَويل، تكونُ فيهِ حالات، هذهِ إحداها. ﴿ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 24] 24- فانظرْ كيفَ كذَبوا على أنفسِهمْ باعتذارِهمُ الباطلِ وتَبرُّئهمْ منَ الشِّرك، وقدْ زالتْ عنهمْ أوثانُهم، فلمْ تُغْنِ عنهمْ منَ اللهِ شيئاً، لا في الدُّنيا، ولا في الآخِرَة، وقدْ كانوا يَرجُونَ شفاعتَها ونُصرتَها، فبَطَلَ كلُّهُ في ذلكَ اليوم، بلْ كانتْ وَبالاً عليهمْ وعَذاباً. ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25] 25- ومنَ المشرِكينَ مَنْ يأتي إليكَ ويُصغِي إلى قراءَتك، ولكنْ بعَقلٍ غَيرِ وَاعٍ وقَلبٍ عارٍ عنِ الفَهم، فقدْ أنشَأنا على قُلوبِهمْ أغطيةً لئلاّ يَفهموا القُرآن، وفي آذانِهمْ صَمَماً وثِقلاً عنِ السَّماعِ النافِع، وذلكَ لجهلِهمْ بأمرِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ومكانتِه، وبُعدِهمْ عنْ شأنِ الرسالةِ وعظَمتِها. وإذا شاهدوا مُعجِزاتٍ وآياتٍ دالَّةً على صِدقهِ عليهِ الصلاةُ والسلام، لم يؤمِنوا بها، لفَرْطِ عِنادِهمْ وتقليدِهمْ آباءَهمْ جَهلاً وضَلالاً، حتَّى إذا جاؤوا إليكَ وخاصَموكَ وناظَروكَ في الحقّ، قالَ مُجادِلوك، الكافِرونَ برسالةِ اللهِ إليك، في تَكذيبٍ ومُكابَرة: ما هذا الذي جئتَ بهِ وتُحَدِّثُنا منهُ سِوَى أحاديثَ وأقاصيص، وتُرَّهاتٍ وأباطيلَ لا يُعَوَّلُ عليها، مأخوذةٌ مِنْ كتُبِ الأوائل. ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26] 26- وهؤلاءِ الكفَّارُ يَنهَونَ النَّاسَ عنِ الاستماعِ إلى رسولِ اللهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّمَ وأتباعِه، ويَتباعَدونَ عنه، تأكيداً لنَهيهِمْ وإظهاراً لنفورِهمْ منه، وما يُهلِكونَ بهذا الصَّنيعِ سِوَى أنفسِهم، فقدْ باؤوا بآثامِهمْ وآثامِ مَنْ مَنَعوهمْ مِنَ الإيمان، وعادَ وبالُ فِعلِهمْ وضلالِهمْ عَليهم. وعنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّها نزَلتْ في أبي طالب، كانَ يَنهَى المشرِكينَ أنْ يُؤذوا محمَّداً صلى الله عليهِ وسلَّم، ويَنأَى عمّا جاءَ به. ﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27] 27- ولو نظَرتَ إليهمْ حينَما يُعاينونَ نارَ جهنَّمَ وما فيها مِنْ أنواعِ العَذاب والأهْوال، فعندَ ذلكَ يَقولون، وقدْ عَرَفوا ذَنْبَهمْ ومَصيرَهم: يا ليتنا نَرجِعُ إلى الدُّنيا ولا نُكَذِّبُ بالقُرآنِ ولا نَقولُ إنَّهُ أساطيرُ الأوَّلين، بلْ نؤمنُ ونَعملُ صالحاً كما يرضَى ربُّنا. ﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28] 28- وليسَ الأمرُ كما قالوا، مِنْ عَزمِهمْ على التَّصديقِ بالآياتِ وتَشُوُّقهمْ إلى الإيمانِ إذا عادوا إلى الدُّنيا، بلْ قالوا ذلكَ خَوفاً مِنَ العَذاب، وقدْ ظهرَ لهمْ ما كانوا يُسِرُّونَهُ مِنْ إنكارِ تَحَقُّقِ يومِ القيامةِ وعدمِ الإيمانِ بثبوتِ النارِ والحِساب. أو أنَّ المقصودَ هوَ ما كانوا يُسِرُّونَهُ منَ الإيمانِ بصدقِ رسالةِ الرسُولِ ولكنَّهمْ كانوا يُخْفُونَهُ عنْ أتْباعِهم، هكذا جَهلاً وعِناداً وحِفاظاً على الزَّعامة. ولو أنَّهمْ رَجعَوا إلى الدُّنيا لعَادوا إلى حالِهمْ منَ الكُفرِ والتكذيبِ والمعانَدة، فهمْ كاذبونَ في قولِهم: ﴿ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27]. ﴿ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الأنعام: 29] 29- وقالَ الكافِرونَ المكذِّبون: إنَّ الحياةَ التي نَعيشُها في الدُّنيا هي هذهِ فقط، ولا حياةَ غيرُها، ولا قيامةَ لنا بعدَ الموت. ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 30] 30- ولو نَظرْتَ إليهمْ وقدْ أُوقِفُوا بينَ يدَيْ ربِّهمْ للحِساب، وقالَ لهم: أليسَ المَعادُ والعَذابُ حقًّا، وليسَ باطِلاً كما كنتُمْ تزعُمون؟ فقالوا في ذُلٍّ وانكِسار، وغمٍّ وخَوف: بلَى، هوَ حقٌّ واللهِ ربَّنا. وهذا أحَدُ المواقفِ الكثيرةِ يومَ القيامة. قالَ لهمْ ربُّهم: فذوقُوا اليومَ مسَّ العَذابِ الذي كنتُمْ تَكفُرونَ بهِ وتُنكِرونَه. ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31] 31- لقدْ خَسِروا أنفسَهم، هؤلاءِ الذينَ كفَروا بيومِ الحِساب، وخابوا ونَدِموا، حتَّى إذا دقَّتْ عليهمْ ساعةُ يومِ القيامَةِ فَجأة، قالوا وقدْ عَلِموا ما قدَّموا مِنْ سُوءِ الفَعال: ما أشدَّ ندامَتَنا على ما قَصَّرنا وضَيَّعنا مِنْ أعمالِ الطَّاعةِ في الحياةِ الدُّنيا، وهمْ يَحمِلونَ آثامَهمْ وخطاياهُمْ على ظُهورِهم، ألا ما أسوَأ وما أثقلَ ما يَحمِلون. ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32] 32- وما الحياةُ الدنيا -في غالبِها- إلا كاللَّعبِ واللَّهوِ في عَدَمِ النَّفعِ والثَّبات، فلا يشتَغلُ العاقِلُ بما هوَ باطِلٌ وغُرورٌ ولا بقاءَ له، فهوَ سريعُ الزَّوال، قليلُ الانتِفاعِ به، والدَّارُ الآخِرَةُ وما يتعلَّقُ بها منْ ثَوابٍ ونَعيم، وخُلودٍ ورِضوانٍ منَ الله، خَيرٌ وأعظَمُ منْ ذلكَ المَتاعِ القَليل، للَّذينَ يَبتَعدونَ عنِ الكُفرِ والعِناد، ويَفتَحونَ قلوبَهمْ للحقِّ والإيمان، أفلا تَفقَهونَ ذلكَ لتبتَعِدوا عمّا نَهى اللهُ عنه، وتُقبِلوا على ما رغَّبَكمْ فيهِ وحثَّكمْ عليه، وفيهِ مَنفَعةٌ لكمْ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرة ؟! ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33] 33- لقدْ عَلِمنا بما يَعتريكَ مِنْ حُزنٍ وغَمًّ بسبَبِ مخالفةِ قومِكَ لكَ وتَكذيبِهمْ إيّاك، وهمْ لا يتَّهمونَ شخصَكَ بالكذِب، فليستِ العداوةُ بَينكَ وبينَهمْ متعلِّقةً بأمورٍ شَخصيَّة، ولكنَّهمْ ظالمونَ مُعتَدون، يَكفُرونَ بآياتِ اللهِ التي توحَى إليك. وقدْ نَزَلتْ في أبي جَهل، الذي قالَ لرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: إنّا لا نُكَذِّبُك، ولكنْ نُكَذِّبُ ما جئتَ به! ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34] 34- ولستَ أوَّلَ رَسُولٍ يُكَذَّبُ مِنْ قِبَلِ قومِه، فقدْ سَبقَكَ رُسلٌ كُذِّبوا فصَبروا على تكذيبِهمْ لهم، وثَبَتوا وبلَّغوا رِسالاتِ ربِّهم، وأُوذوا نتيجةَ ذلكَ حتَّى أتاهُمْ نصرُنا الذي وعَدناهم، ولا ناقضَ لِما حَكمَ بهِ اللهُ مِنْ نَصرِ أنبيائهِ على أعدائهم، وقدْ عرفتَ مِنْ خَبَرِهمْ كيفَ مُنحِوا النصرَ بتأييدهِ وقوَّتِه، فتأسَّ بهمْ واصبِرْ كما صبرَ أُوْلو العَزمِ منَ الرسُل، فلكَ فيهمْ أُسْوَة، وبهمْ قُدْوَة، حتَّى يأتيَ نصرُ اللهِ الموعُود. ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام: 35] 35- وإذا شقَّ عليكَ إعراضُهمْ وعَظُمَ عليكَ مخالفتُهمْ بما جئتَ بهِ منَ القُرآن، فإنْ قَدَرتَ وتهيَّأَ لكَ أنْ تَطلُبَ سِرْباً في الأرض، أو دَرَجاً ومَرقاةً في السَّماءِ فتَصعَدَ فيه، فتأتيَهمْ منهما بآيةٍ أفضلَ ممّا آتيناهمْ بهِ ليؤمِنوا، فافعل. -وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ حريصاً أنْ يُتابِعَهُ جَميعُ الناس- ولو شاءَ اللهُ أنْ يَجمعَهُمْ على الهُدَى والإيمانِ لفَعل، ولكنَّهمْ لا يُحِبُّونَ ذلك، ولا يُريدونَ أنْ يَسمَعوا كلامَك، ولا أنْ يَتوجَّهوا إلى الخَير، فلا تَكنْ بهذا الحرصِ الشَّديدِ على إسلامِهم، ولا تَجزَعْ في مَواطنِ الصَّبر، ولا تَكوننَّ منَ الجاهِلينَ بذلك. ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36] 36- إنَّما يَستَجيبُ لكَ ويَقبَلُ منكَ دعوتَكَ منِ استمعَ إليكَ بوعي وفَهمٍ وتَدَبُّر. أمّا الكفّارُ الجَهَلةُ موتَى القُلوب، فسوفَ يَبعثُهمُ اللهُ مِنْ قبورِهمْ إلى المحشَر، ليكونَ مَرجِعَهمْ إلى الله، ويُعَذِّبَهمْ بأعمالِهم. ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّل آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 37] 37- وقالَ المشرِكونَ في تَعنُّتٍ وضَلالٍ دونَ أنْ يَقتَنِعوا بآياتٍ سَابقةٍ رأوها منَ الرسُولِ صلى الله عليه وسلم: هلاّ أُنزِلتْ عليهِ آيةٌ خارِقةٌ تكونُ دليلاً على نبوَّتِه؟ فقلْ لهمْ يا نبيَّ الله: إنَّ اللهَ قادرٌ على أنْ يُنـزِّلَ آيةً خارقةً كما أنزلها مِنْ قبلُ على أنبياءَ سابقِين، ولا يُعجِزُهُ شيءٌ مِنْ ذلكَ وهوَ خالِقُ الكون، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يَعلمونَ أسبابَ الإمهالِ والتأخِير، فلو أنَّهُ سُبحانَهُ أنزلها وفقَ ما طَلبوا ثمَّ لم يؤمِنوا لعاجلَهمْ بالعُقوبة، كما فعلَ بالأمَمِ السَّابقة. ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ﴾ [الإسراء: 59]. ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38] 38- وما منْ كائنٍ حيٍّ في الأرْض، أو طائرٍ يطيرُ بجناحَيهِ في الجوّ، إلاّ خَلْقٌ وأصنافٌ مُختلِفةٌ أمثالُكم، في أحوالِهمْ وأرزاقِهمْ وتَدبيرِهم، ما أغفَلنا ولا ترَكنا شَيئاً مُهمَلاً، بلْ كلُّ شيءٍ مُسَجَّلٌ ومحفوظٌ في كتابٍ عندَ الله، هوَ اللَّوحُ المحفوظ. ثمَّ يُحْشَرُ الخَلقُ كلُّهمْ إلى اللهِ يومَ القيامة. ويَبلُغُ مِنْ عدلِ اللهِ أنْ يأخذَ للجَمّاءِ من القَرْناء، ثمَّ يقول: كوني تُراباً. والكلامُ الأخيرُ من قولِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه باختصارٍ في تَفسيرِ الآية، رواهُ الحاكمُ وصحَّحَه. ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39] 39- والكافرونَ الذينَ كذَّبوا بالقُرآنِ وسائرِ الأدلَّةِ الواضِحات، مثَلُهمْ في قِلَّةِ علمِهمْ وعدمِ فَهمِهم، كالصُّمِّ الذينَ لا يَسمَعون، والبُكْمِ الذينَ لا يَتكلَّمون، وهمْ معَ ذلكَ في ظَلامِ لا يُبصِرون، فلا يَسمَعونَ الآياتِ سَماعَ المتفهِّمِ المتدبِّر، ولا يَقدِرونَ على النُّطقِ بالحقّ، لانجِذابِهمْ إلى التَّقليدِ الأعمَى وعدمِ تجاوبِهمْ معَ العَقلِ السَّويِّ والفِكرِ السَّليم، فهمْ في ظُلماتِ الكُفرِ والجهلِ والعِنادِ ماكِثون، وهوَ سُبحانَهُ المتصرِّفُ في خَلْقِه، فمَنْ وجدَ استعدادَهُ مائلاً إلى الكُفرِ والضَّلالِ أضلَّه، ومنْ وجدَ فيه خَيراً وقابِليَّةً لقَبولِ الحقِّ والتَّجاوبِ مع الإيمانِ أرشدَهُ إلى الطريقِ الصَّحيح. ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأنعام: 40] 40- وقُلْ أيُّها النبيُّ الكريمُ للكافِرينَ: أرأيتُمْ إنْ أتاكُمْ عَذابٌ مِنْ عندِ اللهِ في الدُّنيا بسبَبِ كفرِكمْ وأعمالِكمُ السيِّئة، أو جاءَتكمُ السَّاعةُ بهولِها وحِسابِها وعَذابِها، فهلْ تَدعونَ غيرَ اللهِ لكَشفِ هذا الكَربِ عنكم؟ وأينَ يبقَى صِدقُكمْ في اتِّخاذِ الأصنامِ آلهة؟! ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 41] 41- بلْ تَدعونَ اللهَ ربَّ العالمينَ في وقتِ الشَّدائدِ والضَّرورات، ولا تَدعونَ أحداً سِواه، فيدفَعُ عنكمُ الضُّرّ، ويُزيلُ عنكمُ الكَرْبَ إذا شَاء، وتَتركونَ ما كنتُمْ تُشرِكونَ بهِ معَ اللهِ مِنَ الأصنام، ولا تَدْعونَها يومَ شدَّتِكم. ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42] 42- وقدْ أرسَلنا رُسلاً إلى أُمَمٍ كثيرينَ قبلَك، فكذَّبوهم، فعاقَبناهمْ بالقَحْطِ والضِّيقِ في العَيش، والأمراضِ والآلامِ ونَقصِ الأنفُس، لكي يَتضَرَّعوا إليَّ ويَدْعوني ويَتوبوا مِنْ كفرِهم. ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43] 43- فهلاّ لمَّا نزلَ بهمْ ابتلاؤنا تَذلَّلوا وتَضرَّعوا إلينا؟ ولكنَّهمْ أبَوا ذلكَ وبَقُوا على عِنادِهمْ وقَساوةِ قلوبِهمْ وجُمودِ عُقولِهم، واستمَرُّوا على ما كانوا عليه، وسَوَّلَ لهمُ الشَّيطانُ أنَّ ما أصابَهمْ ليسَ بسببِ ما كانوا يَعمَلونَ منَ الكُفرِ والمعاصي. ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44] 44- فلمّا أعرَضوا عمّا ذكَّرْناهُمْ به، ونَسُوا ما وُعِظوا به، وخالَفوا ما أُمِروا بهِ منْ قِبَلِ رُسلِهم، وانهمَكوا في مَعاصيهم، حقَّ عليهمُ العَذاب، وحانَ وقتُ العِقاب، فأعطيناهمْ منَ الدُّنيا ما يَشتَهون، وجعَلناهُمْ في نِعمَةٍ ورَخاء، بدلَ الشدَّةِ والبَلاء؛ مكراً بهمْ واستِدراجاً لهم. حتَّى إذا اتَّخَموا وبَطِروا بما عندَهمْ منْ أموالٍ وأرزاقٍ ونِعَم، ولم يَقومُوا بحقِّها، عاقَبناهُمْ فَجأة، وأنزلنا بهمُ العَذابَ وهمْ غافِلون، وكانوا في قِمَّة فرَحِهمْ وسَكرَتِهم، ليَكونَ العَذابُ أوقعَ فيهمْ وأوجَع، فإذا همْ آيسِونَ منَ النَّجاةِ والرَّحمَة، أذلَّةٌ خاضِعون، ساكتونَ مُكتَئبون. ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45] 45- لقدْ أُعطُوا منَ الدُّنيا ما يُريدون، ثمَّ أُخِذوا بما كانوا يَعمَلون، فاستُؤصِلوا بالعَذابِ عنِ آخِرِهم، ولم يَبقَ منهمْ أحد. والحمدُ والشكرُ للهِ ربِّ العالمين، الذي أجرَى عليهمْ هذا الهَلاك، وخلَّصَ الناسَ مِنْ شُرورِهمْ وظُلمِهمْ وأفكارِهمُ المنحَرِفة. والمسلمُ يحمَدُ اللهَ على كفايتهِ شرَّ الظالمين. ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 46] 46- قلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ المكذِّبين: أرأيتُمْ لو سلبَ اللهُ سمعَكمْ فكنتُمْ صُمّاً، وسلبَ أبصارَكُمْ فكنتُمْ عُمياً، وغطَّى على قلوبِكمْ فلمْ تَعرِفوا مِنْ أمورِ الدُّنيا شَيئاً، فهو الذي خلقَها فيكم، وقادرٌ أنْ يأخُذَها منكم، فمَنْ إلهٌ غَيرُهُ يأتيكمْ بذلكَ كلِّه؟ انظرْ كيفَ نبيِّنُ لهمُ الأدلَّةَ ونُكرِّرُها لتَكونَ مَنْفَذاً لهمْ إلى التفكُّرِ والإيمان، ومعَ ذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنها ويُكذِّبونَ بها! ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 47] 47- وقُلْ لهمْ مُذكِّراً إيّاهمْ في آخِرِ ما يوعَظُ بهِ النَّاس، قبلَ أنْ لا يُفيدَهمْ وَعظٌ ولا تَذكير: أرأيتُمْ إذا حَلَّ بكمْ عَذابُ اللهِ ونِقمتُهُ فَجأةً مِنْ غَيرِ مُقَدِّمات، فداهمَكمْ وأخذَ على أنفاسِكم، أو مُعاينةً وأنتُمْ تَرونَهُ يَنـزِلُ بكم، ليلاً أو نهاراً، ولا قُدرةَ لكمْ على إنقاذِ أنفُسِكمْ منه، لأنَّهُ يُحيطُ بكمْ منْ كلِّ جانب، أليسَ الهلاكُ والنَّكالُ يَكونُ على القَومِ الظالمينَ المكذِّبينَ أمثالِكم؟ ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام: 48] 48- وليسَ الهدفُ منْ إرسالِ الرسُلِ إلى الناسِ إلاّ أنْ يُبَشِّروهمْ بالخَيرِ والثوابِ الجَزيلِ لمنْ أطاعَه، ويُنذِروهمْ ويخوِّفوهمْ بالعِقابِ والعَذابِ لمنْ عصَى وأبَى. فمَنْ آمنَ بما جاءَ بهِ الرسُلُ وعَمِلَ صالحاً موافِقاً للشَّريعة، فلهمُ الأمانُ يومَ الجزاءِ عندما يَخافُ الكفَرَةُ الجاحِدون، ولا يُصيبُهمُ الهمُّ والغمُّ كما يُصيبُهم. ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ [الأنعام: 49] 49- والمكذِّبونَ بالآياتِ والمُعجِزاتِ التي بلَّغها الرسُل، تَبشيراً وإنذاراً، يُصيبُهمْ حظُّهمْ منَ العَذاب، بسبَبِ خُروجِهمْ عنْ طاعَةِ اللهِ ورسُلِه. ﴿ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50] 50- قُلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ مِنْ قَومِك، وهمْ يَقتَرِحونَ منَ الآياتِ ما يَقترِحون: إنَّني لا أملِكُ خَزائنَ ربِّي، ولا أقدِرُ على التصرُّفِ فيها كما أشاء، ولا أنْ أرزقَكُمْ منها ما تُريدون، ولا أقولُ لكمْ إنِّي أعلمُ الغَيبَ فأخبرُكمْ بما غابَ ممّا مضَى وبما سيَكون، ولا أعلمُ مِنْ ذلكَ سِوَى ما أطلَعَني اللهُ عليه، ولا أدَّعي أنِّي مِنَ الملائكة، بلْ واحِدٌ مِنَ البشَرِ أنعمَ اللهُ عليَّ بالوحي لأنذِرَكمْ به. ولا أخرجُ عمّا يوحَى إليَّ، فما أفعلهُ بتوجيهٍ منَ اللهِ وتَسديدٍ منه. قلْ لهمْ: هلْ يَستَوي الضَّالُّ الذي لا يَدري كيفَ يَسير، والمُهتدي الذي يَمشي على نورٍ مِنْ ربِّه ويَعرِفُ طَريقَ الحقّ؟ إنَّهما لا يَستويان، أفلا تَتفهَّمونَ ذلك لتَرجِعوا إلى الحقِّ؟ ﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51] 51- وأنذِرْ وعِظْ بهذا القُرآنِ مَنْ يؤمِنُ بيَومِ القيامَة، الذينَ يخافونَ حِسابَ ربِّهم، يَرجُونَ ثوابَهُ ويَخافونَ عِقابَه، ليسَ لهمْ وليٌّ يَنصرُهمْ ولا شَفيعٌ يَتوسَّلونَ بهِ سِوَى الله، ليتَّقوا ربَّهمْ بهذا التذْكير. ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52] 52- ولا تُبْعِدْ عنكَ المؤمِنينَ الذينَ يَعبدونَ ربَّهمْ ويَذكرونَهُ ويَسألونَهُ صَباحَ مساء، يَبتغونَ بذلكَ وجهَهُ الكريم، في إخلاصٍ تامّ، لا رياءً ولا سُمعَة، بلْ قرِّبْهُمْ إليكَ وجالِسْهُم، فليسَ عليكَ شَيءٌ مِنْ حِسابِ أعمالِهمْ وأرزاقِهم، وكذلكَ ليسَ عليهمْ شَيءٌ مِنْ حِسابِك، فإذا أبعدتَهمْ عنكَ كنتَ مُتجاوِزاً الحقّ. والمرادُ انتِفاءُ الطَّرد. وهوَ تَنبيهٌ ودَرسٌ للمسلِمين. ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53] 53- وكذلكَ ابتلَينا واختبَرنا الناسَ بعضَهمْ ببَعض، الفقراءَ بالأغنياءِ والعَكس، والأشرافَ بمنْ دونَهمْ وبالعكس، ليقولَ المشرِكونَ المتكبِّرونَ في أصحابِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقدْ كانَ غالبُهمْ منَ الضُّعفاءِ والعَبيدِ في أوَّلِ البِعثَة: أهؤلاءِ هَداهمُ اللهُ إلى الإيمانِ فهمُ الأحسَنُ مِنْ بينِنا، أنحنُ نكونُ تبَعاً لهمْ وهمُ العبيدُ والفقراءُ ونحنُ الرؤساءُ والأثرياء؟ اطرُدْهُمْ عنكَ فلعلَّكَ إنْ طرَدتَهُمْ أنْ نتَّبِعَك. أليسَ اللهُ مطَّلعاً على أحوالِهمْ وضمائرِهِمْ فهَداهُمُ إلى طريقِ الحقّ، ووفَّقهُمْ إلى ما فيهِ الخير؟ أليسَ عالماً بمنْ شكرَ نِعَمَةَ الإيمانِ عليهِ فقَبِلَهُ عندَه؟ ﴿ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54] 54- وإذا أتاكَ المؤمِنونَ الصَّالحون، فبشِّرْهُمْ بالسَّلامِ والأمانِ مِنْ عندِ الله، وقدْ أوجبَ اللهُ سُبحانَهُ على نفسهِ المقَدَّسة، تَفضُّلاً منهُ وإحساناً، أنَّ منِ اقترفَ منكمْ ذَنْباً وهوَ جاهِل، ثمَّ استَغفرَ منهُ وتابَ إلى الله، وأقلعَ عنهُ وعَزمَ عَلى عَدمِ العَودةِ إليه، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ له، ويَرحَمُهُ برَحمتهِ الواسِعَة. ﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55] 55- وهكذا نوضِّح الأدلَّةَ لبيانِ صِفَةِ أهلِ الطَّاعةِ وأهلِ الإجرام، وليَظهرَ لكَ أيُّها النبيُّ أسلوبُ تعامُلِ الآخَرِينَ معَ الرسُل، فتعامِلَهمْ بما هوَ مُناسِب. ﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 56] 56- قلْ لهؤلاءِ المُصِرِّينَ على الشِّرك، قَطعاً لأطماعِهمُ الفاسِدة: إنَّني مُنِعْتُ وصُرِفْتُ عنْ عبادةِ الآلهةِ المزعُومة، التي لا تَسمعُ ولا تَتكلَّم، ولا تَضرُّ ولا تَنفَع. وقلْ لهم: لا أتَّبع أهواءَكمُ الزائغَة، وأفكارَكمُ الباطِلة، فإذا فَعلتُ ذلكَ كنتُ ضالاًّ، تارَكاً سَبيلَ الحقّ. ﴿ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57] 57- قلْ للمُشرِكينَ أيضاً: إنَّني على حُجَّةٍ واضحةٍ وبَصيرةٍ نيِّرةٍ مِنْ دِينِ اللهِ الموحَى بهِ إليّ، وأنتُمْ قدْ كذَّبتُمْ بذلكَ وأشرَكتُم، وليسَ عندي الآنَ العَذابُ الذي تَستَعجِلونَ بهِ ليَحِلَّ بكمْ -وكانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يُخَوِّفُهمْ بأنَّ اللهَ مُعاقِبُهمْ إذا كذَّبوا وخالَفوا- وما الحُكمُ والقَضاءُ في هذا وغَيرِه، وتقديمهِ وتأخيرِه، إلا للهِ وحدَه، فإنْ شَاءَ عاجلَكمْ به، وإنْ شَاءَ أخَّر، ولهُ حِكمةٌ بأيِّهما قضَى، فلهُ القَضاءُ الحقّ، وهوَ خيرُ الحاكِمين. ﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 58]
58- قُلْ لهم: لو كانَ العَذابُ الذي تَستَعجِلونَهُ بيدي، لانتهَى الأمرُ منذُ زَمن، ولحلَّ بكمُ الهَلاكُ والدَّمار، وما كنتُ مُمهِلَكمْ وأنا أراكُمْ تُكَذِّبونَني وتَستهزِئونَ بي وبما أُرْسِلْتُ به. واللهُ أعلمُ بالمشرِكينَ وحالِهم، وما يَستَحِقُّونَهُ مِنْ إمهالٍ أو تَعجيلٍ بالعَذاب، ولذلكَ لم يَجعلْ أمرَهمْ بيدي. الموضوع الأصلي: الواضح في التفسير الحلقة الرابعة والعشرون |~| الكاتب: نزف القلم |~| المصدر: منتديات بحر الامل
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
2020-04-19, 06:03 PM | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|