التفسير باللغة العربية مهم لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2].
1 - مثال ذلك ما نقله الحافظ في "الفتح"
عن ابن بطال قال:
« اختُلِف في الاستواء المذكور هنا – أي: في آية: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلى السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 29] - فقالت المعتزلة: معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة، واحتجوا بقول الشاعر:
قد استوى بشرٌ على العراقِ *** من غير سيفٍ ودمِ مهراق
ثم رد هذا القول؛ حيث قال: فأمَّا قول المعتزلة فإنَّه فاسدٌ لأنه لم يزل قاهرًا غالبًا مستوليًا سبحانه وتعالى».
وذكر أقوالًا عديدة، ثم قال: « وأمّا تفسيرُ (استوى): علا فهو صحيحٌ، وهو المذهب الحق وقول أهل السنة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعليِّ، أي: الأعلى. وقال: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
وهي صفة من صفات الذات». [فتح الباري ج 13/ 406].
أقول: الصواب أن يقال: الاستواء من صفات الله الفعلية المتعلقة بذات الله. والله أعلم[1].
ثم ذكر الحافظ في "الفتح" قائلًا: « وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب "الفاروق" بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال: كنَّا عند عبد الله بن الأعرابي - يعني محمد بن زياد اللغوي - فقال له رجل:
﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ فقال: هو على العرش كما أخبر. قال: يا أبا عبد الله إنَّما معناه استولى، فقال اسكت، لا يقال استولى على الشيء إلَّا أن يكون له مضاد....
وقال غيره: لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش؛ لأنَّه غالب على جميع المخلوقات». [ج 13/ 406].
والعجيب أن الأشاعرة أخذوا عن المعتزلة تفسير استوى بمعنى استولى،
وفشا هذا في بعض كتب التفسير والتوحيد وأقوال الناس، فأنكروا العلوَّ لله -عَزَّ وَجَلَّ- كما دلت عليه الآيات
ومعنى (التماثيل): الأصنام، كما في تفسير "فتح القدير " للشوكاني؛ حيث قال: « والتماثيل: الأصنام،
وأصل التمثال الشيء المصنوع مشابهًا لشيء من مخلوقات الله سبحانه، يقال مثَّلتُ الشيء بالشيء إذا جعلتُه مشابهًا له، واسم ذلك الممثَّل تمثال»[3].
والأصنام التي كان المشركون يعبدونها تمثل الأولياء، والدليل:
أ - ذكر البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، قال: صارت الأوثان التي تعبد في قوم نوح في العرب....
وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم
التي كانوا يجلسون أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد،
حتى إذا هلك أولئك ونُسخ العلم عُبدت (أي الأصنام). ومعنى: (نُسخ العلم) أي عِلم تلك الصور بخصوصها[4].
ب - وذكر البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ [النجم: 19]، قال:
كان (اللات) رجلًا يلت سويق الحاج[5].
أقول: ولذلك سماهم الله تعالى بالأولياء في كثير من الآيات، منها: قوله تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الشورى: 9].
ومن هذا التفسير المتقدم تعلم خطأ كثيرٍ من المسلمين الذين يزعمون
أن المشركين الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا يدعون أصنامًا
من الحجارة وليسوا بأولياء، وهذا خطأ لأن الأوثان والأصنام كانت تمثل رجالًا صالحين كما تقدم.
3 - ومن التفسير باللغة العربية قول الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ ﴾ [محمد: 19]، فالإله: معناه العبود، فيكون معناها: لا معبود إلا الله، ولما كانت المعبودات من دون الله كثيرة: فالهندوس في الهند يعبدون البقر، والنصارى تعبد المسيح، وبعض المسلمين - مع الأسف الشديد -
يعبدون الأولياء ويدعونهم من دون الله، والحديث يقول: «الدعاء هو العبادة»[6].
لذلك كان لابد من إضافة كلمة (حق) على التفسير، فيصبح معناها: لا معبود حق إلا الله، وبذلك خرجت جميع المعبودات الباطلة كلها، والدليل على هذا التفسير قوله تعالى:
فقدَّم المفعول (إياك) مرة على الفعل (نعبد) ومرة على الفعل (نستعين) للحصر والاختصاص، أي:
لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك يا الله، ونخصك بالعبادة والاستعانة وحدك.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾:
قال ابن القيم في مدارج السالكين:
«وسر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإِنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن...
وجمع معاني القرآن في الفاتحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
[الفاتحة: 5][7].
من فوائد الآية:
1 - إفراد الله بالعبادة: كالصلاة والطواف والحكم ودعاء الله لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الدعاء هو العبادة». [حديث حسن صحيح].
2 - سؤال الله، والاستعانة به، ولا سيما فيما لا يقدر عليه غيره: كشفاء المرض، وطلب الرزق والهداية وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم:
« إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله». [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].