♥ ☆ ♥ فعاليات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|||||
♥ ☆ ♥اعلانات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|
۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ قَسَمَ يَهَتَمَ بَاَلَقَرَآنَ وًّاَلَتَفَسَيَرَ وًّاَلَقَرَاَءاَتَ .. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
الواضح في التفسير الحلقة الثالثة والعشرون
الواضح في التفسير (الحلقة الثالثة والعشرون) أ. محمد خير رمضان يوسف الجزء السابع سورة المائدة (الآيات 82 - 120) ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82] 82- ستَجِدُ أشدَّ النَّاسَ عداءً للمؤمِنينَ اليهودَ والمشرِكين. أمّا اليهود: فلعِنادهمْ وجُحودهم، وتضاعُفِ كُفرِهمْ، واتِّباعِهمُ الهوَى، وكذبِهمْ وافتِرائهم، وتمرُّدِهمْ على الحقّ، حتَّى قَتلوا أنبياء، وهمُّوا بقتلِ رسولِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم غيرَ مرَّةٍ وسَحَروه، ووَضعوا في ديِنهمْ توجيهاتٍ بإيذاءِ مَنْ يُخالِفُهم! والمشرِكونَ يُماثلونَهمْ في صِفاتٍ عدَّة، وقدْ غلبَ عليهمُ التقليدُ فسَدُّوا منافذَ الفِكرِ والفِطرةِ في نفوسِهم، فلازَموا الكفر، وفتَنوا المؤمنينَ عنْ دينِهم، وحارَبوا الدِّينَ الحقَّ بكلِّ ما أُوتوا منْ قوَّة.. وستَجِدُ أقربَ الناسِ مَودَّةً للمؤمِنين -منْ بينِ مِلَلِ الكُفرِ- الذينَ زَعَموا أنَّهمْ نصارَى مِنْ أتباعِ المسيح، وذلكَ لرأفةٍ في قلوبِهمْ ورِقَّة، وفيهمْ علماءُ ورُهبانٌ وعُبّادٌ يتَّصفونَ بالعلمِ والعِبادةِ والتواضُع، وهؤلاءِ لا يَستكبرونَ عنِ الانقيادِ للحقِّ إذا عَرَفوهُ وفَهِموه. ولعلَّ التعبيرَ للكثيرِ مِنْ هؤلاء، أو أكثرِهم. قالَ القاضي البيضاويّ: فيهِ دليلٌ على أنَّ التواضُعَ والإقبالَ على العِلمِ والعمَل، والإعراضَ عنِ الشَّهوات، مَحمودٌ وإنْ كانَ مِنْ كافِر. قلت: وهناكَ فُرصةٌ طيِّبةٌ لدعوةِ هذه الفئةِ إلى الإسْلام، وأمَلٌ في إسلامِهم. والآيَةُ مُرتَبِطَةٌ بما بَعدَها. ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83] 83- وإذا سَمِعَ هؤلاءِ وأمثالُهمْ ما نزلَ على الرسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلمَ مِنْ آياتِ القُرآن، ترَى الدموعَ تَسيلُ مِنْ عُيونِهم، وذلكَ لما عَرَفوا مِنَ الحقِّ الذي عندَهم، منَ البِشارةِ ببعثةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، مثلَما حدثَ للنجاشيِّ وقسِّيسينَ مِنْ حَولِه، ولم يَكونوا مثلَ اليهودِ بُهْتاً مُعانِدينَ ومُكَذِّبينَ مُحَرِّفين، بلْ قالوا في تواضُعٍ وخُشوع، وأوبَةٍ وإيمان: اللهمَّ إنّا آمنّا بما أنزلت ، فاكتُبنا معَ مَنْ يَشهدُ بصحَّةِ هذا، واجعَلنا عندَكَ معَ أمَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وممَّنْ يَشهَدونَ معهمْ بالحقّ. ﴿ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ [المائدة: 84] 84- قالوا: ولماذا لا نؤمِنُ باللهِ ولا نُنَزِّههُ عن الشِّركِ كما هوَ في دينِ الإسْلام، ونؤمِنُ جَميعاً بما جاءَنا منَ الحقِّ والتوحيدِ الذي لا شائبةَ فيه، ونحنُ نَتمنَّى ونَرغَبُ أنْ يُدْخِلَنا ربُّنا جنَّته، ويَشمَلَنا برجمتهِ معَ عبادهِ المؤمِنينَ الصَّالحين؟ ﴿ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 85] 85- فجازاهمُ اللهُ بسبَبِ قولِهمْ هذا، وعلى تَصدِيقِهمْ واعتِرافِهمْ بالحقّ، جنّاتٍ عاليات، تَجري مِنْ تَحتِها الأنهار، معَ خلودٍ دائمٍ وسعادةٍ تامَّة، فهذا جزاءُ مَنِ اتَّبعَ الحقَّ وأذعنَ له، دونَ معاندةٍ ولا استِكبار. ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [المائدة: 86] 86- والذينَ خالَفوا وعصَوا، وكذَّبوا بآياتِ اللهِ وجَحدوا بها، فإنِّ مصيرَهمْ إلى الجَحيم، فهمْ أهلُها المستَحِقُّونَ لها، جزاءَ عنادِهمْ وكُفرِهمْ وتَكذيبِهمْ ما هوَ حقّ. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87] 87- أيُّها المؤمِنون، لا تُحَرِّموا ما أحلَّ اللهُ لكمْ مِنَ اللَّذائذِ والمُشتَهيات، ولا تَتعدَّوا حدودَ ما أحلَّ لكمْ إلى ما حَرَّمه، واللهُ لا يُحِبُّ الظَّالمينَ المعتَدينَ حُدودَه، ولكنْ قِفوا عندَها والتزِموا بها. وقدْ نزلتِ الآيةُ في رَجُلٍ حرَّمَ اللحمَ على نفسهِ لشَهوةٍ وجدَها عندَهُ في النِّساءِ إذا أكلَه. ﴿ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 88] 88- وكُلوا الحلالَ الطيِّب ممّا رزقَكمُ الله، ولا تُسرِفوا، وذَروا ما حرَّمَه، إنْ كنتُمْ مؤمِنين. وإنَّ أكلَ الطيِّباتِ واللَّذائذِ الحَلالِ لا يُنافي التقوَى والعملَ الصالح. ﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89] 89- لا يحاسبُكمُ اللهُ على حَلِفِكُمْ باللهِ إذا كانَ مِنْ غَيرِ قَصد، ممّا يَسبِقُ إليهِ اللسانُ منْ غَيرِ نيَّةِ قَسَم، أو ما كانَ القسَمُ على غلبةِ ظنٍّ عندَ آخرين، ولكنْ يحاسِبُكمْ عليه إذا كانَ عنْ قصدٍ ونيَّةٍ وتأكيد. فمَنْ حَنَثَ في يمينِه، يَعني أخطأ النَّتيجَة، أو لم يُنَفِّذْ ما قسمَ عليه، فإنَّ عقوبتَهُ أنْ يُطعِمَ عشرةَ مَساكين، مِنْ أعدلِ ما يُطعِمُ المرءُ أهلَه، أي ما يَكفي الشَّخصَ في اليومِ بشَكلٍ وسَط، نوعاً ومِقداراً. أو أنْ يَكسوَ العددَ نفسَهُ منَ المسَاكين، ممّا يُطلَقُ عليهِ كِساء، كقَميص، أو سِروال، أو عَمامة. أو أنْ يُعتِقَ عبدًا. فمَنْ لم يَقدِرْ أو لم يَجدِ الأمورَ السابقة، فليَصُمْ ثلاثةَ أيّام، فإنَّ ذلكَ كَفّارةٌ لمنْ حَلَفَ وحَنَث، ومحوٌ لما ارتكبَ منْ سيِّئةٍ بسببِه. وراعُوا حَلِفَكمْ إذا حَنَثْتُم، فلا تَتركوهُ مِنْ غَيرِ تَكفير. وهكذا يبيِّنُ اللهُ لكمْ أحكامَ شَريعتهِ ويُوضِّحُها، فاشْكروهُ على نِعْمةِ هذا التعليمِ والبيان، الذي هوَ لخيرِكمْ وصالِحكم . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90] 90- أيُّها المؤمِنون، اعلمُوا أنَّ الخمرَ وكلَّ ما هوَ مُسكِر ، والقمارَ، والأصنامَ التي تُنْصَبُ للعِبادَةِ وتُذبَحُ عندَها القَرابين، والقِداحَ التي يُستَقْسَمُ بها، كلَّ هذا خبيثٌ مُسْتَقذَرٌ وشرٌّ مِنْ عملِ الشيطان، فهوَ مِنْ تزيينهِ وتَسويلِه، فاتركوهُ لتَفوزوا. ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91] 91- إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ بتَعاطي هذهِ المحرَّماتِ أنْ يُوقِعَ بينَكمُ العَداواتِ والأحقادَ والمفاسِدَ والشُّرور، فالخمرُ تُذهِبُ العَقل، والمُسكِرُ يُعَربِدُ ويَسُبُّ ويَتشاجر، وقدْ يقعُ على محارمهِ أو يَقتلُ آخرينَ وهوَ لا يَدري، فإذا صحا نَدِم. والمقامرُ يُقامِرُ على الأهلِ والمال، وقدْ لا يُبقي لنَفسهِ شَيئاً، ثمَّ يُصبِحُ عدوًّا لمنْ قامرَه، وحَزيناً مُغتاظاً، وقدْ يَتشرَّدُ ويَتسوَّل... والأنصابُ والأزلامُ شِركُ لا يُقْدِمُ عليها إلاّ مَنْ تركَ التوحيدَ واستسلمَ للجاهليَّةِ المُنكَرةِ والتخلُّفِ العقَديِّ الأعمى. ويُريدُ الشَّيطانُ بتَزيينهِ الإقدامَ على هذهِ المُنكراتِ أنْ يُبعِدَكمْ عنْ ذِكْرِ الله، فإنَّها كلَّها تُلهي عنْ الذِّكر، وتُشَوِّش على المُسْكرِ القراءةَ إنْ صلَّى، فيَنطِقُ بالكفر وهوَ يُريدُ قراءةَ القُرآن. وإذا قامرَ وحَصَّلَ مالاً حَراماً فَرِحَ حتَّى البَطَر، وإذا خَسِرَ حَزِنَ وانقبضَ حتَّى كادَ أنْ يقتلَ نفسَهُ أو غيرَه. وفي أثناءِ ذلكَ يَكونُ مُترقِّباً ومُفكِّراً بحيلةٍ يَغلِبُ بها صاحبَهُ ويَقْهَره. فأينَ يكونُ السكِّيرُ والمقامِرُ مِنْ ذكرِ الله؟ فانتَهوا وتوقَّفوا عنها، فإنَّها مُنكَرٌ حَرامٌ لا يَحِلُّ لمسلمٍ تَعاطيها. وكانتْ هذهِ الآيةُ آخِرَ حَلْقةٍ في أسلوبٍ تَدريجيٍّ ربّانيٍّ لتحريمِ الخَمرِ وما إليها، وقالَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمْ بعدَ نُزولها: انتهَينا يا ربّ. وأهْرَقوا ما عندَهمْ مِنْ خَمْر. ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 92] 92- فأطيعُوا اللهَ ورَسولَه، والتزِموا بما شُرِعَ لكمْ مِنَ الحلالِ والحرام، ومنهُ اجتِنابُ الخمرِ والمَيْسِرِ وما إليهما، واحذَروا المخالفةَ والعِصيان، فإذا أبَيتُمْ وأعرَضتم، فقدْ قامتِ الحُجَّةُ عليكم، وقدْ قامَ رسولُنا بوظيفتِهِ فبلَّغَ وأنذَر، ولم يَبقَ بعدَ ذلكَ إلاّ العِقاب. ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93] 93- نَزَلَ تحريمُ الخَمرِ وقدْ ماتَ مِنَ الصَّحابةِ مَنْ كانَ يَشربُها، فسُئلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم عنْ ذلك، فنزلتِ الآية. ليسَ على مَنْ آمنَ وعَمِلَ صالحاً إثمٌ وحرَجٌ فيما شَرِبوا منَ الخمرِ وأكلوا مِنْ مالِ الميسرِ إذا اتَّقَوا الشِّركَ وآمَنوا وصَدَّقوا وعَمِلوا صَالحاً، ثمَّ اتَّقَوا اللهَ فداوموا على ذلكَ ولم يَشربوا الخمرَ بعدَ تحريمِها، ولم يَلعَبوا بالميسرِ بعدَ تحريمه، بلِ ازدادوا إيماناً، ثمَّ اتَّقَوا ما حرَّمَ اللهُ عليهمْ وابتَعدوا عنْ مَعاصيه، وأحسَنوا في عملِهمْ وعِبادتِهم، واللهُ يُحِبُّ منِ اتَّصفَ بصفةِ الإحسان، ويُثيبُهمْ عليها. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[المائدة: 94] 94- أيُّها المؤمِنون، سيَختَبرُكمُ اللهُ في شَيءٍ ممّا يُصادُ في البرِّ وأنتُمْ مُحْرِمون، ممّا يَسْهُلَ صَيدهُ بأيديكُم، أو بِرماحِكم، ليَنظُرَ منْ يُطيعُ منكمْ ومنْ يَعصي، في سِرِّهِ وجَهرِه. فمنْ صادَ بعدَ هذا الإعلامِ وهوَ مُحْرِمٌ فقدْ خالفَ أمرَ اللهِ واستَوجبَ عقوبتَهُ الشَّديدة، باعتدائهِ عنْ مُكابرة، أو عدمِ مبالاتهِ بأمرِ الله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95] 95- أيُّها المؤمِنون، لا تَقتلوا الصَّيدَ وأنتُمْ مُحْرِمون، ما يُؤكَلُ منهُ وما لا يُؤكَل، إلاّ ما بيَّنَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلَّمَ منَ الفَواسِقِ ... وقاسَ عليها بعضُ العلماءِ حيواناتٍ أخرَى. ومَنْ قتلَهُ مِنكمْ عنْ قَصْدٍ وعَمْد، فيَجِبُ عليهِ مثلُ حَجمِ ذلكَ الصَّيدِ منَ الأنعام، ويَحكمُ بهذا المِثْلِ وتَقديرهِ رَجُلانِ لهما خِبرَةٌ في هذا الشَّأن، ويكونُ هذا الحيوانُ المقدَّرُ هدْيَاً يُرْسَلُ إلى الحرمِ ويُذْبَحُ هناك، ويُتَصَدَّقُ بلحمهِ على مَساكينِه، أو يُكَفِّرُ عنْ خطَئهِ هذا بإطعامِ مساكينَ بمقدارِ ذلكَ الحيوانِ الذي قَتله، أو يَصومُ بمقدارِ ذلك، كلُّ يومٍ عن مقدارِ ما يَكفي شَخصاً منَ الطعام. وهذهِ العقُوباتُ جزاءُ مَعصيةِ مَنْ صادَ وهوَ مُحْرِم ولم يَتقيَّدْ بأمرِ الله. وعفا اللهُ عمَّنْ صادَ وهوَ مُحْرِمٌ قبلَ أنْ يَنـزِلَ التَّحريم، ومَنْ عادَ فخالَف، فإنَّ اللهَ يَنتَقِمُ منهُ في الآخِرَة. واللهُ غالِبٌ لا يُغالَبُ ولا يُقْهَر، شديدٌ فيَنتقِمُ ممَّنْ تعدَّى حدودَهُ وأصرَّ على مخالفةِ أوامرِه، لا يَستَطيعُ أحدٌ أنْ يَمنعَهُ مِنِ انتقامِه، ولا عُقوبةِ مَنْ أرادَ عقوبتَهُ. ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96] 96- أُحِلَّ لكمْ أيُّها المُحْرِمونَ صيدُ ما في الماء، وما قذفَهُ لكمُ البَحرُ مَيتاً، يَستمتِعُ بهِ المقيمُونَ منكمْ يأكلونَهُ طريًّا، ويَنتفِعُ بهِ المسافِرونَ بجانبِ البَحر، ويَتقوَّتونَهُ قديداً مُمَلَّحاً. وحُرِّمَ عليكمْ صيدُ البَرِّ ما دمتُمْ مُحْرِمين، إلاّ ما استثنتْهُ السنَّةُ مِنْ جوازِ قتلِ الفواسِق، وألحقَ بها بعضُ العلماءِ حيواناتٍ مؤذيةً قياساً عليها. واتَّقوا اللهَ فيما نَهاكمْ عنهُ مِنَ الصَّيدِ والمحرَّماتِ السَّابِقَة، وسوفَ تُحشَرونَ إليه، ولا خلاصَ لكمْ منَ المحاسبةِ والجزاءِ عندَهُ يومَذاك. ﴿ جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 97] 97- لقدْ جَعَلَ اللهُ الكعبةَ -البيتَ الحرامَ- قُوامَ أمرِ الناسِ ومصلحتَهم، دِنياً ودُيناً. فهوَ سبَبُ إصلاحِ أمورِهمْ وجَبرِها، وهوَ مأمَنٌ ومَلجأ لهم، ومَجْمَعٌ لتجارتِهم، ومَهوَى أفئدتِهم، يَقصِدونَهُ للحجِّ مِنْ كلِّ فَجٍّ عَميق، فهوَ أحدُ أركانِ الدِّين. وكذلكَ جعلَ الشَّهرَ الحرامَ قياماً لهم، والمرادُ جِنسُ الشَّهرِ الذي يَصِحُّ عَقْدُ نيَّةِ الحجِّ فيه، وهي: رَجَب، وذو القَعْدة، وذو الحِجَّة، والمُحَرَّم. والهَدْيُ والقَلائدُ أيضاً قيامٌ لهم، فهيَ ممّا يَخُصُّ مناسِكَ الحجّ، وهيَ النُّسُكُ التي تُهدَى للحَرَم، فتُذْبَحُ هناكَ ويُوَزَّعُ لحمُها على مَساكينِه. والقلائدُ هيَ البُدْنُ التي تُقلَّدُ بقلائدَ ليَعرِفَ الناسُ أنَّها للحَرَمِ فلا يَتعرَّضُ لها أحَد، وذُكِرَ أنَّ الثوابَ فيها أكثَر، والحجَّ بها أظهَر. وهذا الذي يبيِّنُهُ اللهُ لكم، لتَعلَموا أنَّ تشريعَ هذهِ الأحكامِ التي فيها مَنافعُ دُنيويَّة وأُخرَويَّة، ودفعٌ لمضارَّ قبلَ وقوعِها، هوَ مِنَ الدلائلِ على حِكمَةِ اللهِ وإحاطتهِ بكلِّ شَيء، ما دقَّ منها وما جَلّ ، فهوَ كامِلُ العِلم، لا يَنقُصُ ولا يَخفَى عليهِ شَيءٌ منه. ﴿ اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة: 98] 98- واعلَموا أيُّها النَّاس، أنَّ اللهَ الذي أحاطَ علمُهُ بكلِّ شَيء، وعَلِمَ سرائرَ أعمالِكمْ وعلانيتَها، وأحصاها عليكمْ ليُجازيَكمْ بها، هوَ شَديدُ العقابِ لمن انتهكَ مَحارِمَهُ أو أصرَّ على عِصيانه. وهوَ غَفورٌ لذُنوبِ مَنْ أنابَ إليه وأطاعَه، رَحيمٌ بهِ فلا يُعاقِبُه. ﴿ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة: 99] 99- ليسَ على الرسُولِ إلاّ أنْ يُبَلِّغَ الرسالة، وليسَ لهُ الهدايةُ والتوفيقُ ولا الثَّواب، وقدْ أتَى بما وجبَ عليهِ مِنَ التَّبليغِ بما لا مَزيدَ عليه، فلا عُذرَ لكمْ إنْ لم تُطيعوا، ومَنْ خالفَ ولم يَمتَثلْ فقدْ عرَّضَ نفسَهُ للعِقاب. ولا يَخفَى على اللهِ المطيعُ منكمْ مِنَ العاصي، ولا يَغِيبُ عنهُ شَيءٌ ممّا خفيَ في الصُّدور، أو ظهرَ منْ أعمالِ النفُوس، وبيدهِ الثوابُ والعِقاب، فيُعامِلُ كلاًّ بما يَستَحِقّ. ﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:100] 100- قلْ أيُّها النبيّ: لا يَتعادَلُ الحَلالُ والحَرام، ولا يَستوي الحسَنُ والردِيء، ولا الصَّالحُ والطَّالح، ولو سَرَّكَ كثرةُ الخَبيثِ منه، فالقَليلُ منَ الحلالِ النافِع، خَيرٌ منَ الكثيرِ الحرامِ الضارّ. وفي الحديثِ الصحيح: " ما قَلَّ وكفَى، خيرٌ ممّا كثرَ وألهَى". فاتَّقوا اللهَ وآثِروا الطيِّبَ على الخَبيثِ وإنْ قَلّ، فالمحمُودُ القَليلُ خَيرٌ منَ المذمومِ الكثير، وكلَّما كثُرَ الخبيثُ كانَ أخبَث، فأقبِلوا على ما أحلَّ اللهُ لكمْ مِنَ الطيِّباتِ يا أصحابَ العُقولِ الراجِحةِ والأفهامِ المستَنيرةِ واقنَعوا بها، لتَنالوا السَّعادةَ في الدُّنيا والفوزَ في الآخِرَة. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 101] 101- أيُّها المؤمِنون، لا تَسألوا عنْ أشياءَ ممّا لا فائدةَ في البحثِ عنها، فإنَّهُ إذا ظهرَ لكمْ جوابُها غَمَّكمْ وساءَكمْ ذلك، وإذا سألتُمْ عنها في زمنِ نزولِ الوحي تَظهَرُ لكم، والعاقِلُ لا يَفعلُ ما يَغُمُّه، وقدْ عفا اللهُ عنْ أسئلتِكمُ السابقةِ بعدمِ التَّشديدِ عليكم، فلا تَعُودوا إليها، وهوَ سُبحانَهُ كثيرُ المَغفِرَةِ لذُنوبِ عبادِه، حَليم، يُغضِي عنْ معاصِيهمْ ولا يعاقِبُهمْ بمجرَّدِ ارتكابِها، بلْ يُبيِّنُ لهمْ ويُمهِلُهمْ حتَّى يَعرِفوا خَطأهم ويَتوبوا. ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 102] 102- قدْ سألَ قومٌ قبلَكمْ أنبياءَهمْ مثلَ هذهِ الأشياء، فأُجيبوا عنها ثمَّ صَاروا بسببِها كافِرين، حيثُ لم يَعملوا بها؛ فأُهلِكوا. كما سألتْ ثمودُ صالحاً الناقَة. {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] 103- ما أنزلَ اللهُ ولا أقرَّ بهذهِ الأشياء: البَحِيرة، وهي الناقةُ التي يُشَقُّ أذنُها ويُمْنَعُ دَرُّها للأصنام. والسائبة: يُسيِّبونَها لآلهتِهمُ المزعومةِ فلا يُحْمَلُ عليها شَيء. والوَصِيلة: الناقةُ التي تلدُ لأوَّلِ مرَّةٍ أنثَى، تَليها أنثَى أيضاً، ليسَ بينَهما ذكر، تُسَيَّبُ لطواغيتِهمْ كذلك. والحام: إذ قضَى ضِرَابَه، يعني أتى الإناثَ ونَتجوا منهُ عَشَرةَ أبطن، أو عَدداً مُبهَماً، ودَّعوهُ للطواغيتِ كذلك، وأعفَوهُ منَ الحِمْل. فهذا كلُّه أفعالٌ وحَالاتٌ مَردودةٌ ابتدعَتها الجاهليةُ ما شرَعها الله، ولكنَّ الكافِرينَ يَفعلونَ هذا ويَتقرَّبونَ به إلى الله، ويَقولون: اللهُ أمرَنا بذلك، وهمْ كاذِبونَ مُفتَرون، وأكثرُهمْ لا يَعقِلونَ أنَّ ذلكَ افتِراءٌ باطِل، لأنَّهمْ قلَّدوا فيهِ آباءَهم ، فهوَ شأنُ الاتِّباعِ والتقليدِ الأعمَى. ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104] 104- وإذا قيلَ للمُشرِكين: تعالَوا والتزِموا بما أنزلَ اللهُ مِنْ أحكامٍ في الحلالِ والحرام، وإلى الرسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلمَ الذي أُنزِلَتْ عليهِ هذهِ الأحكام، لتَقِفوا على حقيقةِ الحال، وتُمَيِّزوا الحرامَ منَ الحلال، أجابوا في عِنادٍ وضَلال: يَكفِينا ما وجَدنا عليهِ آباءَنا وأجدادَنا، ولا نَلتَفِتُ إلى غَيرهم، فمعَهمُ الحقُّ وكفَى! ولكنْ لماذا يُقلِّدونَ آباءَهمْ هكذا بدونِ تَعَقُّلٍ ولا تَفكير؟ فإذا كانَ الآباءُ جَهَلةً ضالَّينَ مِثلَهم، لا يَفهَمونَ الحقَّ ولا يَعرِفونَ سَبيلَ الاهتداءِ إليه، فكيفَ يَتَّبِعونَهمْ والحالةُ هذهِ؟ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105] 105- أيُّها المؤمِنون، احفَظوا أنفسَكمْ وأصلِحوها بفِعلِ الخَيراتِ والابتِعادِ عنِ المعاصي، وابذُلوا في ذلكَ ما قَدَرْتُمْ منْ جُهدٍ وطاقَة، ولا يَضُرُّكمْ بعدَ ذلكَ ضلالُ مَنْ ضَلَّ وفَسادُ مَنْ فَسَدَ مِنَ النَّاس، إذا عَمِلتُمْ بما أُمِرتُمْ بهِ وكنتُمْ منَ المهتَدِين، ولا يؤاخذُكمُ اللهُ بذُنوبِ غَيرِكم، وإنَّ مَرجِعَكمْ جميعاً إلى اللهِ يومَ الحِساب، الضالُّ والمهتدي فيكم، فيُخبِرُ كلَّ عاملٍ بنوعِ عَملهِ وما يَترتَّبُ عليه من جزاء، إنْ خَيراً أو شَرًّا. وليسَ في الآيةِ ما يَدُلُّ على تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عنِ المنكرِ إذا كانَ ذلكَ مُمكِناً، قالَ ابنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنه: هذهِ الآيةُ لأقوامٍ يَجيئونَ مِنْ بعدِنا، إنْ قالوا لم يُقْبَلْ منهم. ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ ﴾ [المائدة: 106] 106- أيُّها المؤمِنون: إذا حضرَ أحدَكمُ الموتُ، وأوصَى بشَيء، فإنَّ فيما فُرِضَ عليكمْ أنْ يَشهدَ اثنانِ منكمْ بما أوصَى، يكونانِ مسلِمَيْنِ عادلَيْن. أو أنْ يكونَ الشاهدانِ اثنينِ منْ غَيرِ المسلِمِين، إذا كنتُمْ مسافِرينَ وجاءَتْ مصيبةُ الموتِ فأوصَيتُمْ إليهِما، أو جعلتُموهما شاهِدَيْنِ لِمَا أوصيتُمْ به -فهذانِ شرطانِ لقَبولِ شَهادةِ غَيرِ المسلِم: الوصيَّة، والسفَر، ولم يَكنْ معَ الموصِي أحدٌ منَ المسلِمين- ثمَّ اتَّهمَهما بعضُ الورثةِ بالكذِبِ والخيانةِ فيما أُوصَيا بهِ أو دُفِعَ إليهما، فاحبِسوهما بعدَ الصلاةِ وأوقِفوهما للسُّؤال، ولْيُقْسِما بالله -وهوَ سبحانَهُ مُعَظَّمٌ في جميعِ المِلَل- وليَقولا: نحنُ لا نَحلِفُ باللهِ كَذِباً على عِوَضٍ نأخذُه، أو حقٍّ نَجحَدُه، ولو كانَ المشهودُ لهُ ذا قرابةٍ منّا فلا نُحابِيه. ولا نَكتُمُ الشَّهادة، فإذا كتَمناها أو حرَّفناها فإنَّنا عاصُونَ آثِمونَ مُستَحِقُّونَ للعِقاب. ويَبدو أنَّ الحَلِفَ للشاهِدَينِ الكافِرين، أمّا المسلمانِ فلا يُحَلَّفان. ونقلَ القرطبيُّ في تَفسيرهِ عنْ بعضِهم، أنَّ هذهِ الآياتِ الثلاثَ عندَ أهلِ المعاني مِنْ أشكلِ ما في القُرآن: إعراباً، ومعنى، وحُكماً!. فليُنظَرِ التفصيلُ في مَظانِّه. ﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 107] 107- فإنِ اطُّلِعَ على أنَّ الشاهِدَينِ الوصِيِّينِ استَوجبا فِعلاً ما بخيانتِهما وبحَلِفِهما كَذِباً، وظهرَ عليهما ذلكَ وتَحَقَّق، بأنْ وُجِدَ عندَهما مثلاً ما اتُّهما بهِ وادَّعيا أنَّهما اشتَرَياهُ منَ الميِّت، فآخرانِ منْ أولياءِ الميِّتِ يَقومانِ مَقامَ الشَّاهِدَين، ويَكونانِ منَ الذينَ استُحِقَّ لأجلِهمُ الإثم، يَعني منْ ورثةِ الميِّت، ويَكونانِ الأقربَيْنِ إليه، فيُقسِمانِ أنَّ حَلِفَهُما أحقُّ وأصدَقُ منْ حَلِفِ الشَّاهدَيْنِ السابِقَيْن، ولم نَتجاوزِ الحقَّ في هذا الحَلِف، ولم نَعتَدِ فيهِ على أحَد، فإذا اعتَدَينا في ذلكَ ظَلمنا أنفسَنا بتعريضِها إلى سَخَطِ اللهِ وعِقابِه. ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المائدة: 108] 108- ذاكَ الذي شَرعناهُ وحَكمنا به، مِنْ تَحليفِ الشاهِدَينِ غَيرِ المسلمَينِ وغَيرِ ذلك، هوَ أقربُ إلى أنْ يؤدِّيَ الشُّهودُ الشَّهادةَ على وجهِها؛ خوفاً منَ العِقاب، وهوَ أقربُ إلى أنْ يَخافوا ردَّ اليمينِ بعدَ يمينِهمْ على الورَثة، فيَحلفوا على خيانتِهمْ وكذبِهم، فيَخجَلوا على رؤوسِ الأشهادِ ويُغْرَموا، فيكونُ هذا الحُكمُ زَجْراً لهمْ منَ الحَلِفِ كَذِباً. فاخشَوا اللهَ وابتَعِدوا عنِ الحلفِ بالكذِبِ وعنْ خيانةِ الأمانَة، واسمَعوا مَوعظةَ ربِّكمْ وتَخويفَهُ وأطيعُوه، وهوَ سُبحانَهُ لا يَهدي الخارجينَ عنْ طاعتهِ ومخالفةِ شَريعتهِ إلى ما يَنفعُهمْ منْ سُبلِ الخيرِ ويؤدِّي بهمْ إلى طريقِ الجنَّة، لعدَمِ استِعدادِهمْ لقَبولِ ذلكَ أصلاً. ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 109] 109- وعندَما يَجمعُ اللهُ المرسَلينَ يومَ القيامةِ يَسألهم: بمَ رَدَّ عليكمْ قومُكمْ في الدُّنيا عندَما دعوتُموهمْ إلى طاعتي واتِّباعِ شَرعي؟ فيقولونَ ذاهلينَ منْ هَوْلِ ذلكَ اليوم، وتأدُّباً معَ الربِّ جَلَّ وعَلا: لا علمَ لنا إلاّ ما علَّمْتَنا، وأنتَ أعلمُ بهِ منّا، تَعلمُ ما غابَ ونحنُ لا نَعلمُ إلاّ ما نُشاهد. ﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [المائدة: 110] 110- وقالَ اللهُ تعالَى: يا عبدَ اللهِ ورسولَهُ عيسى بنَ مريم، تَذَكَّرْ إنعامي عليكَ بما أجريتُ على يدَيكَ منَ المُعجِزاتِ الخارِقة، وخَلقتُكَ بلا أبٍ لتكونَ آيةً على قُدرتي وإبداعي، وعلى والدتِكَ التي جعلتُكَ بُرهاناً على براءَتِها ممّا نسبَهُ المفتَرونَ إليها منَ الفاحِشة. وأيَّدتُكَ بجِبريلَ يصدِّقُكَ ويؤازِرُك. وجعلتُكَ نبيًّا داعياً إلى دينِه، وأنطقتُكَ منذُ صِغَرِك، فصِرتَ تُكلِّمُ الناسَ وأنتَ طفلٌ صغيرٌ في المَهد، كما تُكلِّمُهمْ وأنتَ كهلٌ تجاوزتَ الثلاثين. وتذكَّرْ نِعمَتي عليكَ كذلكَ عندما علَّمتُكَ الكتابة، وآتيتُكَ الحِكمةَ لتُدرِكَ الصَّوابَ وتتَّبعَه، وتَضعَ الأمورَ في مواضعِها، وتكونَ منَ الحكماءِ الألبّاء . وعلُّمتُكَ التوراةَ التي أُنزِلتْ على موسَى عليه السَّلام، والإنجيلَ الذي نزَّلناهُ عليك ، وهوَ تَكمِلةٌ وإحياءٌ للتَّوراة. وتُصَوِّرُ منَ الطينِ شكلَ طَير، ثمَّ تَنفخُ فيه، فيَطيرُ في السَّماء، بإذني وتَقديري. وتُبرِئُ الأعمَى فيُصبِحُ مُبصِراً. وتَشفِي المُبتلَى بالبَرَص. وتَدعو الموتَى مِنْ قبورِهمْ فيَقومونَ بإذنِ اللهِ وإرادتِه. وتَذكَّرْ كذلكَ إنعامي عليكَ عندَما مَنعتُ اليهودَ وصرفتُهمْ عنكَ حينَ همُّوا بقتلِك، وقدْ جئتَهمْ بالآياتِ البيِّناتِ والمُعجِزاتِ الواضِحات، التي تَدُلُّ على صدقِ نبوَّتِكَ وما أُرسلْتَ به، فقالَ الكافِرونَ منهم: ما هذا الذي جئتَ بهِ سِوَى سِحْرٍ وشَعوَذة. ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111] 111- واذكرْ ممّا امتنَّ اللهُ بهِ عليكَ –أيُّها المسيحُ- حينَ أَلهَمْتُ الحَوَارِيِّين مِنْ أصحابِك، وهمْ صَفوةُ بَني إسرائيلَ والخُلَّصُ منهم ، أنْ آمِنوا بي وبرسُولي عيسَى بنِ مريم، فقالوا: آمنّا واستَجَبنا، واشهَدْ بأنَّنا استَسْلَمنا لأمرِك، وأخلَصنا لدينِك. ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 112] 112- ومِنْ إنعامِ اللهِ عليكَ خَبَرُ المائدة، فاذكرْ ما قالَهُ الحواريُّونَ لك، وهمْ خالِصةُ أصحابِك: هلْ يَستَجيبُ لكَ ربُّكَ إنْ سألتَهُ أنْ يُنـزِلَ علينا سُفْرَةً عليها طعامٌ منَ السَّماء؟ فقالَ لهمْ عيسَى عليهِ السلام: اتَّقوا اللهَ ولا تَسألوا عنْ هذا، فقدْ يكونُ في ذلكَ فِتنَةٌ لكم، إنْ كنتُمْ مُوقِنينَ مُخلِصين، وقدْ سَبَقتْ لكمْ مُعجِزاتٌ كافية... ﴿ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 113] 113- قالوا: ليسَ سؤالُنا للمُعجِزةِ فَقط، بلْ نُحِبُّ أنْ نأكلَ منها، وتَطمئنَّ قلوبُنا بازديادِ اليَقينِ إذا شاهَدْنا رِزْقاً يَنْـِزلُ علينا منَ السَّماء، ونَعْلَمَ عنْ مُشاهَدةٍ وعِيانٍ أنَّكَ صَدَقْتَ إيمانَنا بنُبوَّتِك، ولنَشْهَدَ أنَّها آيةُ صِدقٍ مِنْ عندِ الله، ودلالةٌ ظاهرةٌ على صِدْقِ نبوَّتك، ونُخْبِرُ بذلكَ مَنْ لم يَحضُرِ المائدة. ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المائدة: 114] 114- قال عيسَى بنُ مريمَ عليهِ السَّلام، داعياً اللهَ في خُشوعٍ وتَضرُّع، بعدَ أنْ رأى أنَّ الحواريِّينَ أبَوا إلاّ أنْ يَدعوَ بذلك: اللهمَّ أنْزِلْ علينا مائدةَ طَعامٍ منَ السَّماء، نتَّخِذُ ذلكَ اليومَ الذي نَزلتْ فيهِ عِيداً نُعَظِّمهُ نحنُ ومَنْ بعدَنا، وتَكونُ دليلاً وبُرهاناً على قُدرتِكَ وعلى إجابتِكَ دَعوتي، فيُصَدِّقونَ كلامِي وما أُرسِلْتُ به، واجعَلْهُ رِزقاً هَنيئاً، وأنتَ خيرُ مَنْ يَرزُق، فأنتَ خالقٌ الرِّزقِ ومُعطيه. ﴿ قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115] 115- قالَ اللهُ تعالَى: إنِي مُنَـزِّلُ المائدةَ عليكم ، فمَنْ يُكَذِّبْ بها منكمْ بعدَ تَنـزيلِها، فسوفَ أعذِّبهُ بسبَبِ كفرهِ بها عَذاباً شَديداً لا أُعَذِّبهُ أحداً منَ النَّاس. واختلفتِ الآثارُ في نزولِ المائدةِ أو عدمِ نزولِها، فذُكِرَ أنَّ الحواريِّين خافوا منَ العذابِ فكفُّوا عنْ طلبِها فلمْ تَنـزِل. وآثارٌ أخرَى تَذكُرُ نزولَها، فكانَ وعدُ اللهِ ووعيدُهُ صِدقاً، وأنَّ المكذِّبينَ بها مُسِخوا قِرَدةً وخنازير. وذُكِرَ أنَّ خبرَ المائدةِ لم يَرِدْ في الإنجيل، ولو أنَّ المائدةَ نَزلتْ لذُكِرَتْ فيه، ولبقيَ ذلكَ العيدُ إلى يومِ القيامة. . لكنْ توجَدُ قِصَّةٌ عنِ المائدةِ في الأناجيلِ تُشبِهُ هذهِ في جوانبَ منها، أوردَها صاحبُ "الظلال". وأكثرُ المفسِّرينَ على أنَّها نَزلت. ﴿ وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116] 116- ويقولُ اللهُ تعالَى لعيسَى بنِ مريمَ يومَ القيامةِ تَبكيتاً وتَقريعاً للنَّصارَى: أأنتَ قلتَ للنَّاس: اجعلُوني وأمِّيَ معبودَيْنِ لكمْ مِنْ دونِ الله؟ ويُجِيبُ عيسَى تَنـزيهاً وتَعظيماً لهَ تعالَى: سُبحانَكَ أنْ يَكونَ لكَ شَريك، لا يَنبغي ولا يَحِقُّ لي في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ أنْ أقولَ كلاماً باطِلاً لا أساسَ لهُ مِنَ الصحَّة، وإذا كنتُ قدْ قلتُ كلاماً مِنْ هذا القَبيلِ فقدْ أحطتَ بهِ وعلمتَهُ يا ربّ، تَعلمُ ما أُضْمِرَهُ في نَفسي فكيفَ بما أعلِنُه؟ ولا أعلَمُ بحقيقةِ أمرِكَ وما تُخفيه، وأنتَ تَعلَمُ ما كانَ في الماضي وما يكونُ في المستَقبل. ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 117] 117- ما قلتُ للناسِ إلاّ ما أمرتَني بإبلاغِه: أنْ تَوَجَّهوا بالعبادةِ إلى اللهِ وحدَهُ ولا تُشرِكوا بهِ شَيئاً، فهوَ ربِّي وربُّكم، وكنتُ مُشاهِداً لأحوالِهمْ مِنْ إيمانٍ وكُفر، وأَعِظُهمْ ليَعملوا بموجبِ أمرِك، ولمّا قَبضتَني ورفَعتَني إلى السَّماء، كنتَ أنتَ الحفيظَ المراقِبَ عليهم، وأنتَ العالِمُ المطَّلعُ على قَولي لهمْ وما قالوا همْ بَعدي وغيرِ ذلك. ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118] 118- فإذا عَذَّبتَهْمْ فلا اعتراضَ على حُكمِك، فأنتَ المالِكُ المطلَق، المتصرِّفُ فيهمْ كيفَ شِئت، وهمْ عِبادُكَ في أسْرِ مُلكِكَ ويَستَحِقُّونَ ذلك، لأنَّهم خالَفوا أمرَك، وإذا غفرتَ لهمْ فليسَ عنْ عَجزٍ منكَ على تَعذيبِهم، فأنتَ القويُّ القادرُ على الثَّوابِ والعِقاب، الذي لا يُثيبُ ولا يعاقِبُ إلاّ عنْ حِكمةٍ وصَواب. وأنتَ الفعّالُ لِما تَشاء، لا تُسألُ عمّا تَفعلُ وهمْ يُسألون. ﴿ قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119] 119- قالَ اللهُ تعالَى يومَ يَجمَعُ الرُّسل: في هذا اليومِ يُفيدُ إيمانُ مَنْ كانَ في الدُّنيا صادقاً في إيمانهِ وتوحيده، لهمْ جزاءَ إيمانِهمْ وصِدقِهمْ جنّاتٌ عالياتٌ تَجري منْ تحتِها الأنهار، مُقيمِينَ فيها أبداً، لا يَزولونَ عنها ولا يَحُولون، ويُفيضُ اللهُ عليهمْ رِضوانَهُ الذي لا غايةَ وراءَه، ويَرْضَونَ هم، فلا شَيءَ أعزُّ منْ رضوانهِ سُبحانَه، وهوَ الفَوزُ والفَلاحُ الذي لا أعظمَ منهُ ولا يُدانيهِ مَطْلَب. ﴿ لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]
120- كلُّ ما في السَّماواتِ والأرضِ وما بينَهما مُلْكٌ للهِ سبحانَهُ وتحتَ قَهْرهِ وسُلطانِه، وهوَ القادرُ على ما يَشاء، لا يُعجِزهُ شَيء، بلْ جَميعُ الأشياءِ مُنقادَةً لمشيئتهِ ومَسَخَّرةٌ بأمرِه. الموضوع الأصلي: الواضح في التفسير الحلقة الثالثة والعشرون |~| الكاتب: نزف القلم |~| المصدر: منتديات بحر الامل
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
2020-04-19, 05:57 PM | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
جزاك الله خير على الطرح القيم
تقديري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|