♥ ☆ ♥ فعاليات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|||||
♥ ☆ ♥اعلانات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|
۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ قَسَمَ يَهَتَمَ بَاَلَقَرَآنَ وًّاَلَتَفَسَيَرَ وًّاَلَقَرَاَءاَتَ .. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
الواضح في التفسير الحلقة العاشرة
الواضح في التفسير الحلقة العاشرة أ. محمد خير رمضان يوسف سورة البقرة (الآيات 269 - 286) ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. 269- واللهُ يُؤتي مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادهِ ممَّن أرادَ بهمْ خيراً: العقلَ السويَّ والعلمَ النافع، والفِقهَ في الدِّين، والإصابةَ في القولِ والفِعل، والقصدَ والاعتدال، والبصيرةَ المُستنيرة، فيُدرِكُ الأشياءَ على حقيقتِها، ويَفهمُ الأمورَ على واقعِها كما يَنبغي، فيَهتدي ويُصيب. والذي يؤتَى هذا كلَّهُ في خَيرٍ عَظيم، وهِبَةٍ جَليلة، فإنَّهُ أُخرِجَ مِنْ ظُلُماتِ الجَهلِ فكانَ في نورِ الهُدى، ومنَ الانحرافِ إلى الاستقامةِ والرزانةِ والسَّداد. ولا يَعرِفُ قَدْرَ هذا العَطاءِ الجليلِ والنِّعمةِ الكبيرةِ إلا أولو الأحلامِ والنُّهى، الذينَ يَعرِفونَ النافعَ فيَعملونَ به، ويَعرِفونَ الضارَّ فيَتجنَّبونَه. ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [البقرة: 270]. 270- واعلمُوا أنَّكمْ ما أَعطيتُمْ مِنْ أموال، في حَقٍّ أو باطِل، مِنْ قليلٍ أو كثير، في سرٍّ أو عَلن، وما نذرتُمْ مِنْ نذور، في طاعةٍ أو مَعصِية، فإنَّ اللهَ عالِمٌ بها، لا يَخفَى عليهِ شَيءٌ مِنْ نيّاتِكم وحركاتِكم، ولسوفَ يُجازِي المُحسِنَ منكمْ خيرَ الجزاء، ويُعاقبُ المُسيءَ سيِّءَ الجزاء. وإنَّ مَنْ ظلمَ نفسَهُ، فمنعَ الصَّدقات، ولم يَفِ بالنذور، أو أنفقَ الخبيثَ، أو راءَى ومَنَّ وآذَى، فلنْ تجدَ لهمْ أعواناً يَنصُرونَهمْ مِنْ بأسِ اللهِ وعقابِه، أو يُنقِذونَهمْ مِنْ عذابِ اللهِ ونِقمتِه. ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]. 271- وإذا أظهرتمُ الصَّدقاتِ أمامَ الناسِ فهوَ أمرٌ مَرغوبٌ ولا حرجَ فيه، وخاصَّةً إذا ترتَّبَ على إظهارِها مصلحةٌ راجِحة، كأنْ يَكونَ أداءً للزكاة، فإنَّ إظهارَها فيهِ معنَى الطَّاعة، وانتشارُ هذا الأمرِ وظهورُهُ خَير، وإذا أخفَيتمْ صدقاتِكمْ فهوَ أفضل، لأنَّهُ أبعدُ عنِ الرياءِ وشوائبِ النَّفس، وأقربُ إلى الإخلاصِ وطلبِ مرضاةِ الله. ويَمحو اللهُ بها سيِّئاتِكم. ولا يَخفَى على اللهِ شيءٌ ممّا تُقَدِّمونَهُ لأنفسِكم، وما تُسِرُّونَهُ وما تُعلنونَه، في نيّاتِكمْ وأفعالِكم. ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272] 272- وكانَ الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهمْ يَكرَهونَ أنْ يَجعلوا شيئاً منَ النفَقةِ لأنسبائهمْ منَ المشرِكين؛ خشيةَ الإثم، وطَمعاً في إسلامِهم. فبيَّنتِ الآيةُ أنَّ الأمرَ أوسَع، فرُخِّصَ لهم. فالمشرِكونَ قدْ لا يَهتدونَ بهذا الأسلوبِ أو ذاك، لأنَّ الأمرَ يَختصُّ بالقُلوب، وهيَ بيدِ الله، يَهدي مَنْ يشاءُ منها، وهوَ أعلمُ بمنْ يَستحِقُّ الهُدَى والإيمانَ منها. فليُبذَلْ لهمُ الخَيرُ والعَون، ولْينالوا منكمُ المسَاعَدة. وما تُنفِقوا مِنْ مالٍ فإنَّ فائدتَهُ تعودُ عَليكم، وكأنَّكمْ بذلكَ أنفقتُمْ على أنفسِكم، ولا يَضرُّكمْ كفرُ مَنْ أنفقتُمْ عليهم، فلا تَمنَعوا الناسَ خيرَكم، فإنَّ ثوابَهُ مَحفوظٌ لكمْ عندَ الله، مادامَ إنفاقُكمْ ابتغاءَ مرضاتِه، وليسَ رياءً ولا هوَ عنْ هَوى. ولنْ تُظلَموا، فاللهُ يُعطي جزاءَ الحسنةِ أضعافاً مُضاعَفة. قالَ البغَويُّ في تفسيرِه: وهذا في صدقةِ التطوُّع، أباحَ اللهُ تعالى أنْ تُوضَعَ في أهلِ الإسلامِ وأهلِ الذمَّة، فأمّا الصَّدقةُ المفروضة، فلا يجوزُ وضعُها إلا في المسلِمين. ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]. 273- والمهاجِرونَ الذينَ تَركوا أموالَهمْ وأهليهِم، وسَكنوا المدينةَ المنوَّرةَ مُنقطِعينَ إلى اللهِ ورسولِه، يَبتغونَ نُصرةَ الإسلامِ والجهادَ في سبيلِ الله، ولا يَجدونَ ما يُغنيهم، ولا يَستطيعونَ سَفراً للتجارةِ والتكسُّب، فهمْ على أُهبَةٍ إذا نُوديَ للجِهاد. ومعَ ما همْ فيهِ مِنْ فَقرٍ وحاجة، يَظنُّ مَنْ لا يَعرِفُ حقيقةَ حالِهمْ أنَّهمْ أغنياءُ مَكفيُّونَ في المعَاش، مِنْ تَعفُّفِهمْ في لباسِهمْ وحالِهمْ ومَقالِهم، فيَتجمَّلونَ ظاهراً حتَّى لا يُعرَفوا ولا تَظهرَ حاجتُهم، لكنَّ اللبيبَ ذا البصيرةِ يُدركُ ما وراءَ هذهِ الحال، ويَعرِفُ أنَّ هذا العَفافَ يُخفي فَقراً واستِكانَة. وإذا بدا لبَعضِهمْ أنْ يَطلبوا شيئاً فلا يُلِحّونَ في المسألة، ولا يُكلِّفونَ الناسَ ما لا يَحتاجونَ إليه. إنَّهمْ فقراءُ كِرامٌ بَرَرة، ذَوو حَياءٍ وتَجُلُّدٍ وصَبر، ودِيْنٍ قَويمٍ وخُلق، فلا تنسَوا هؤلاءِ أيُّها المؤمِنون، وإذا أعطَيتُموهمْ شيئاً فليكنْ ذلكَ في سرٍّ وتَلطُّف، لا يَخدِشُ إباءَهم ولا يَجرَحُ كرامتَهم. وإنَّ ما تُنفقونَهُ مِنْ مالٍ عَليهمْ لا يَخفَى على اللهِ منهُ شَيء، ولا يَضيعُ عندَهْ الخَير، ولسوفَ يَجزي عليهِ أوفرَ الجزاءِ وأوفاه. ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274] 274- الذينَ يَفعلونَ الخيراتِ ويَتصدَّقونَ مِنْ أموالِهمْ في سَبيلِ اللهِ في كلِّ أوقاتِهمْ وأحوالِهم، لَيلاً ونَهاراً، سِرّاً وعَلانية، حتَّى مَنْ أنفقَ على والدَيهِ وعِيالهِ وخَدَمهِ الفقراءِ وأقربائهِ... فلهمْ عندَ اللهِ الثوابُ العظيم، ولا خَوفٌ عليهمْ يومَ الحسابِ عندما يَخافُ البُخلاءُ الأشِحَّاء، ولا يَحزنونَ إذا تأسَّف المُفرِطونَ المُسرِفون. ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275] 275- إنَّ الذينَ يأكلونَ الرِّبا ويَتعامَلونَ به، يَكونُ مَصيرُهمْ عندما يَقومونَ مِنْ قُبورِهمْ للحَشرِ والحساب، كحالِ المصروعِ عندما يَقوم، فيؤذيهِ الشيطانُ ويَصرَعُه، فتَكونُ حركتهُ هِستيريةً عشوائيةً وكأنَّهُ مَجنونٌ يُخنَق، ممّا بهِ مِنْ جُنونٍ وفَزَع! ويَرَى صاحبُ "الظلال" أنَّ هذهِ الصورةُ واقِعةٌ بذاتِها في حياةِ البشريةِ الضَّالةِ في هذا العصر، التي صارتْ تتخبَّطُ كالممَسوسِ في عَقابيل النظامِ الرِّبوي، وأنَّ هذا العالمَ هو عالَمُ القلقِ والاضطرابِ والخوفِ والأمراضِ العصبيَّةِ والنفسيَّة، باعترافِ عُقلاءِ أهلهِ ومُفكِّرِيهِ وعُلمائهِ ودَارسيه، وعالَمُ الحروبِ والتهديدِ الدائمِ بالحروبِ المبيدةِ، وحربِ الأعصابِ والاضطراباتِ التي لا تَنقطعُ هُنا وهُناك، وأنَّها حياةُ شقاءٍ وبؤسٍ ونَكد! ومِنْ هذا البلاءِ الذي تعيشُ فيهِ البشريَّةُ بلاءُ الرِّبا، بلاءُ الاقتصادِ الذي يَنمو نُمُوًّا مائلاً جانِحاً إلى حُفنةٍ منَ المموِّلين المُرابِين، الذين لا يَهدِفونَ إلى سدِّ مصالحِ البشريَّةِ وحاجاتِهم، بلْ إلى ما يُحَقِّقُ لهمُ الأرباح، ولو أفسَدوا حياةَ الملايين، وزرعوا الشكَّ والقلقَ والخوفَ في حياةِ البشريَّةِ جميعاً...اهـ. وإنَّ سببَ ما يَنزِلُ بهؤلاءِ المُرابينَ عندما يُبعثونَ مِنْ قبورِهم، هوَ استِحلالُهمُ الرِّبا وقَولِهمْ إنَّ البيعَ مثلُ الربا، وقالوا: لماذا أُحلَّ هذا وحرِّمَ ذاك؟ فهو اعتراضٌ على أحكامِ اللهِ وشرعِه. وشُبهتُهمْ الواهيةُ في هذا أنَّ كِلَيهما يَجُرّانِ ربحاً! معَ أنَّ العملياتِ الرِّبويَّةَ مُحَدَّدٌ ربحُها وفائدتُها في كلِّ حالة، وتَعودُ إلى مَجموعَةٍ منَ المموِّلين المُرابِين، والبيعُ والتجارةُ يُخضَعُ فيه للربحِ والخَسارة، في مهاراتٍ شخصيةٍ وظروفٍ جاريةٍ وحركةٍ وعَملٍ وتوزيعٍ متنوِّعٍ في الأموالِ والأرباح. فالرِّبا يُفْسِدُ الحياةَ البشريَّة، والبيعُ والتجارةُ تنشِّطُ الحياةَ الاقتصاديةِ وسوقَ العمل. ولهذا وغيرهِ منَ الاعتباراتِ التي يَعرِفُها الاقتصاديونَ والتجّار، أحلَّ اللهُ البيع، وحرَّمَ الرِّبا تَحريماً قاطِعاً. فمَنْ بلَغَهُ نهيٌ وزَجرٌ عنْ تعاطي الرِّبا حالَ وصولِ حُكمِ الشرعِ إليه، فلهُ ما سبقَ منْ مالهِ الذي وصلَهُ عنْ طَريقِ الرَّبا قبلَ التحريم، فلا يُسترَدُّ منه، وأمرُهُ إلى الله، فيَرجو بهِ عفوَهُ ورحمتَه، فهوَ من العفوِ عمّا سلفَ إنْ شاءَ الله. ومَنْ عادَ إلى التعاملِ بالرِّبا بعدَ بلوغهِ نهيَ اللهِ عنه، فقدِ استَحقَّ العقوبةَ والنارَ المُحْرِقةَ الدَّائمة. فلا يَغُرَّنَّ أحداً طولُ وقتٍ عاشَه، فإنَّ الموتَ يأتي فجأة، ولا يُبْعِدَنَّ مِنْ حِسابهِ تهديدَ اللهِ ووعيدَه، فإنَّهُ حَقٌ وصِدق، وهوَ واقعٌ بمنْ خالفَ أمرَه. وقدْ جاءَ التحريمُ لآكلِ الرِّبا لأنَّهُ الغالِب، والمقصودُ هوَ ومَنْ في حكمه، وفي صحيحِ مسلمٍ قولُ جابرٍ رضيَ اللهُ عنه: "لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبا، ومُوْكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْه، وقال: همْ سَواء". ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276] 276- إنَّ اللهَ يُذهِبُ البَركةَ منَ الأموالِ الرِّبويَّة، فلا يُنتَفَعُ بها، وستَكونُ حسرةً على صاحبِها وعقاباً لهُ في اليومِ الآخِر. وما استوَى خَبيثٌ وطيِّب، ولو كانَ هذا الخبيثُ أبيضَ برّاقاً، فإنَّ اللهَ يَركُمُهُ ويَجعَلُهُ في جهنَّم. وهوَ لا يعودُ على المجتمعِ الرِّبويِّ إلا بالشقاءِ والنَّكد، على الرغمِ ممّا يُرَى في ظاهرهِ منْ غِنىً ومَوارد، فإنَّهُ يَفيضُ بالقلقِ النفسيِّ والخوفِ والاضطِراب، وليسَ فيه أمانٌ واطمئنانٌ وسَعادةٌ حقيقيَّة، حيثُ لا بَركةَ ولا تَكافلَ قائمٌ على الحقِّ والتقوَى. أمّا المالُ الطيِّبُ والصَّدقات، فإنَّ اللهَ يُنْمِيها ويَزيدُها خيراً وبَركةً ووَفرة، ويَجعلُ في مجتَمعهِ المودَّةَ والاطمئنانَ وراحةَ البال، حيثُ التكافلُ والتعاونُ على الخَير. واللهُ يَبغُضُ ذلكَ المرابيَ الكَفورَ القَلب، الذي يأثَمُ في قولهِ وفِعله، فلا يَرضَى بما قسمَ اللهُ لهُ منَ الحلال، ولا يَكتفي بما شَرعَ اللهُ لهُ منَ التكسُّبِ المُباح، بلْ يَسعَى إلى أكلِ أموالِ الناسِ بالباطِل، منَ الرِّبا وغَيرِه. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277]. 277- إنَّ الذينَ آمَنوا وأتْبَعُوا إيمانَهمْ بالأعمالِ الصالحة، فأطاعُوا ربَّهم، وشَكروا لهُ نِعَمَهُ عَليهم، ورَضُوا بما قَسَمَ لهمْ منَ الحلال، وأحسَنوا إلى خَلْقه، وداومُوا على صلواتِهم، وأعطَوا زكاةَ أموالِهمْ للفقراءِ والمُحتاجين، لهمْ جميعاً الجزاءُ العَظيمُ عندَ ربِّهم، ولا خوفٌ عليهمْ يومَ الحِساب، في مقابلِ التخبُّطِ والهَلعِ الذي يُصيبُ المُرابي، ولا همْ يَحزَنونَ على ما فاتَهمْ منَ الدُّنيا، فهمْ في مكانٍ أجلّ، ونَعيمٍ أعظم، وسعادةٍ لا تُوصفُ ولا تُقارَنُ بما في الدنيا. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 278]. 278- أيُّها المؤمنون، اخشَوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَه، واترُكوا ما لكمْ على الناسِ منَ الرِّبا، إذا كنتُمْ مؤمنينَ باللهِ وبما شَرَعَ لكمْ منَ الحلالِ والحرام. ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279] 279- فإذا لم تَنتهوا عنِ التعَاملِ بالرِّبا، فانتَظروا غَضَبَ الربّ، وتيقَّنوا حَرباً منَ اللهِ ورسولِه! وهوَ تَرهيبٌ مُخيف، ووَعيدٌ شَديد، وغَضبٌ ماحِقٌ منْ جبّارِ السَّماواتِ والأرض، يُهَدِّدُ فيهِ الذينَ لا يَكفُّونَ عنِ التعاملِ بالرِّبا بالعِقابِ والقَتل. وهوَ عقابٌ دُنيويٌّ وأُخْرَويّ. وقدْ سبقَ بيانُ الأُخْرِويّ، أمّا الدنيويّ، فإنَّ المُرابيَ يُستَتابُ منْ فِعلتهِ الشنعاءِ هذه، فإذا لم يَدَعْها عُوقب. وكذلكَ الجماعاتُ والفِئاتُ كالصيارفةِ وأصحابِ البنوك ومَنْ إليهم. وهيَ مسؤوليةٌ كُبرى يَتحمَّلُها الحاكمُ خاصَّة. وقدْ أمرَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم عندَ فتحِ مكَّةَ بوضعِ كلِّ رِبًا في الجاهلية. قالُ أهلُ المعاني: حربُ اللهِ النَّارُ، وحربُ رسولِ اللهِ السَّيفُ. فإذا تُبتُمْ وعدتُمْ إلى الحقّ، وانتَهيتُم عنِ التعامُلِ بالربا، فإنَّ رؤوسَ أموالِكم تُعادُ إليكم، لا يَنْقُصُ منها شَيءٌ ولا يُزادُ عَليها شَيء. ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]. 280- فإذا كان المَدينُ مُعسِراً لا يَستطيعُ أنْ يَفيَ دَيْنَه، فيُنْظَرُ حتَّى يَيْسَرَ ويَدفعَ إليكمْ رؤوسَ أموالِكم، لا كما يفعلُ الُمرابي الجَشِعُ بوضعِ المزيدِ منَ الرِّبا إذا لم يَدفع! وإذا تصَدَّقتُمْ بها عليهِ وسامَحتُموهُ فإنَّهُ خَيرٌ لكمْ وأفضَل، هذا إذا عَلمتُمُ الثوابَ الكبيرَ الذي يَنتظرُكمْ منْ فَضلِ التيسيرِ على المُعسِر. ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. 281- واخشَوا اللهَ حقَّ الخَشية، وانتَظِروا ذلكَ اليومَ الذي تُرجَعونَ فيهِ إليهِ وقدْ تركتمُ الدُّنيا وما فيها مِنْ أموال، وسوفَ يُحاسِبُكمْ على ما كسبتُمْ منْ طرقٍ حَلالٍ أو حَرام، ويُحَذِّرُكمْ منْ عُقوبتِه، كما يُرَغِّبُكمْ في مَثوبتِه، ولنْ يُظْلَمَ أحدٌ في ذلكَ اليومِ والمحاسِبُ هوَ الله. ويومَئذٍ يَندَمُ المُرابي أيَّما نَدم، وكلٌّ يَرجو لو كانَ تَنازل، وأنفَق، وأحسَن... وهاهمُ الأحياءُ يَقرؤونَ ويَسمَعون، إنْ كانتْ لهمْ عُيونٌ يُبصِرونَ بها، وآذانٌ يَسمعونَ بها. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة:282) 282- أيُّها المؤمنون، إذا تَعاملتُمْ فيما بَينكمْ بمعاملاتٍ مؤجَّلةٍ فاكتُبوها، فإنَّهُ أثبتُ وأحفَظ، كما يأتي. وليَكنِ الكاتبُ بَينكمْ شَخصاً يَكتبُ بالقِسطِ والحقِّ على ما اتَّفقتُمْ عليه، مِنْ غَيرِ زيادةٍ ولا نُقصان. ولا يَرفُضِ العارفُ بالكتابةِ أنْ يَكتبَ لهمْ إذا طُلبَ منهُ ذلك، فإنَّ عليهِ أنْ يَكتبَ وفاءً للعلمِ الذي علَّمَهُ الله. وليَقُلِ المَدينُ ما عليهِ منَ الدَّيْن ليُكْتَب، ولْيَخْشَ اللهَ في قوله، وليَصْدُقْ ما في ذمَّتهِ ولا يَنقُصْ منهُ شيئاً، وليَذكرْ شرطَهُ وأَجَلَه. فإنْ كانَ المَدينُ سَفيهاً لا يُحسِنُ تَدبيرَ أمورِه، أو ضَعيفاً: صَغيراً، أو مَجنوناً، أو لا يَستطيعُ أنْ يُمليَ هوَ ويُبيِّنَ مقدارَ ما عليهِ ومُلابساتِه، لِعَيبٍ خَلْقيٍّ أو جَهلٍ أو أيِّ سببٍ آخَر، فليَتحدَّثْ عنهُ وليُّ أمرهِ أو القيِّمُ عليه، بالحقِّ والعَدل. وأشهِدوا على عَقدِكمْ هذا اثنينِ منَ الشهداءِ عَدْلَينِ يَحُوزانِ على رِضاكِما. فإذا لم يَكونا رَجُلينِ فليَكنْ رَجلاً وامرَأتين، حتَّى إذا نَسِيتْ إحداهُما ذكَّرتْها الأخرى، فإنَّ واجبَها الأُسريَّ واهتمامَها وانشغالَها بأعمالِها الخاصَّة، وبُعدَها عنْ أمورِ البيعِ والعقودِ يُنسِيها ذلك، فتُذَكِّرُها الأخرَى بملابساتِ الموضوعِ فتَذْكُر. وإذا دُعيَ الأشهادُ إلى الشهادةِ فليَستَجيبوا. ولا تَمَلُّوا منْ أنْ تَكتبوا مُعامَلاتِ الديونِ ومدَّةَ إيفائها، سواءٌ كانتْ قليلةً أمْ كثيرة، فالكتابةُ أعدَل، وأثبَتُ للشاهدِ إذا رَأى خطَّهُ أو توقيعَه، فإنَّهُ منَ المحتملِ أنَّهُ لو لم يَكتبْهُ لم يَذكره. وهوَ أبعدُ منْ شُبهةِ الكذبِ والادِّعاء، الذي يُفضِي إلى التنازعِ بينَ المتعاقِدَين. وإذا كانَ البيعُ حاضراً في مجلسٍ واحد، فلا بأسَ منْ عدمِ الكتابة، لتيسيرِ العمليّاتِ التجاريَّةِ وعدمِ تَعقيدِها، معَ الإشهادِ على ذلك. والأمرُ هنا للإرشادِ والنَّدْبِ لا الوجوب، عندَ جمهورِ العلماء. وكذا الأمرُ بكتابةِ الدَّيْنِ -كما جاءَ في أوَّلِ الآية- أمرُ نَدْبٍ واستحبابٍ وليسَ بفَرض، عندَ أكثرِ الفقهاء، لأمورٍ وأدلَّةٍ أخرَى في الموضوع. لكنَّ الكتابةَ أفضلُ وأحسنُ وأوثق، كما مرَّ في الآيةِ الكريمة. وصاحبُ الدَّيْنِ يَحتاطُ لذلك، فإذا لم يَكتبْهُ وحَدَثَ ما لا يُحمَدُ فلا يَلومنَّ إلا نفسَه. ولا يَضُرَّ الكاتبُ فيَكتبَ عقدَ الدَّينِ بخلافِ ما يُملَى عليه. ولا يَضُرَّ الشاهدُ فيُدليَ في شهادتهِ بخلافِ ما رَأى أو سَمع، أو يَكتُمَها. كما أنَّ الكاتبَ والشاهدَ لا يُجبَرانِ على الكتابةِ والشهادةِ إذا اعتَذرا، وإذا فَعلا فلا يَتعرَّضانِ للضَّررِ منْ قِبَلِ العاقدَينِ لأيِّ سببٍ منَ الأسبابِ الخلافيَّةِ بينَهما. واخشَوا اللهَ في معاملاتِكم، واتَّبعوا أمرَهُ واستَقيموا عليه، فإنَّ اللهَ يعلِّمُكمْ أحكامَهُ المتضمِّنةَ مصالحَكم، واللهُ عالِمٌ بحقائقِ الأشياءِ ومصالِحها وعواقِبها، ولا يَخفَى عليهِ حالُكم. ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة:283) 283- وإذا كنتُمْ مسافِرينَ ولم يِكنْ هناكَ كاتبٌ يَكتبُ لكمْ عَقْدَ دَيْنِكمْ وبَيعِكم، فليَكنْ بدلَهُ رهنٌ يَقْبِضُهُ المرتِهن، وهوَ صاحِبُ الحقّ. فإذا أَمِنَ بعضُكمْ بَعضاً ووثَقَ به ولم يَرتَهنِ الدائنُ، فليؤدِّ المَدينُ دَيْنَهُ الذي أؤتُمِنَ عليه، وليَخْشَ اللهَ في ذلكَ فلا يَنْقُصْ ولا يَزِدْ. ولا تَكتُموا الشَّهادةَ عندَ التقاضِي، فإنَّها أمانة، ومَنْ كتَمَها فقدَ فَجَرَ وباءَ بالإثم، وكِتمانُها كتَزويرِها، فلا فرقَ بين إخفائها أو قولِها على غيرِ حَقيقَتِها. واللهُ عليمٌ بما تُكِنُّهُ القلوب، خبيرٌ بما تُخفيه، ويَجزِي كلاًّ بما يَستَحقّ، إنْ خَيراً، أو شَرًّا. ﴿ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (البقرة:284) 284- كلُّ ما في السَّماواتِ والأرضِ مُلكٌ لله، وهوَ سُبحانَهُ مطَّلعٌ على جميعِ ما فيها، خبيرٌ بحركاتِها وسَكناتِها، مهما خَفِيتْ وصَغُرت، عليمٌ بما نُفوسِكمْ أيُّها البشَر، إنْ أظَهرتُموهُ أو كتَمتُموه، ويُحاسبُكمْ على كلِّ ذلك، ثمَّ يَغفرُ لمنْ شاءَ منكم، ويُعَذِّبُ مَنْ شاء، واللهُ لا يُعْجِزهُ شَيء، وهوَ قادرٌ على ما يَشاء. وفي هذا تَخويفٌ شديد، وتَرهيبٌ مُخيف، فإنَّ المحاسبةَ على السيِّءِ منَ الأعمالِ القلبيَّةِ ليسَ في صالحِ النفسِ البشريَّةِ مهما كانتْ مُؤمِنةً صالحة، فلا يُمكِنُ الاحترازُ عنْ كثيرٍ منْ هذهِ الأعمال. وهذا الذي دفعَ الصحابةَ رضيَ اللهُ عنهمْ إلى أنْ يُراجِعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لتَقْواهم وشِدَّةِ إيمانِهم، وقالوا له: "كُلِّفنا منَ الأعمالِ ما نُطيق، الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقدْ أُنْزِلتْ عليكَ هذهِ الآيةُ، ولا نُطيقُها". فنهاهُمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يكونوا مثلَ أهلِ الكتابِ وقولِهمْ: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾، وأمرَهُمْ أنْ يَقولوا: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾. فقالوا ذلك، فنزَلتِ الآيةُ التاليةُ ناسخةً لها، وفيها قولهُ تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾. فاستجابَ لهمْ ربُّهم، وقال: "قدْ فَعَلْتُ"، كما في صَحيحِ مُسلمٍ وغيرِه. وفي الحديثِ الذي رواهُ البخاريُّ وغيرُه: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عنْ أمَّتي ما حدَّثتْ بهِ أنفُسَها ما لم تَعملْ أو تَتكلَّم". وفي الآيةِ تَذكيرٌ للمؤمنينَ بما يُمكنُ أنْ يُحاسَبوا عليهِ حتَّى يَزيدوا منْ معالجةِ تربيةِ أنفسِهمْ ويحافِظوا على تَزكيتِها باستِمرار، ويَطلبوا منَ اللهِ العفوَ والمغفرةَ دائماً. وفي التاليةِ بيانٌ لفضلِ اللهِ عليهمْ وتَجاوزهِ عنْ ذلك. ﴿ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ (البقرة:285) 285- إنَّ الرسولَ محمّداً صلى الله عليه وسلم والمؤمِنونَ كلَّهمْ آمنوا إيماناً شَاملاً كاملاً، فآمَنوا باللهِ الواحدِ الأحَد، وآمَنوا بملائكتهِ الذينَ ذَكرهمْ ورسولُه، وآمَنوا بما أُنْزِلَ مِنْ كُتب، وآمَنوا بالرسُلِ جميعاً، وليسَ ببعضِهمْ كما فعلَ اليهودُ وغيرُهم، وهمْ جميعاً عبيدُ اللهِ صادقونَ مُوحًى إليهم. وقالوا جَميعاً مؤمنينَ مُستَسلِمين: سَمِعنا قولَكَ يا ربَّنا وعَقَلناه، وأطَعنا ما فيهِ وامتَثلناه، فاغفرْ لنا يا ربَّنا ذنوبَنا وتَقصيرَنا، فإنَّ إليكَ مآبَنا ومرجِعَنا يومَ الحِساب، فلا مَلجأ منكَ إلاّ إليك، ولا نَجاةَ مِنْ عقابِكَ إلاّ بغُفرانِك. ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ ﴾ (البقرة:286) 286- لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً فوقَ طاقتِها، فلا يُؤمَرُ أحدٌ بأمرٍ لا يَقدِرُ عليه، فلها ثَوابُ ما عَمِلتْ منْ خَير، وعليها عقوبةُ ما اكتسَبتْ مِنْ شَرّ. وقالوا: ربَّنا سامِحنا واعفُ عنّا إذا ترَكنا أمراً أو ارتَكبنا مَحظوراً نِسياناً لا عنْ قَصد، أو سهَونا عنِ الصَّوابَ في العَملِ وجَهِلناه. وفي الحديثِ الصحيحِ الذي مرَّ أنَّ اللهَ استجابَ دعاءَ عبادهِ المؤمنينَ في ذلكَ وقال: "نعم". وقالوا: ربَّنا ولا تُكَلِّفنا أعمالًا شاقَّةً كما كلَّفْتَ بهِ أمماً ماضِية، مثلَ بني إسْرائيل، الذين كانوا يَعْصُونَ المرَّةَ تِلْوَ الأخرَى، فيُعاقبُهمُ اللهُ بمزيدٍ منَ التكاليف. ودَعَوا فقالوا: واعفُ عنّا يا ربَّنا تَقصيرَنا وزَلَلنا، واغفرْ لنا ما اقترَفنا منْ ذنوبٍ وسيِّئات، فإنَّهُ لا يَغفِرُها إلا أنت، وارحَمنا برحمتِكَ الواسعة، وتوَلَّنا بحفظِكَ ورِعايتِك، فأنتَ وليُّنا وناصِرُنا، نَستَعينُ بكَ ولا نتوكَّلُ إلاّ عليك، واكتبْ لنا التأييدَ والنصرَ على هؤلاءِ الكافِرينَ الذينَ جَحدوا دينَك، وأنكرُوا وحدانيَّتَك، وكفَروا برسالةِ نبيِّك، وأشرَكوا في عبادتِك، فانصُرنا وأنتَ خَيرُ الناصِرين. فاستجابَ اللهُ لهم. والآيتانِ الأخيرتانِ منْ هذه السورةِ العظيمةِ فيهما خيرٌ كثيرٌ لمنْ قرأهما، وفي فضلِهما أحاديث، منها قولهُ صلى الله عليهِ وسلم: "مَنْ قرأ بالآيتَيْنِ مِنْ آخرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كَفَتاه". رواهُ الشيخانِ وغيرُهما. يَعني كَفَتاهُ عنْ قيامِ تلكَ الليلة، أو كَفَتاهُ المكرُوه... وذلكَ لِما فيهما منِ اعتقادٍِ شامِِل، ومنْ الثَّناءِ على الصَّحابةِ بجميلِ انقيادِهم إلى الله، وابتهالِهم، ورجوعِهم إليه، وما حصلَ لهمْ من الإجابةِ إلى مطلوبِه... • • • مِنْ فضائلِ هذه السُّورَةِ العَظيمَة، قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيتِ الذي تُقرَأُ فيهِ سُورَةُ البقَرَة". رواهُ مسلمٌ وغَيرُه.
الموضوع الأصلي: الواضح في التفسير الحلقة العاشرة |~| الكاتب: نزف القلم |~| المصدر: منتديات بحر الامل
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
2020-04-12, 10:34 AM | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|