قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغْتَنِم خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ؛ شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ، وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ”.
إن الإنسان العاقل هو الذي يهتمّ بما تضمنَه هذا الحديثُ؛ فمن عمل لما ينفعه بعد موته لا يندم في الآخرة، وهو ما يوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف؛ حيث يشير الرسول هنا إلى خمس أشياء وسمّاها بـ”الغنائم”، والغنم هو الفوز والنجاح والفلاح، من غير مشقة ولا تعب:
الغنيمة الأولى: “شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ”.. لا ينبغي أن يكونَ الشابُ غافلا عما يستطيع أن يفعله لآخرته قبل أن يدركه الهرَم؛ فمن أكرمه الله عز وجل بقوة الشباب والفتوة فلا يجوز له أن يضيّع هذه القوة في اللهو والغفلة واللعب، بل يجب عليه أن يبذل شبابه ووقته فيما ينفعه لآخرته؛ فما أحسن وقت الشباب إذا استثمره صاحبه فيما ينفعه بالدرجة الأولى في شئون الدين وينفعه في دنياه؛ وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله؛ حيث قال: “وشاب نشأ في عبادة الله”.
أيها الشباب عليكم أن تغتنموا شبابكم، وسارعوا في عبادة الله وأنتم بقواكم وبروح الفتوة والمبادرة، فعلى الإنسان أن يغتنم عمره قبل كبر سنه حيث لا يطيق عمل العبادات والطاعات والمداومة عليها على الوجه الأكمل، فضلا عن المسابقة في الأعمال الصالحة والخيرات.
الغنيمة الثانية: “صِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ”.. الصحة من الغنائم العظيمة ومن الوسائل التي تُعين الإنسان على القيام بالواجبات والعبادات التي أمر الله بها تبارك وتعالى على وجه الأكمل؛ فعندما يكون العبد صحيحا في جسمه صحيحا في جوارحه صحيحا في عقله فإنه إذا قام إلى الأعمال التي تنفعه في دينه ودنياه أحسنها وأتقنها، وليس كمن كان سقيما لأن المرض يمنع الإنسان من أشياء كثيرة كان يستطيع أن يعملها في صحته؛ فمن يغتنم صحته قبل مرضه يكون جمع خيرا كثيرا؛ فالصحة غنيمة ومكسب رابح لمن استخدمها فيما يُرضي الله، كما أن العبد المؤمن يستعمل قوته وصحته في مساعدة أهله وفي الجهاد في سبيله ومساعدة العاجز والمريض.
الغنيمة الثالثة: “غِنَاكَ قبلَ فقرِكَ”.. إذا أتاك الله شيئا من المال فلا تنسى حق الله في المال؛ فعليك أن تُخرج الزكاة المفروضة عليك ولو أن تتصدّق بالقليل منه، وأن تنفق على والديك والفقراء والمساكين، وقد تبني مسجدا لله تعالى أو مستشفى فتكون لك كالصدقة الجارية، فاغتنمْ غناك قبل أن تُصبح فقيرا لا تجد ما تعود به على نفع نفسك أو نفع غيرك؛ فالغنى والفقر بيد الله تبارك وتعالى.
الغنيمة الرابعة: “فراغَكَ قبلَ شغلِكَ”.. اغتنم فراغك قبل شغلك؛ فلا يذهب سُدى ولهوا وغفلة وجريا وراء مغريات الدنيا؛ فهناك من يقضي وقتا كبيرا في الطرقات وعلى صفحات الإنترنت دون أن يستفيد شيئا من وراء ذلك؛ فيجب أن تستغل الفراغ فيما ينفعك في دينك ودنياك؛ فعلى المؤمن الحق أن يغتنم هذه الفرصة في الدنيا وأن يقضي فراغه في طاعة الله من صيام وصلاة وتسبيح، وأن يبتعد عن كل ما يلهيه وينسيه ذكر ربه.
الغنيمة الخامسة: “حياتَكَ قبلَ موتِكَ”.. الحياة هي ميدان العمل ولا حياة طيبة مباركة إلا بصالح العمل والابتعاد عن سيئ العمل.. اغتنم أيها المؤمن الحق حياتك قبل مماتك، واعمل عملا حسنا وداوم عليه، وتذكّر أنه عند حلول الموت سوف تتمنّى أن تعود للدنيا لتعمل عملا صالحا، وتذكّر أن السعيد هو مَن خُتِم له بالسعادة؛ قال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}.
وأكثر الناس يضيّعون هذه النعم الخمسة ولا يعرفون أهميتها؛ قال سيدنا علي رضي الله عنه: “الناسُ نيام فإذا ماتوا انتَبَهُوا”؛ أي أن أكثر الناس غافلون عما ينفعُهم لما بعد الموت، ولكن إذا جاءت سكرة الموتِ يعرفون فيندمُون، ويقولون يا ليتنا أدّينا ما فرض الله علينا، واجتنبنا ما حرّم الله.
2020-09-22, 07:04 AM
واغتنم خمسا قبل خمس
العرض الشجري