♥ ☆ ♥ فعاليات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|||||
♥ ☆ ♥اعلانات بحر الامل ♥ ☆ ♥
|
|
۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ قَسَمَ يَهَتَمَ بَاَلَقَرَآنَ وًّاَلَتَفَسَيَرَ وًّاَلَقَرَاَءاَتَ .. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||
الواضح في التفسير الحلقة التاسعة عشرة
الواضح في التفسير (الحلقة التاسعة عشرة) . محمد خير رمضان يوسف الجزء الخامس سورة النساء (الآيات 101- 147) ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾ [النساء: 101]. 101- وإذا سافرتُمْ في البِلاد، فلا حَرَجَ عَليكمْ مِنْ أنْ تُخَفِّفوا مِنْ عددِ رَكَعاتِ الصَّلاة، بتنصيفِ الرباعيَّةِ منها، إنْ خِفتُمْ أنْ يُلحِقَ الكافِرونَ الأذَى بكم، فهمْ أعداءٌ ظاهِرونَ لكم، ويَتحيَّنونَ الفُرَصَ ليغدِروا بكم. وقَصْرُ الصَّلاةِ في السَّفرِ جائزٌ بإجماعِ الأمَّة، ولو لم يَكنْ خَوف، وهوَ رُخصةٌ منَ اللهِ تعالى لعبادِه، وكما قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بها عَليكم، فاقبَلوا صَدَقَتَهُ". رواهُ مسلمٌ في صَحيحِه. ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [النساء: 102]. 102- وهذا شُروعٌ في بَيانِ صَلاةِ الخَوف. فإذا كنتَ بينَ أصحابِكَ أيُّها النبيّ -والخِطابُ للجَميع- وأردتَ أنْ تُصَلِّيَ بهمْ إماماً، فاجعَلهمْ طائفتَين، طائفةً تُصلِّي معَك، والأخرَى تَكونُ تُجاهَ العدوِّ للحِراسَة، تأخُذُ معها سِلاحَها. فإذا سَجدَ القائمونَ معكَ وأتمُّوا الرَّكعَة، فليَنصَرِفوا إلى مَكانِ الذينَ كانوا يَحرُسون، وليأتُوا همْ فليُصَلُّوا معكَ الرَّكعَةَ الباقيةَ، وهيَ لهمُ الركعةُ الأولى، وليأخُذِ الذينَ حلُّوا مَكانَ السابقِينَ حَذَرَهمْ وأسلحتَهم. ويَعني أن الرسُولَ صلى الله عليه وسلم يكونُ قدْ صلَّى صلاتَهُ ثِنتَين، وكلٌّ منَ الطائفتينِ تُكْمِلُ ما بَقي، بعدَ أنْ صَلَّتْ كلُّ واحدةٍ منها رَكعَةً معَهُ صلى الله عليه وسلم. ووردتْ بكيفيَّاتٍ أخرى. والكافِرونَ يَتمنَّونَ لو تَغفُلونَ عنْ أسلحتِكمْ وأمتعتِكمْ ليَنالوا منكمْ غِرَّةً في صَلاتِكم، ليَحمِلوا عليكمْ حَملةً واحدةً ويَقضُوا عَليكم. ولا حرجَ عليكمْ إنْ أصابَكم مَطرٌ أو كنتُمْ مرضَى أنْ تَضَعوا أسلحتَكمْ على الأرض، معَ التيقُّظِ والحَيْطَة، لتَكونُوا على أُهْبَةٍ إذا احتَجْتُمْ إليها، ولئلاّ يَهجُمَ عليكمُ العدوُّ غِيْلَة. وقدْ أعدَّ اللهُ للكافِرينَ عَذاباً مُذِلاًّ يَنالُهم، فاهتمُّوا بأمورِكمْ أنتُم، وخُذوا بأسبابِ الحَيْطَة، حتَّى يَنصُرَكمُ اللهُ عليهمْ ويُعَذِّبَهمْ بأيدِيكم. ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ [النساء: 103]. 103- فإذا أدَّيتُمْ صَلاةَ الخَوفِ وفَرَغتُمْ منها، فأكثِروا مِنْ ذكرِ اللهِ وداوِموا عليه، في جميعِ أحوالِكم، قائمِين، وقاعِدين، ومُضطَجِعين، فذِكرُ اللهِ مَطلوبٌ في هذهِ الأحوالِ أكثر، وهوَ مَشروعٌ ومَرغوبٌ فيه مِنْ قَبل. فإذا أمِنتُمْ واستَقرَرْتُم، فأدُّوا الصَّلاةَ في وقتِها، وأتِمُّوها بجَميعِ أركانِها وشُروطِها، إنَّ الصَّلاةَ مَفروضةٌ على المؤمِنينَ ومَحدودَةُ الأوقات، لا يَجوزُ إخراجُها عنْ أوقاتها، ولا بدَّ مِنْ إقامتِها حَضَراً وسَفَراً، وفي وقتِ الخَوف... ﴿ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [النساء: 104]. 104- ولا تَضْعُفوا في طلَبِ عدوِّكمْ ولا تَتوانَوا في التعرُّضِ لهمْ ومُجابَهتِهمْ ومُقاتَلتِهم، فإنْ تَكونوا تألَمونَ مِنَ الجِراحِ والآلامِ التي تُصيبُكم، فإنَّهُ يَحْصُلُ مَعهمُ الأمرُ نفسُه، فلماذا لا تَصبِرونَ معَ أنَّكمْ أولَى بالصَّبرِ منهم، فأنتُمْ تَرجُونَ مِنَ اللهِ المَثوبةَ العَظِيمةَ في الآخِرَة، أو النصرَ والعزَّةَ بإظهارِ الإسلامِ فوقَ جميعِ الأديان، وهُمْ لا يَرجُونَ ذلك، فأنتُمْ أولَى بالجِهادِ والصَّبرِ منهم. وكانَ اللهُ عَليماً بأعمالِكمْ وضَمائرِكم، حَكيماً فيما يَأمرُ ويَنهَى، ويَقضِي ويُقَدِّر. ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ﴾ [النساء: 105]. 105- نحنُ نزَّلنا عليكَ القُرآنَ بالحقّ، فهوَ حقٌّ عَدْلٌ في خَبرهِ وحُكمِه، لتَقضيَ بينَ الناسِ بما عَرَّفكَ وأوحَى بهِ إليك. ولا تُجادِلْ عَمَّن عَرفتَ خيانتَهُ، كمنِ ادَّعَى ما ليسَ له، أو أنكرَ ما هوَ عليه. وفي تَفصيلهِ وسَببِ نُزولهِ خَبَرٌ طَويل. ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [النساء: 106]. 106- واطلبِ المَغفِرَةَ مِنَ الله؛ لهَمِّكَ بالحُكمِ على ما لم تَتثبَّتْ منه، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ لك، فهوَ كثيرُ المَغفِرَةِ والرَّحمَة. ﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ﴾ [النساء: 107]. 107- ولا تُجادِلْ عمَّن خانَ نفسَهُ وخانَ الآخَرينَ بما جنَى وظَلم، فاللهُ لا يُحِبُّ الخائنينَ الآثِمين، الذينَ يَعصُونَ الله ويُلحِقونَ الأذَى والضَّررَ بالآخَرين. ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ﴾ [النساء: 108]. 108- إنَّهمُ المنافِقون، الذينَ يَستَتِرونَ بقَبائحِهمْ وأعمالِهمُ الدنيَّةِ من النَّاسِ لئلاّ يُعرَفوا بذلك، لكنَّهمْ يُجاهِرونَ بها اللهَ خالِقَهمْ وهوَ أحَقُّ مِنْ أنْ يُستَحيا منهُ ويُخْشَى عِقابُه، وهوَ مَعهمْ إذْ يُدَبِّرونَ ما يُجافي الاستقامةَ والعَدل، وهوَ سُبحانَهُ عالِمٌ بأعمالِهمُ الظاهِرةِ والخافِيَة، لا يَخفَى عليهِ شَيء. ﴿ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 109]. 109- وهَبُوا أنَّكمْ بَذلتُمُ الجُهْدَ في المخاصَمةِ عنهمْ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا وحصَلوا على مُبتغاهُمْ فيها، فمنْ يُحاجِجُ اللهَ عنهمْ يومَ القيامةِ وهوَ العالِمُ بخَفِيّات الأمور، ومَنْ يَتكفَّلُهمْ ويذُبُّ عنهمْ ويَتولَّى أمرَهمْ يَومَئذ؟! ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [النساء: 110]. 110- ومَنْ يَقتَرِفْ ذَنباً، كبيراً كانَ أو صَغيراً، يَسُوءُ بها غَيرَه، كسَرِقَتِه، أو يَظلِمُ بها نفسَه، كحَلِفٍ كاذِب، ثمَّ يَتُبْ منهُ ويَعُدْ إلى الحقّ، ويَطلبِ المَغفِرَةَ مِنْ ربِّه، فإنَّهُ عَفُوٌّ حَليم، يَقبَلُ تَوبتَهم، ويَغفِرُ لهمْ ويَرحَمُهم. ﴿ وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [النساء: 111]. 111- ومَنْ يَقتَرِفْ ذَنباً مِنَ الذُّنوبِ عنْ قَصد، فإنَّهُ يَجني بذلكَ على نفسِه، ويَجلُبُ لها الضَّررَ والوَبال، ويُعَرِّضُها للعَواقب، واللهُ عَليمٌ بما يَقتَرِفهُ النَّاس، حَكيمٌ بما يُقَدِّرهُ مِنْ عُقوبةٍ عَليهم. ﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [النساء: 112]. 112- ومَنْ يَعملْ عَملاً سيِّئاً أو يَقتَرِفْ ذَنباً كبيراً، ثمَّ يتَّهِمْ بهِ بَريئاً، فقدِ ارتكبَ فِعلاً بَغِيضاً، وكذَبَ على الغيرِ كَذِباً شَنيعاً، واقترَفَ ذَنباً عَظيماً، واضِحاً مُبِيناً. ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ [النساء: 113]. 113- ولولا فَضلُ اللهِ عليكَ ورَحمتهُ بكَ بما عَصمَكَ بهِ مِنَ الوَحي، مِنْ لزُومِ التثبُّتِ وبيانِ الحقّ، لكادَتْ طائفةٌ أنْ تُلَبِّسَ عليكَ الحقَّ وتُشَوِّشَ عليكَ الصَّحيح ، وتَتسَبَّبَ في الحُكمِ على القَضيَّة خَطأ، بما زَيَّنوهُ لكَ وبَيَّتوا ما لا يُرضِي اللهَ منَ القَول. و ما كانوا يَضرُّونكَ بهذا مِنْ شَيء، إنَّما ضَرَرُهُ يَرجِعُ إليهم، فقدْ عصَمكَ الله، وباؤوا همْ بالإثم. وقدْ أنزلَ اللهُ عَليكَ القُرآنَ وعَصمَكَ به، وعلَّمكَ القضاءَ بالوحي، وعلَّمكَ منَ الأحكامِ ومِنْ عِلمِ الغَيب ما لم تَكنْ تَعلمُهُ قبلَ ذلكَ مِنْ خَفيّاتِ الأمور، وكانَ فضلُ اللهِ عليكَ كبيراً، بأنْ جعلكَ نَبيًّا، وفَضَّلكَ على سائرِ الخَلق، وأعطاكَ الشَّفاعةَ العُظمَى يومَ القِيامَة... ﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 114]. 114- لا خَيْرَ في كَثيرٍ مِنْ كلامِ الناسِ إلاّ إذا كانَ في حَثٍّ على الصَّدَقات، أو أمرٍ بالخَيراتِ والطَّاعات، أو تأليفٍ بينَ النَّاسِ بالمودَّةِ إذا فَسدَ ما بينَهم، ومَنْ يَفعلْ هذهِ الأشياءَ مُبتَغياً بها وجهَ اللهِ ومَرضاتَه، مُحتَسِباً ثوابَ ذلكَ عندَه، فسوفَ نَجزيهِ أجراً كبيراً وثَواباً جَزيلاً. ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء: 115]. 115- ومَنْ يُخالِفْ رسولَ اللهِ ويَسْلُكْ غيرَ طَريقِ الشَّريعةِ التي جاءَ بها، عنْ عَمدٍ وتَقصُّدٍ، بعدَ ما ظهرَ لهُ الحقُّ ممّا حُكِمَ به، وعَرَفَ بذلكَ الأوامرَ والحُدود، ويَسْلُكْ طريقاً آخرَ غيرَ ما اجتَمَعَ عليه المؤمِنونَ واتَّفقوا عليه، نُخَلِّي بينَهُ وبينَ ما اختارَهُ لنفسِه، ونَكِلْهُ إلى نَفسهِ الآثِمة، ونُدْخِلْهُ جهنَّمَ فيُعَذَّبُ فيها، وبئسَ ما انتهَى إليهِ واستَقرَّ في مكانٍ كلُّهُ نارٌ وعَذابٌ. ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ [النساء: 116]. 116- واللهُ لا يَغفِرُ ذَنْبَ مَنْ أشركَ بهِ أو كَفر، والشِّرْك يُحبِطُ الأعمالَ حتَّى لا يُبقي لصاحبِها حسَنة، وهوَ سبُحانَهُ يَغفِرُ ذنوبَ مَنْ شاءَ مِنْ عِبادهِ ما دامَ لم يُشرِكْ به، وإنَّ مَنْ أشرَكَ بهِ تعالَى شَيئاً فقدِ ابتعدَ عنِ الطريقِ الحقّ، وارتكبَ إثماً عظيماً، وأهلكَ نفسَهُ فخَسِرَ رحمةَ رَبِّهِ وجنَّتَه. ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً ﴾ [النساء: 117]. 117- وما يَعبُدُ هؤلاءِ المشرِكونَ مِنْ دونِ اللهِ إلاّ أصناماً مؤنَّثة، كاللاّتِ والعُزَّى ومَنَاة، ويُنادُونهمْ لحوائجِهمْ هكذا! وما يَعبُدونَ بذلكَ إلا شَيطاناً بَغيضاً خارِجاً عنِ الطَّاعة، فهوَ الذي يُزَيِّنُ لهمْ عِبادتَها، فتكونُ طاعتُهمْ لهُ عِبادة! ﴿ لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ [النساء: 118]. 118- أبعدَ الله إبليسَ مِنْ رَحمتِه. وقالَ إبليسُ اللَّعين: سآخُذُ مِنَ الناسِ حظًّا مُقدَّرًا وعَدداً مَعلوماً ممَّنْ يُطيعُونَني، وهمْ كثيرونَ جِدًّا ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾[يوسف: 103] ﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ﴾ [النساء: 119]. 119- ولأُغْوِيَنَّهمْ وأُبْعِدَنَّهمْ عن الحقّ، ولأَعِدَنَّهمْ بالأمانيِّ الباطِلة، وأُزِيِّنَنَّ لهمْ طُولَ الأمَل، ولآمُرَنَّهمْ فليُقَطِّعُنَّ أو يُشَقِّقُنَ آذانَ الأنعام، وهوَ ما كانتْ تَفعَلُهُ العَربُ وتَجعلُهُ عَلامةً للبَحِيرةٍ والسائبةِ مِنَ النُّوق، والأُولَى التي وَلَدَتْ خَمسةَ أبطُنٍ تُعفَى منَ الانتِفاعِ بها، ولا تُمنَعُ مِنْ مَرْعًى ولا مَاء، والأخرَى المهمَلةُ التي تُسَيَّبُ لنَذْرٍ ونَحوِه. وقدْ أبطلَهما الإسلام. ولآمُرَنَّهمْ فليُبَدِّلُنَّ خَلْقَ الله، صُورةً وصِفَة، بتَغييرِ فِطْرةِ اللهِ تعالَى، واستعمالِ الجوارحِ والقُوَى لغَيرِ وَظيفتِها، وتَغييرِ ما سَخَّرَهُ اللهُ للانتِفاعِ بهِ إلى غَيره، كعبادةِ الأحجارِ والحيَواناتِ وهيَ مسخَّرةٌ للإنسان، وكخَصي الحيَوانات، وكاللِّواط... ومنْ يُوالي الشَّيطان، بإيثارِ ما يَدعو إليه على ما يَدعو إليه الله، فقدْ خَسِرَ خَسارةً بيِّنةً، ونَدِمَ نَدامةً كبيرة، ولا خَسارةَ أعظمُ مِنِ استِبدالِ النَّارِ بالجنَّة. ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ [النساء: 120]. 120- فالشَّيطانُ يَعِدُهمْ بالفَوزِ والسلامة، ويُزَيِّنُ لهمُ الأمانيَّ الفارِغة، كطولِ البَقاءِ في الدُّنيا والنَّعيمِ فيها، وقدْ كذَبَ وافترَى، فليسَتْ مَواعيدهُ سِوَى وهْمٍ وغُرور، وخَيالٍ وأمَل. ﴿ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً ﴾ [النساء: 121]. 121- فأولئكَ المغْرورُون، أولياءُ الشَّيطان، مَصيرُهمُ النار، لابُدَّ لهمْ منها، ولا خَلاصَ لهمْ منها ولا مَخْرَج. ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122]. 122- والذينَ آمَنوا باللهِ ورَضُوا بدينِه، وأتْبَعُوا إيمانَهمْ بالأعمالِ الصالحةِ ونفَّذوا ما أُمِروا بهِ مِنَ الخَيرات، نُدخلُهمْ جنّاتٍ تَجري مِنْ تحتِها الأنهار، معَ خُلودٍ دائم، وهذا وعدٌ منَ اللهِ لأوليائهِ قائمٌ لا مَحالة، وليسَ هناكَ أصدقُ منَ اللهِ قولاً وخَبَراً. ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ﴾ [النساء: 123]. 123- في حَديثٍ مُرْسَلٍ بإسنادٍ صَحيح، أنَّهُ احتَجَّ المسلِمونَ وأهلُ الكتاب، فقالَ المسلِمون: نحنُ أهدَى منكم، وقالَ أهلُ الكتاب: نحنُ أهدَى منكم. فأنزلَ اللهُ الآية. ليسَ الأمرُ كما تَمنَّيتُمْ أيُّها المسلِمون، ولا كما تَصَوَّرتُمْ يا أهلَ الكتاب، فإنَّ كلَّ مَنْ يَعمَلُ ذَنْباً سوفَ يُحاسَبُ عليه، إنْ عاجِلاً أو آجِلاً، فالعِبرةُ بالطَّاعةِ والعَمل، لا بالتَحَلِّي والتمَنِّي. وإنَّ الذي يَعمَلُ السُّوءَ مُتجاوِزاً بذلكَ الحدودَ التي وضَعها الله، فلنْ يجدَ مَنْ يُدافعُ عنه، أو يُنجيهِ مِنْ عذابهِ إذا حلَّ به. والمقصودُ ما كانَ كلُّ دينٍ في وقتِه، أمّا بعدَ بعثةِ رسولِ اللهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا دينَ سِوَى الإسلام. وفي تَتمَّةِ الحديثِ السابقِ مِنْ سَببِ النـزول، أنَّ المسلمينَ غَلبوا أهلَ الكتابِ في حُجَّتهم، بالآيةِ التالية. والعمومُ في الآيةِ مُخَصَّصٌ بالتوبة، وبمَنْ يَتفضَّلُ اللهُ بالعفوِ عنه. وفي صَحيحِ مسلمٍ قَولُ أبي هُرَيرَةَ رَضيَ اللهُ عنه: لمَّا نزَلَت: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾ بلَغَتْ مِنَ المسلِمينَ مَبلَغًا شَديدًا، فقالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قارِبوا وسَدِّدُوا، فَفي كُلِّ ما يُصابُ بهِ المسلِمُ كَفَّارَة، حتَّى النَّكبَةِ يُنْكَبُها، أو الشَّوكَةِ يُشَاكُها". قالَ الإمامُ النوَويُّ في شَرحِ حديثِ الباب: فيهِ تَكفيرُ الخَطايا بالأمراضِ والأسقامِ ومَصائبِ الدُّنيا وهُمومِها، وإنْ قُلتَ مَشَقَّتها، وفيهِ رَفعُ الدرَجاتِ بهذهِ الأمورِ وزيادَةُ الحسَنات... وقالَ في مَعنَى "قارِبوا": أي اقتَصِدوا فلا تَغْلُوا ولا تَقْصُروا بلْ توَسَّطوا. وسَدِّدوا: أي اقصِدوا السَّداد، وهوَ الصَّواب.اهـ. ويَكونُ مَعنى الآيَةِ هُنا: مَنْ يَعمَلْ سُوءًا يُجْزَ بهِ إنْ عاجِلاً أو آجِلاً، فأمَّا مُجازاةُ الكافِرِ فالنَّار، وأمَّا المؤمِنُ فيُجازَى في الدُّنيا غالِبًا، بما يُصيبُهُ مِنْ مرَضٍ وحُزنٍ وضِيقٍ وغَيرِه، فمَنْ بَقيَ لهُ سُوءٌ إلى الآخِرَةِ فهو في المَشيئة، يَغفِرُ اللهُ لمَنْ يَشاء، ويُجازي مَنْ يَشاء. ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ [النساء: 124] 124- ومَنْ يَعملِ الأعمالَ الصالحةَ مِنْ عِباده، ذُكوراً أو إناثاً، معَ الإيمانِ الصَّحيح، فأولئكَ يَدخُلونَ الجنَّةَ جزاءَ أعمالِهم، ولا يُنقَصُونَ شَيئاً مِنْ ثوابِها، ولو كانَ شَيئاً قليلاً جدّاً، حتَّى لو كان مثلَ الخيطِ الذي في شِقِّ النَّواة. ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ [النساء: 125] 125- وليسَ هناكَ أحسنُ وأحكمُ منَ المسلمِ الذي أخلصَ العملَ لربِّه، فلمْ يَعرِفْ سِواهُ ربًّا، ولم يَبتَغِ بعملهِ سِوَى وجهِه، وهوَ مُحسِن، يَعملُ الحسَنات، فيأتي بالأعمالِ الصَّالحةِ على هَدْي منَ الدِّين، وبإخلاص، وهما ميزانُ قَبولِ الأعمال، مُتَّبِعاً بذلكَ مِلَّةَ أبيهِ إبراهيم، الموافِقَةِ لدينِ الإسلام، المتَّفَقِ على صِحَّتها، ومُتَّبعو مِلَّتهِ همْ أمَّةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وقدِ اتَّخذَ اللهُ إبراهيمَ خَليلاً، والخُلَّةُ أرفَعُ مَقاماتِ المَحَبَّة، وما ذاكَ إلاّ لكثرةِ طاعتهِ لربِّه، وتَنفيذِ جميعِ ما أُمِرَ به، فلم يَشْغَلْهُ شيءٌ عنِ استجابةِ نداءِ ربِّه، صَغيراً كانَ أو كبيراً، حتَّى صارَ إماماً يُقتدَى به، وتَوصَّلَ إلى غايةِ ما يَتَقرَّبُ بهِ العباد. ﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً ﴾ [النساء: 126]. 126- وجميعُ ما في السَّماواتِ والأرضِ مُلْكُ اللهِ وعَبيدُه، وهوَ حاكمُهمْ ومُدَبِّرُ أمرِهم، وعِلمُهُ مُحيطٌ بكلِّ شَيء، لا يَخفَى عليه شَيءٌ مِنْ ذلكَ مهما دَقَّ وصَغُر. ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً ﴾ [النساء: 127]. 127- ويَطلُبونَ منكَ أيُّها الرسُولُ بيانَ ما أشْكلَ مِنْ أحكامٍ في حقِّ النساء، فقُلْ لهم: إنَّ اللهَ يُبيِّنُ لكمْ حُكْمَهُ فيهنّ هُنا، وفيما يتُلَى عليكمْ في هذا القُرآنِ ممّا سَبق ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء... ﴾ [النساء: 3]، وهوَ في النِّساءِ اليتيماتِ اللَّواتي تحتَ تربيتِكم، وتَرغَبونَ في التزوُّجِ بهنَّ بعدَ أنْ بَلغْنَ ولا تُعطُونهنَّ صُدُقَهُنَّ مثلَ النِّساءِ الأُخَر، أو لا تَرغَبونَ في نِكاحِهنَّ ولكنَّكمْ تُمسِكوهنَّ في البيوتِ ولا تُزَوجوهُنَّ لآخَرينَ لتستَفيدوا مِنْ أموالِهنَّ التي عندَكم، أو حتَّى تَرِثوها منهنَّ بعدَ وفاتِهنّ! فقد كانَ هذا في الجاهليَّةِ ونَهاكمُ الله عنه. وكذا الصِّغارُ منَ البنينَ والبنات، لكلٍّ سَهمُهُ في الميراث، ولا يَحِلُّ مَنعُهمْ منَ الميراثِ كما كانَ الأمرُ في الجاهليَّة. واعدِلوا في أمرِ اليتامَى الذينَ عندَكم، فوفُّوهُمْ حقوقَهمُ الكاملةَ في المهورِ والمواريثِ والمَعيشة... وما تَفعلوا في حُقوقِهمْ مِنْ خيرٍ بحسَبِ ما أُمِرتُم به، فإنَّ اللهَ عليمٌ بجميعِ ذلك، ويُجازيكمْ عليهِ أتمَّ الجزاء. ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [النساء: 128]. 128- وإذا شَعَرتِ المرأةُ باستِعلاءِ زوجِها عليها لسَببٍ منَ الأسباب، أو رأتْ نُفوراً منهُ وانصِرافاً بوجههِ عنها، أو تَجافياً عنها قياساً عمّا كانَ عليهِ مِنْ قبل، مِنْ تَقليلِ نَفقةٍ أو عَدَمِ مُؤانسةٍ ومُحادثة... فلا حرجَ عليهما أنْ يَتصالحا فيما بَينهما، كأن تُسقِطَ مِنْ حِقِّها أو بعضَه، مِنْ نَفقةٍ أو كُسوةٍ أو مَبِيت، أو تَهَبَهُ مالاً، أو تُهدِيَهِ ما يُناسبهُ ويُحِبُّه، مِنْ هذا القَبيلِ ومِنْ غيرِه، ممّا يَجلُبُ لهما المحبَّةَ ويُعِيدُ إليهما المعاشَرةَ الطيِّبة، والصلحُ في هذا خيرٌ منَ الفُرقةِ وسُوءِ العِشرةِ والخُصُومة. وقدْ جُعِلَتْ نفوسُ البشرِ مَطبوعةً على البُخلِ معَ الحِرص، فلا تَكادُ المرأةُ تَسمحُ بحقوقِها للرَّجُل، ولا الرَّجُلُ يَكادُ أنْ يَتنازلَ لها عنْ حُقوقِه، وهذا يَستَدعي الشِّقاقَ والطَّلاق. فإذا شَحَّ الرَّجُلُ بحقوقهِ استَمالتْهُ المرأة، وإذا شَحَّتْ هي استَمالَها هو، حتَّى يَجدا مَكاناً للصُّلحِ والاتِّفاقِ والمعاشرةِ الطيِّبة. وإنْ تُحسِنوا في العِشرةِ وتَبتعِدوا عن النُّشوزِ والإعراض، وتَصبِروا على مُراعاةِ الحقوقِ الزوجيَّةِ دونَ اللُّجوءِ إلى قَطعِ حُقوق، فإنَّهُ منَ الإحسانِ والتقوَى الذي يَعلمُ اللهُ بهِ وبمقاصدِكمْ فيه، فيُجازيكمْ بهِ ويُثيبُكمْ عليهِ خَيراً. ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [النساء: 129]. 129- ولا تَقدِرونَ على إقامةِ العَدلِ بينَ الزوجاتِ مِنْ جَميعِ الوجوهِ ولو بالَغتُمْ في تَحرِّيه، فإنَّهُ لا بُدَّ مِنَ التفَاوتِ في المحبَّةِ والنَّظرِ والمؤانسَة...، فإذا مِلتُمْ إلى واحدةٍ مِنهنَّ فلا تُبالِغوا في ذلك، ولا تَظلِموا الأخرَى فتَمنَعُوها حقَّها، حتَّى لا تَتركوها كالمعلَّقةِ، فلا هيَ ذاتُ زَوجِ ولا هيَ مُطَلَّقة! فإذا أصلحتُمْ أمورَكمْ وابتَعدتُمْ عن الميلِ الذي نَهاكمُ اللهُ عنه، وعَدَلتُمْ فيما أمرَكمُ اللهُ بهِ منَ القِسمة، وخَشِيتُمُ اللهَ فيما تأتونَ وما تَذَرون، فإنَّهُ يَغفِرُ ما مضَى منكمْ منْ مَيلٍ وظُلم، تَفضُّلاً منهُ ورَحمَةً بكم. ﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ﴾ [النساء: 130]. 130- فإذا ضاقَ ما بينَهما ولم يَجدا مَوضِعاً للصُّلحِ وتَفرَّقا، فقدْ أغنَى اللهُ كلاًّ منهما عنِ الآخَرِ بغِناهُ وقُدرتِه، وجَعلَ لكلٍّ منهما نَصيباً آخَر، وهوَ غَنيٌّ واسِعُ الفضلِ عَظِيمُ المَنّ، حَكيم فيما يَحكمُ ويُقَدِّر. ﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ﴾ [النساء: 131]. 131- وللهِ ملكُ السَّماواتِ والأرض، وهَو الحاكمُ فيهما، فلا يَتعَذَّرُ عليهِ شَيءٌ ممّا يُريدُ منهما، ممّا يَخُصُّ أحوالَ الزَّوجَينِ وغيرَها. وقدْ أمَرْنا الذينَ أوتوا الكتابَ بتقوَى اللهِ وطاعتهِ كما أمَرْناكمْ بها يا أهلَ القُرآن، فإنْ تُعرِضوا عمّا وصّاكمُ اللهُ بهِ وتَكفُروا، فإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيءٌ مِنْ إعراضِكم، كما لا يَنفَعُهُ شيءٌ مِنْ شُكرِكمْ وتَقواكُم، فهوَ مالكُ السَّماواتِ والأرضِ وما بينَهما، وهوَ غَنيُّ عنْ خَلْقِهِ وعبادتِهم، مَحمودٌ في ذاتِه، إنْ حَمِدوا أو كَفَروا. ﴿ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 132]. 132- اللهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ ومالِكُهُما ومُعدِمُهما، ولهُ مُطلَقُ التصرُّفِ فيهما، وكلُّ ما فيهما مُحتاجٌ إليه، فَقيرٌ إلى غِناه، وكفَى بهِ شَهيداً أنَّ الكلُّ عَبيدُه، وهوَ المتَكفِّلُ بأمورِهم، فلا يُطلَبُ إلاّ منه، ولا يُتوَكَّلُ إلاّ عليه. ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً ﴾ [النساء: 133]. 133- إنْ يُردِ اللهُ أنْ يُذهِبَكمْ أيُّها الناس، أهلكَكُمْ وأتَى بآخَرينَ مكانَكم، يَكونونَ خَيراً منكمْ وأطوَعَ في الالتزامِ بأوامرِ اللهِ وأحكامِ شَرعِه، وما ذلكَ بمُمتَنعٍ على الله، فهوَ قادرٌ على ما يَشاء، لا يُعجِزهُ شَيءٌ ممّا يُريد. ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [النساء: 134]. 134- مَنْ كانَ يُريدُ بعَملهِ مَغنماً دُنيويًّا لا يَتجاوَزُه، فإنَّ لدَى اللهِ ما يُعطيهِ لعِبادهِ مِنْ منافعِ الدُّنيا إضافَةً إلى ما هوَ أكبرُ وأنفَع، وأهَمُّ وأدوَم، وهوَ ثوابُ الآخِرة، وهوَ لمنْ آمنَ وأحسَن، فمنْ سألَهُ منهما أعطَاه، ومنِ اقتصرَ على الدُّنيا حَرَمَهُ الآخِرة، كالمنافِقينَ الذينَ أظهَروا الإيمانَ ليَنالوا مَغنَماً معَ المسلِمين، والكافِرينَ الذينَ همُّهمْ ما في الدُّنيا، لأنَّهمْ لا يؤمِنونَ بالآخِرَة. واللهُ يَسمَعُ دعاءَ النَّاس، بَصيرٌ بما يَطلبونَه، مُطَّلِعٌ على غَرَضِهمْ في ذلك. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [النساء: 135]. 135- أيُّها المؤمِنون، كونُوا عادِلينَ في أمورِكمْ دائماً، لا يَصْرِفْكمْ عنِ العَدلِ صارِف، وابتَغُوا بذلكَ وجهَ الله، لا غَرَضاً دُنيويًّا ومَصلحةً شَخصيَّة، سواءٌ كانَ قيامُكمْ بالعدلِ أو قولُكمُ الحقَّ لصالِحِكُمْ أو لغيرِ صالِحِكُم، فإنْ كانَ الأوَّلُ فذاك، وإنْ كانَ الثاني فقد جعلَ اللهُ لكمْ مَخرَجاً وعوَّضكمْ خَيراً. وحتَّى لو كانتِ الشهادةُ على الوالدَينِ والقَرابة، فإنَّ الحقَّ حَقّ، يَحكمُ على كلِّ أحَد، ويُقَدَّمُ على كلِّ شَيء. ولو كانَ الذي عليهِ الحقُّ غَنيًّا أو فَقيراً، فإنَّ القولَ العَدْلَ والشَّهادةَ المُنصِفةَ لا تُراعِي غَنيَّاً لِماله، ولا تُشفِقُ على فَقيرٍ لحالِه، واللهُ يتَولَّى شأنَهما ويَنظرُ في حالِهما بعدَ ذلك، فكِلوا أمرَهما إلى اللهِ تعالَى. ولا يَحملنَّكم غَرَضٌ ما في نُفوسِكمْ إلى المَيلانِ نحوَ الباطلِ والعُدولِ عنِ الحقّ، فإذا حرَّفتمُ الشَّهادة، وأبطَلتمُ الحقَّ في أمورِكم، وتَركتُمْ إقامةَ العَدلِ، فإنَّ اللهَ عليمٌ بعملِكمُ الآثمِ هذا، مُطَّلعٌ على ما غيَّرتُموهُ وأبطَلتُموه، وسَوفَ يُجازيكمْ على ذلكَ سُوءَ الجزاء. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ [النساء: 136]. 136- أيُّها المؤمِنون، آمِنوا واثبُتوا على إيمانِكم، وداومُوا عليهِ وأخلِصوا فيه، آمِنوا باللهِ الواحِد، وبرسولهِ محمَّدٍ خاتمِ أنبيائه، وبالقُرآنِ الذي أنزلَهُ عليه، وبكلِّ كتابٍ أنزلَهُ مِنْ قَبلِه. ومَنْ يَكفُرْ بأركانِ الإيمان: بالله، وملائكتِه، وكتبِه، وأنبيائهِ ورسلِه، ويومِ القيامة، والقَضاءِ والقَدر، فقدِ ابتعدَ عنِ الحقِّ ابتِعاداً كُليًّا، وخَرجَ عنْ طريقِ الهِداية، وكانَ منْ أهلِ الغِوايةِ والضَّلال. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 137]. 137- إنَّ الذينَ آمَنوا، ثمَّ ارتدُّوا، ثمَّ رجَعوا إلى الإيمان، ثمَّ عادُوا إلى الكُفرِ وازدَادوا ضَلالةً فيه، وأصَرُّوا على كُفرِهمْ واستمرُّوا عليهِ حتَّى ماتوا، فإنَّ اللهَ لا يَغفِرُ لهم، ما أقاموا على ذلك، ولا يَهديهمْ إلى طَريقِ الحقّ، وقدْ آثَروا الضَّلالَ على الهُدَى بعدَ أنْ عَرفُوا الحقَّ جيِّداً وتَركوهُ عنْ قَصد، بلْ تلاعَبوا بالإيمانِ الحقِّ واستَخفُّوا به، فكانَ جزاءَهمْ ما ذُكِر. ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [النساء: 138]. 138- إنَّ هذا مِنْ شَأنِ المنافِقين، المتلاعِبينَ بالدِّين، فبِشِّرْهُمْ إذاً بما يَسوؤهم، بَشِّرْهُمْ بعَذابٍ شَديدٍ مُوجع، ونارٍ تأتي على أفئدتِهم، معَ خلودٍ دائمٍ في العَذاب. ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾ [النساء: 139]. 139- إنَّ المنافِقينَ اتَّخَذوا الكفّارَ أولياءَ يَبتغونَ منهمُ العونَ والسَّندَ والظَّفَر، ولا يَتَّخِذونَ المؤمنينَ أولياءَ لهم، على الرغمِ مِنْ أنَّهمْ يُظهِرُونَ أمامَهمُ الإسلام، ولكنَّهمْ يُظهِرُونَ حقيقةَ ما في قلوبِهمْ عندَ أنصارِهمُ الكافِرينَ بأنَّهمْ منهم، يوالُونهم، ويُسِرُّونَ إليهمْ بالمودَّة. فهلْ يُريدونَ بموالاتِهمْ لهمُ القوَّةَ والمَنَعةَ والظُّهورَ على المسلِمين؟ فإنَّ الغَلبةَ والقُوَّةَ والقُدرةَ للهِ وحدَه، يُعطيها مَنْ شاء، ويَمنَحُها لأولِيائه. ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]. فالتَجِئوا إلى اللهِ العزيزِ أيُّها المسلِمون، فهوَ ناصرُكمْ ومانحُكمُ القوَّة، والمنافقونَ في ضَلالٍ مُبِين. ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ﴾ [النساء: 140]. 140- وقدْ سبقَ أنْ نَزَّلَ اللهُ عَليكمْ في القُرآنِ أنَّكمْ إذا كنتُمْ في مَوضِعٍ أو عندَ ناسٍ يَكفُرونَ بآياتِ القُرآنِ الكريمِ ويَستهزِؤونَ بها فلا تُجالِسوهم، حتَّى يَدخلوا في حَديثٍ غَيرِه، في قولهِ تعالَى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [الأنعام: 68]. وإذا كانَ هذا لا يَجوز، فكيفَ بموالاتِهمْ والاعتِزازِ بهم؟! فإنْ رَضيتُمْ بالجُلوسِ معهمْ وهمْ يَكفُرونَ بآياتِ اللهِ ويَستهزِؤونَ بها ويَنتَقِصونَ منها، وأقررتُموهمْ على ذلك، فقدْ شاركتُموهمْ في الكُفر. ويَجمعُ اللهُ المنافِقينَ والكافِرينَ جَميعاً في نارِ جهنَّمَ خالدينَ فيها، كما اشترَكوا على الكفرِ ووالَى بعضُهم بَعضاً في الدُّنيا، ليَذوقوا العَذابَ المُهين، والنَّكالَ المُقيم. ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 141] 141- إنَّ هؤلاءِ المنافِقينَ يَنتظِرونَ وقوعَ أمرٍ بكم، ولا يُريدونَ لكمُ الخَير، فإذا رأوا ظَفَراً وغَنيمةً تودَّدوا إليكمْ وقالوا: ألم نَكنْ على دينِكمْ ونُسانِدْكمْ في الجِهاد؟ فاجعَلوا لنا نَصيباً منَ الغَنيمة. وإنْ كانَ للكافرينَ حظٌّ منَ الاستِيلاءِ والغَلبةِ قالوا لهم: ألم نَتعاونْ مَعكم، بالكفِّ عنْ قَتلِكمْ وأسْرِكم، وبتَخذيلِ المسلِمينَ عنكم، وإطلاعِكمْ على أسرارِهم، ودفعِهمْ عنكمْ ما استَطعنا، حتَّى انتَصرتُمْ عليهم؟ ويَحكمُ اللهُ بينَ أهلِ الإيمانِ وأهلِ النفاقِ يومَ الحِساب، يومَ عرضِ الأعمالِ على الله، فيُثيبُ أولياءَه، ويُعاقِبُ أعداءَه. ولنْ تَكونَ هُناك حُجَّةٌ للكافِرينَ يَغلِبوا بها المسلِمين، في الدُّنيا والآخِرَة، فالحقُّ معهمْ في الدُّنيا إنْ غَلَبوا، وفي الآخِرَةِ عندَما يَحكمُ اللهُ بينَ عبادِه، ولا يَقبَلُ منهمْ سِوَى دينِ التوحِيد. أو أنَّ المقصودَ بالقسمِ الأخيرِ منَ الآية: لنْ يَجعلَ اللهُ للكافرينَ سَبيلاً مُطلقاً على المسلِمين، بأنْ يَقضُوا عليهم. ولكنَّ الحربَ سِجالٌ والدُّنيا دُوَل. ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 142]. 142- إنَّ المنافِقينَ يَفعلونَ ما يَفعلُ المخادِع، فيُظهِرونَ الإيمانَ ويُضمِرونَ نَقيضَه، وهمْ يَظنُّونَ –بجهلِهمْ- أنَّ أمرَهمْ هذا سيرُوْجُ حتَّى عندَ الله، العالمِ بالسرائرِ والضَّمائر، ولكنَّ اللهَ يَستدرِجُهمْ في طُغيانِهمْ وضَلالِهم، وهوَ فاعِلٌ بهمْ ما يَفعلُ الغالِبُ في الخِداع، فهوَ إنْ تركَهمْ مَعصومِي الدِّماءِ والأموالِ بينَ المسلِمينَ لتَظاهُرهمْ بالإسلام، فقدْ أعدَّ لهمْ في الآخِرَةِ الدرْكَ الأسفلَ منَ النار، بعدَ فضحِهمْ وإظهارِ شأنِهم. ومِنْ صفاتِهمْ أنَّهمْ إذا قامُوا إلى خَيرِ شَعيرةٍ في الإسلام، وهوَ الصَّلاة، قامُوا إليها مُتثاقِلينَ مُتباطِئين، يُصَلُّونَها بلا نيَّةٍ ولا خَشية، ولا فَهمٍ ولا رَغبة، ولا إيمانٍ ولا إخلاص، إنَّما يَفعَلونَ ذلك ليَراهمُ الناسُ وهمْ يُصلُّونَ ليَحسَبوهمْ مُسلِمين. فهمْ في صَلاتِهمْ ساهونَ لاهون، لا يَدرونَ ما يَقولون، ولا يَذكرونَ الله إلاّ زَماناً قليلاً. ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 143]. 143- إنَّهمْ مُتحَيِّرونَ ومُتأرجِحونَ بينَ الكُفرِ والإيمان، ومُترَدِّدونَ بينَ الكافِرينَ والمؤمِنين، فلا همْ مَنسُوبونَ إلى المؤمنين حَقيقةً لإضمارِهمُ الكُفر، ولا همْ يُظهرونَ الكُفرَ ليُقالَ إنَّهم كفّار، بلْ ظاهِرُهمْ معَ المؤمنينَ وباطنُهمْ معَ الكافِرين. ومَنْ يَصْرِفْهُ اللهُ عنِ الهُدَى، ويُضْللْهُ عنْ سَبيلِ النجاة، فلنْ تَجدَ لهُ هَادياً ومُنقِذاً، لعدمِ استعدادهِ للهدايةِ والتوفيق، ولصرفِ نفسهِ عنِ الحقِّ والصَّواب. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً ﴾ [النساء: 144]. 144- أيُّها المؤمِنون، لا تَتشبَّهوا بالمنافِقينَ فتتَّخِذوا منَ الكافِرينَ أولياءَ لكمْ تَصحبونَهمْ وتُصادِقونهم، وتُناصِحونَهمْ وتُوادُّونَهم، وتُفشونَ أسرارَ المسلِمينَ إليهم، أتُريدونَ بذلكَ حُجَّةً ظاهرةً للهِ عليكمْ ليعاقبَكمْ عليها ويُعَذِّبَكمْ لأجلِها؟ ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ [النساء: 145]. 145- فإنَّ مصيرَ المنافِقينَ هوَ أسفلُ النَّارِ وأدنَى درَكاتِ جهنَّم، وهوَ قَعْرُها، ولنْ تَجِدَ لهمْ يومئذٍ مَنْ يُنقِذُهمْ منْ حالِهمْ أو يُخَفِّفُ منْ عَذابِهمُ الشَّديد. ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 146]. 146- إلاّ مَنْ تابَ منهمْ وآب، ونَدِمَ على ما فات، وأصلحَ بالإيمانِ ما أفسدَهُ بالكُفر، واعتصمَ بحبلِ ربِّهِ وتمسَّكَ بكتابِه، وبدَّلَ بالرياءِ الإخلاصَ، فلم يُرِدْ بطاعتهِ سِوَى وجهِ ربِّه، فأولئكَ سَيكونونَ في زُمرةِ المؤمِنينَ يومَ القيامة، وسَوفَ يُعطيهمُ اللهُ -كما يُعطي المؤمِنين- الثوابَ الكبير، والدَّرَجاتِ العاليةَ في الجنَّة. ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾ [النساء: 147].
147- ولا يعذِّبُكمُ اللهُ إلاّ لرفضِكمْ ما شَرعَهُ لكم، ولنْ يُعَذِّبَكمْ ما دمتُمْ مُؤمنينَ صالحينَ شاكرين، والله يُثِيبُ على الشُّكر، فيَشكرُ لمَنْ شَكرَ له، عليمٌ بقُلوبِ مَنْ آمن، فيُجازيهمْ على ذلكَ أوفرَ الجزاء. الموضوع الأصلي: الواضح في التفسير الحلقة التاسعة عشرة |~| الكاتب: نزف القلم |~| المصدر: منتديات بحر الامل
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
2020-04-17, 11:17 PM | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|