عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 2020-04-19, 05:49 PM
نزف القلم غير متواجد حالياً
Saudi Arabia    
اوسمتي
الالفيه الخامسه والخمسين وسام عضو سحري يوم الوطني وسام المعايده وسام شكر وتقدير وسام قلم مبدع 
 عضويتي » 30
 جيت فيذا » 14-08-2018
 آخر حضور » 2022-04-01 (11:35 PM)
آبدآعاتي » 55,848
الاعجابات المتلقاة » 11590
الاعجابات المُرسلة » 3978
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » نزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond repute
مشروبك  » مشروبك   7up
قناتك   » قناتك abudhabi
ناديك  » اشجع ithad
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الواضح في التفسير الحلقة الثانية والعشرون



الواضح في التفسير
(الحلقة الثانية والعشرون)
أ. محمد خير رمضان يوسف
الجزء السادس
سورة المائدة
(الآيات 44 – 81)
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة : 44 ]
44- إنّا أنزلنا التوراةَ فيها هِدايةٌ للنَّاس، ونورٌ يُبيِّنُ الحقّ، ويوضِّحُ للناسِ ما يحتاجونَ إليهِ منْ أحكامٍ ومُعامَلاتٍ وسُلوك، يَحكمُ بها الأنبياءُ مِنْ لَدُنْ موسَى حتَّى عيسَى عليهمُ الصلاةُ والسلام –وهمْ كُثر-، الذينَ أسلموا وجوهَهمْ لله، وسَلكوا طريقَ الهِدايةِ والصَّلاحِ كما طَلبَ منهمْ ربُّهم، وحكَموا بالتوراةِ لأجلِ اليهودِ وفيما بينَهم. وما كانوا يَخرجونَ عنْ حُكمها، ولا يُبَدِّلونَها ولا يُحَرِّفونَها، وكذلك العُبّادُ والعلماءُ منهمْ بما وُجِّهوا منْ قِبَلِ الأنبياء، ليُظهِروها ويَعملوا بها ويَحفَظوها منَ التَّغييرِ والتَّبديل، ولا يُخِلُّوا بأحكامِها، وكانوا حُفّاظاً رُقباءَ عليها.ثمَّ حَرَّفتِ اليهودُ الكثيرَ منها.

فلا تَخافوا الناس، وخافونِ، فإنَّ النفعَ والضُّرَّ بيَدي. ولا تَستبدِلوا بآياتي حُظوظاً دُنيويَّةً تافِهةً عنْ طريقِ الرشوةِ والجاهِ وما إليه، ومَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ مِنَ الأحكامِ فإنَّهمْ منَ الكافِرين.

قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهما: مَنْ جَحدَ ما أنزلَ اللهُ فقدْ كفَر، ومَنْ أقرَّ بهِ ولم يَحكمْ فهوَ ظالِمٌ فاسِق.

وصحَّحَ الحاكمُ قولَ ابنِ عبّاسٍ في الآية: إنَّهُ ليسَ بالكُفرِ الذي يَذهبونَ إليه، إنهُ ليسَ كُفراً يَنقلُ مِنَ الملَّة، كُفرٌ دونَ كُفر.

قلت: هوَ توضيحٌ لجانبٍ مِنْ قولهِ السَّابق: مَنْ أقرَّ بهِ ولم يَحكمْ فهو ظالمٌ فاسق.

وبعدَ أنْ ذكرَ ابنُ جَريرٍ الطبريُّ أنَّ الآيةَ نَزلتْ في أهلِ الكتابِ خاصَّة، قال: وكذلكَ القولُ في كلِّ مَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ جاحِداً به، هوَ باللهِ كافر، كما قالَ ابنُ عباس؛ لأنَّهُ بجحودهِ حُكْمَ اللهِ بعدَ علمهِ أنَّهُ أنزلَهُ في كتابِه، نظيرُ جُحودهِ نبوَّةَ نبيِّهِ بعدَ علمهِ أنَّهُ نَبيّ.

قلتُ: ومثلهُ مَنْ استَهزأ بشَريعَةِ الإسلامِ وأحكامِها، أو زعمَ أنَّها لا تَصْلُحُ للحُكم.

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة : 45 ]
45- وفرَضنا على بَني إسرائيلَ في التَّوراةِ أنَّ النفسَ المقتولةَ بغيرِ حقٍّ يُقتَصُّ لها بقَتلِ قاتلِها، والعَينُ تُفْقأ بالعَين، والأنفُ تُجْدَعُ بالأنف، والأذُنُ تُقْطَعُ بالأذُن، والسنُّ تُقلَعُ بالسنّ، وسائرُ الجروحِ يُقاسُ عليها في القِصاص، فيما يمكنُ القِصاصُ منه، كاليد، والرِّجْل، واللِّسان. وما لا يُمكِنُ القِصاصُ منه، ككَسرِ عَظم، أو جَرحِ لحم، ونحوِه، فلا قِصاصَ فيه، بلْ فيهِ حُكومةُ عَدل، فيُحْكَمُ لهُ بما يَستَحِقُّهُ مِنْ مال، وهوَ ما يُسَمَّى بالأَرْش، ويَعني دِيَةَ الجِراحة. وقدْ قدَّرَ أئمَّةُ الفقهِ أرشَ كلِّ جراحةٍ بمقاديرَ معلومة، تُنظَرُ في مَظانِّها.

فمَنْ عفا عنْ صاحبهِ ولم يَقتصَّ منه، فهو كفّارةٌ لذَنْبهِ بما شاءَ الله.
ومَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ مِنْ هذهِ الأحكام، فإنَّهم مِنَ الظالمين.
وهذهِ الأحكامُ مُقَرَّرةٌ في شرعِنا أيضاً، قالَ اللهُ سبحانه: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]. وقدْ مرَّ تفسيرُها.

﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة : 46 ]
46- وأتْبَعنا أنبياءَ بَني إسرائيلَ برسولِ اللهِ عيسَى بنِ مريم، مُؤمِناً بالتَّوراة، عامِلاً بما فيها، وأنزلنا عليهِ الإنجيلَ فيهِ هِدايةٌ إلى الحقّ، ونورٌ يُفَرِّقُ بينَ الحقَّ والباطِل، ويُزيلُ الشبُهات، ويَحُلُّ المشكِلات، مثلَ التوراة، فهوَ متَّبِعٌ لها، حاكمٌ بها، غيرُ مخالِفٍ لِما فيها، إلا القليلَ ممّا نُسِخَ بهِ بعضُ أحكامِ التَّوراة. والإنجيلُ كلُّهُ هِداية، وتَخويفٌ وزَجرٌ عنِ ارتكابِ المعاصي، لمنِ اتَّقَى اللهَ وخافَ عِقابَه.

﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 47 ]
47- وواجبٌ على مَنْ أُوتوا الإنجيلَ أنْ يؤمِنوا بهِ ويَحكموا بما فيه، ويَعملوا به، وفيهِ البِشارةُ ببعثةِ محمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، والأمرُ باتِّباعهِ وتصديقِه، والانضواءِ تحتَ شَريعتِه، ومَنْ لم يَحكمْ بما أنزلَ اللهُ مِنْ أحكامٍ وأوامِر، فإنَّهمْ خارِجونَ عنْ أمرِ اللهِ وطاعتِه، تاركونَ الحقّ، مائلونَ إلى الباطِل.

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة : 48 ].

48- وأنزلنا عليكَ أيُّها النبيُّ القُرآنَ بالصِّدق، الذي لا شكَّ أنَّهُ مِنْ عندِ الله، مُصَدِّقاً ما سبقَهُ منَ الكتُبِ السَّماويَّة، وفيها ذكرُكَ والثناءُ عليك. والقُرآنُ أمينٌ عليها جميعاً، ورقيبٌ عليها وشَهيد، فيَشهدُ لها ويَحكمُ عليها، فهوَ آخِرُ الكتبِ وأشملُها، وأعظمُها وأحكمُها، ومحفوظٌ منَ التحريفِ والتَّبديل، فاحكُمْ بينَ الناسِ جميعاً -ومنهمْ أهلُ الكتاب، إذا ترافعوا إليك- بما أنزلَ اللهُ عليكَ في القُرآن، ولا تَتَّبعْ أفكارَهمُ الفاسِدة، وأهواءَهمُ الزائغةَ عمّا أنزلَ اللهُ عليكَ منَ الحقِّ والعَدلِ الذي لا مَحيدَ عنه.

وقدْ جعلنا لكلِّ أمَّةٍ منَ الأمَمِ سَبيلاً وسُنَّة، فالأديانُ كلُّها بُعِثَتْ متَّفقةً في التَّوحيد، معَ شرائعَ مختلفةٍ في الأحكامِ تُناسِبُ الناسَ وزمانَهم وبيئتَهم.

ولو شاءَ اللهُ لجعلَكمْ جماعةً واحدةً على دِيْنٍ واحدٍ في جَميعِ الأزمان، دونَ اختلافِ أحكام، لا يُنْسَخُ شَيءٌ منها، ولكنَّهُ سبحانَهُ شرعَ لكلِّ رسولٍ شِرْعة ، ثمَّ عدَّلَ فيها للرسُولِ الذي بعدَهُ ما شاء، حتَّى نُسِخَتْ جميعُها برسالةِ الإسلامِ الخَاتمة، التي بُعِثَتْ لأهلِ الأرضِ جميعاً، ليَختَبِرَ عبادَهُ فيما شرعَهُ لهم، ويَنظُرَ المطيعَ منهمْ والعاصي، والمُذعِنَ والرافِض، والموافِقَ والمُخالِف.فيُثِيبَ ويُعاقِب، كلٌّ بحَسَبِ نيَّتهِ وعَزمهِ وعَملِه، في العُصورِ المختلِفة، بالشرائعِ المقرَّرة. فسارِعوا إلى الخيرات، وبادِروا إلى الحسناتِ والأعمالِ الصَّالحات، بطاعةِ اللهِ واتِّباعِ شرعِه، والتصْديقِ بكتابِه، واتِّباعِ أوامرِه.

واعلَموا أنَّكمْ جميعاً مُنقَلِبونَ إلى الله، ليَفصِلَ بينكمْ فيما كنتُمْ تَختلفونَ فيهِ في الدُّنيا منْ أمرِ الدِّين، ويعذِّبَ الجاحدَ المكذِّب بالحقّ، ويَجزيَ المؤمنَ المصدِّقَ بالإحسانِ والإكرام.

﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 49]
49- فاحكمْ بينَ أهلِ الكتابِ -إذا احتَكموا إليكَ- بما أنزلَهُ اللهُ عليكَ في القُرآن، ولا تتَّبعْ أهواءَهمُ الزائغةَ وأفكارَهمُ المنحرِفة، وكنْ على حَذَرٍ مِنْ أنْ يُدَلِّسَ عليكَ اليهودُ الحقَّ بخُبثِهم، ويَصرِفوكَ عنْ بعضِ ما أنزلَهُ اللهُ عليكَ منَ الحقّ، فإنَّهمْ كفَرةٌ خوَنةٌ لا يُؤمَنُ جانبُهم، ولا يَحتكِمونَ إليكَ ليؤمِنوا ويَرضَوا بحُكمِ الله، فإذا أعرَضوا عنْ حُكمِكَ وخالَفوا الشَّرع، فاعلمْ أنَّ اللهَ قدَّرَ ذلكَ عليهمْ ليُعاقبَهمْ على بَعضِ ذنوبِهمُ السَّالفة، ومنها تَولِّيهمْ وإعراضُهم عنْ حُكمِ الله. وهناكَ كثيرٌ منَ الناسِ خارِجونَ عنْ طاعةِ الله، بَعيدونَ عنِ الحقّ، يُفَضِّلونَ اتِّباعَ الهَوَى على مُتابعةِ الحقّ.

﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة : 50]
50- فهلْ يُريدونَ بذلكَ أحكاماً جاهليَّةً ضالَّةً يَضعُها ناسٌ بعُقولِهمُ المحدودَة، وأفكارِهمُ المضطرِبة، وأهوائهمُ المغايرة، دونَ وحيٍ منَ اللهِ مُحْكَم؟ وأينَ يَجِدونَ حُكماً أفضلَ ممّا أنزلَهُ اللهُ على أنبيائه، في عَدلٍ وحقٍّ ورَحمة، لا يُرادُ بهِ سِوَى ذلك؟ هذا لمنْ تدبَّرَ الأمر، وتحقَّقَ بالنظَر، وعَلِمَ أنَّ اللهَ أحكمُ الحاكمين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة : 51]
51- أيُّها المؤمِنون، لا تُوالُوا أهلَ الكتابِ منَ اليهودِ والنَّصارَى، ولا تَبتغوا منْ عندِهمُ النصرَ والنُّصح، ولا تُصافُوهمْ ولا تُوادُّوهم ولا تُسِرُّوا إليهم، فإنَّ بَعضَهمْ أولياءُ بَعضٍ في العَوْنِ والنُّصرَة، فكلُّهمْ أعداءٌ للإسلام، ويدٌ واحدةٌ على المسلِمين، يُريدونَ مضرَّتَكمْ، ويَبغونَ كسرَ شوكتِكم، فكيفَ تُحِبُّونَهمْ وتُوالُونَهم؟

إنَّ مَنْ يَتولاّهم، فيُعينُهمْ ويَنتصرُ لآرائهم، ويَخذُلُ المسلِمين، هوَ في حُكمِهمْ ومِنْ جملتِهم، واللهُ لا يَهدي َمْن والَى الكافِرين، وناصرَ أعداءَه، فظلمَ نفسَهُ والآخَرين.

﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة : 52]
52- فترَى الذينَ في قلوبِهمْ شَكٌّ ونِفاق، ممَّنْ يُوالُونَ اليَهود، ويُبادِرونَ إلى مَعونتِهمْ ومَودَّتهم، يَقولونَ في سَببِ موقفِهمْ هذا : إنَّهمْ يَخشَونَ أنْ يَنتصِرَ الكافِرونَ على المسلِمين، فهمْ يوالونَهمْ حتَّى تبقَى لهمْ يدٌ عندَهم، أو أنَّهمْ لا يَنقطِعونَ عنهمْ لمظنَّةِ حاجتِهمْ إلى أموالِهمْ في وقتِ جَدْبٍ وقَحْط! فعسَى أنْ يَفتَحَ اللهُ عليكمُ أيُّها المسلِمون، فيَنصُرَكم، عندَ فتحِ مكَّة، أو فتحِ قُرَى اليهود، مثلِ خَيبرَ وفَدَك، أو إجلاءِ بني النَّضِير، أو قتلِ وسَبي ذَراريِّ بني قُرَيظة، أو يُتِمَّ أمرَ الإسلامِ فيُظهِرَهُ على الدِّينِ كلِّه، وتَبقَى القوَّةُ والعِزَّةُ والنُّصرةُ للمُسلِمين، فيُصبِحُ المنافِقونَ الموالونَ لليهود، نادمينَ مُتحَسِّرينَ على موالاتِهمْ لهم، حيثُ لم يَنفعْهُمْ موقفُهمْ هذا شيئاً، بلْ زادَ اللهُ مِنْ حَسرتِهمْ أنْ فَضحَهمْ وأظهرَ أمرَهمْ للمُسلِمين، بعدَ أنْ كانوا مَستورِين.

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة : 53]
53- وعندَ ذلك يَعْجَبُ المسلِمونَ مِنْ حالِهم، بعدَ إظهارِ نِفاقِ المنافِقين، ويَقولون : أهؤلاءِ همُ القومُ الذينَ أقسَموا أغلظَ قَسَمٍ باللهِ أنَّهمْ مُؤمِنون، وأنَّهمْ يُساعِدونَكمْ ويَنصرونَكمْ عندَ مقاتلةِ اليهودِ والمشرِكين، فظَهرتْ مواقفُهمُ العدائية، وبواطنُهمُ السيِّئة، وممالأتُهمْ لأعداءِ الإسلام؟ لقدْ بطلَ كلُّ خيرٍ عَمِلوه، فخَسِروا الدُّنيا بافتِضاحِهمْ وذُلِّهمْ وتَحَسُّرِهم، وخَسِروا الآخِرَةَ بفواتِ ثوابِ أعمالِهم، ودُخولِهمُ النار.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة : 54]
54- أيُّها المؤمِنون، إنَّ مَنْ يَرجِعْ منكمْ عنْ دينِ الإسلامِ إلى مِلَّة الكُفر، فلنْ يَضُرُّوا سِوَى أنفسِهم، وإنَّ اللهَ سيَسْتَبدلُ بكمْ مَنْ همْ خيرٌ منكمْ لهذا الدِّين، يُحِبُّهمُ الله، ويُحِبُّونَ الله ، فيَصْدُقونَ في إيمانِهم، ويُخلِصونَ في طاعتِهم، ويَمتثِلونَ أوامرَ ربِّهم، ويُحِبُّونَ إخوانَهمُ المؤمِنين، فيَتواضَعونَ لهم، ويُوالُونَهم، ويَرحَمونَهم، ويَتعاطَفونَ مَعهم، ويَتعاوَنونَ معهمْ على البِرِّ والخَيرِ والتقوَى، ويَكونونَ أشدّاءَ مُتَعزِّزينَ على أعداءِ اللهِ وخُصَماءِ الدِّين، منَ الكفّارِ الجاهلين، فيُعادُونَهمْ ويُغالِبونَهم، ويُقاتِلونَهمْ لنُصرةِ دينِ اللهِ وإعلاءِ كلمتِه، لا يَهابونَ أحداً مِنْ أعدائه، ولا يَحسَبونَ حِساباً للَومِ مُناصِرِيهمْ وخِذْلانِ موالِيهم، ولا يَرُدُّهُمْ عنْ هدفِهمْ وغايتِهمْ شَيء. وهذا منْ فضلِ اللهِ وتوفيقِه، ولُطفهِ وإحسانهِ لمنْ شاءَ مِنْ عبادِه، وهوَ سُبحانَهُ واسِعُ الفَضل، عليمٌ بمَنْ يَستحِقُّ هذا الفَضلَ والإكرامَ ومَنْ لا يَستحِقُّ منهم.

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة : 55]
55- فليسَ اليهودُ بمناصِريكمْ أيُّها المسلِمون، ولو عزَّزتُموهمْ وناصَرتُموهم، إنَّما الذي يَتولاّكمْ ويؤيِّدكمْ هوَ اللهُ الذي هَداكمْ لدينِه، ووليُّكمْ كذلكَ رسولهُ والمؤمِنون، الذينَ تَجِدونَ عِندَهمُ المحبَّةَ والمناصَرةَ والموالاة، الذينَ يُطيعونَ ربَّهمْ بإقامةِ شعائرهِ والمحافظةِ على أوامرِه، فيؤدُّونَ الصَّلاةَ ويواظِبونَ على إقامتِها للهِ وحدَه، ويؤدُّونَ زكاةَ أموالِهمْ للمحتاجينَ مِنْ إخوانِهمْ في الدِّين، وهمْ في أعمالِهمُ الجليلةِ وصفاتِهمُ الطيِّبةِ خاشِعونَ متواضِعونَ لله؛ لإحسانِهمْ وحُبِّهمْ لعَملِ الخير، ومسارعتِهمْ إلى رضَى اللهِ وطاعتِه.

﴿ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة : 56]
56- ومنْ يتَّخذِ اللهَ ورسولَهُ والمؤمِنينَ أولياء، فيتوكَّلْ على اللهِ حقَّ التوكُّل، ويَمتَثِلْ أمرَ رسولِه، ويُوالي إخوانَهُ المسلِمينَ ويَنصُرهم، فإنَّهُ مِنْ حزبِ اللهِ وجماعةِ المؤمِنين، وإنَّ جُندَ اللهِ وأنصارَهُ همُ المنتَصِرون.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة : 57]
57- أيُّها المؤمِنون، لا تتَّخِذوا أعداءَكمْ أولياءَ لكم، تُناصِرونَهمْ وتَبتغونَ العزَّةَ مِنْ عندِهم، منَ المشرِكينَ ومنْ أهلِ الكتاب، الذينَ يَستَهزئونَ بعقائدكمْ ويَسخَرونَ منْ أحكامِ دينِكم، ويتَّخذونَها لَعِباً وعَبَثاً؛ لخِفَّةِ عقولِهمْ وطَيشِهمْ وفسادِ أحلامِهم، واتَّقوا اللهَ بذلك، فلا تُوالُوهمْ ولا تُصادِقوهم، إنْ كنتُمْ مؤمِنينَ حقًّا، فإنَّ الإيمانَ يوجِبُ عليكمْ معاداتَهمْ لا موالاتَهم.

﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة : 58]
58- وإذا أذَّنْتُمْ للصَّلاةِ ودَعا بعضُكمْ بَعضاً لإقامةِ هذهِ الفَريضةِ العَظيمة، سَخِروا منها واتَّخذوها لَعِباً وعَبَثاً، معَ أنَّها طاعةٌ للهِ وإفرادٌ لهُ سُبحانَهُ بالعِبادة، لكنَّهمْ سُفَهاءُ وحَمْقَى، لا يَعرِفونَ الحقَّ ولذلكَ يُعادُونه، أو همْ لا يُريدونَ أنْ يَعرِفوا ذلكَ فيَلعَبونَ ويَعبَثون، ولا يَستَعملونَ عقولَهمْ ليكونوا جادِّينَ راشِدين.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 59]
59- قلْ أيُّها النبيُّ الكريمُ لهؤلاءِ المستَهزئينَ مِنْ أهلِ الكِتاب: هلْ تُنكِرونَ عَلينا سِوَى ما نحنُ عليهِ مِنْ إيمانٍ بالله، وما أُنزِلَ عَلينا مِنْ وحيهِ على خاتَمِ أنبيائه، وما أُنزِلَ مِنْ كُتبٍ على الأنبياءِ مِنْ قبل؟ فإنَّ هذا ليسَ بمَطعنٍ ولا عَيبٍ فينا، بلْ هوَ الإيمانُ الحقُّ الذي يَجِبُ عليكمُ اتِّباعُه، ولكنَّ أكثرَكمْ مُتمرِّدٌ خارجٌ عنِ العَقيدَةِ الصَّحيحَة.

﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ [المائدة : 60]
60- وقلْ لهمْ أيُّها النبيّ: هلْ أُخبِرُكمْ بمَنْ يَكونُ جزاؤهُ عندَ اللهِ شرًّا مِنَ الذي تَظنّونَهُ بالمسلِمينَ وبدينِهم؟ مَنْ أبعدَهُ مِنْ رحمتهِ فكانَ في عَذابٍ مُستَديم، ومَنْ غَضِبَ عليهِ مِنَ اليَهودِ فلا أملَ لهُ في رِضَى الله ، ومَسَخَ بعضَهم فجعلَهمْ في صورةِ قِرَدةٍ وخَنازير، ومَنْ عبدَ غيرَ اللهِ منهم، كعِبادةِ العِجل، أو أفعالِ الكهنةِ ومَنْ صدَّقهم؛ فهؤلاءِ أسوأُ موضِعاً، وأبعدُ عنْ طريقِ الحقّ، وأشَدُّ عُقوبَة، فكيفَ تَستَهزئونَ بمنْ أخلصَ العبادةَ للهِ وحدَه، وآمنَ بأنبيائهِ أجمَعين، وبالكتبِ المُنـزَلةِ عَليهم...؟

﴿ وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة : 61]
61- وإذا جاءَكمُ المنافِقونَ صَانَعوكمْ وطوَوا على الكفرِ قلوبَهم، وقالوا بألسنتِهم: نحنُ مؤمِنون. والحقيقةُ أنَّهمْ دَخلوا إليكمْ كافرِين، وخَرجوا كافرِين ، فلمْ يَنتفِعوا بمجالستِكم، ولم يَعزِموا على السَّماعِ منكم ، واللهُ أعلمُ بما يُضمِرونَهُ في سَرائرِهم.

﴿ وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : 62]
62- وترَى كثيراً مِنْ أولئكَ اليهودِ يُبادِرونَ إلى عَملِ الشرّ، فيَقترِفونَ المآثمَ والمُنكَرات، ويَعتدونَ على الناسِ بأنواعِ الظُّلمِ والمكرِ والخِيانة، ويَأكلونَ الرِّشا ليُحِلُّوا الحرام، فما أسوأ ما يَتعاطون، وما أنكرَ ما يَفعلون.

﴿ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة : 63]
63- فهلاّ نَهاهُمْ عنْ هذهِ الأعمالِ الشَّنيعةِ علماءُ اليهودِ والنَّصارَى، ووعَظوهمْ بالكفِّ عنِ الكذِبِ والافتِراء، والامتناعِ عنْ أكلِ المالِ الحرام؟ فإنَّ هذهِ وظيفتُهمْ ليُبصِّروا الناسَ بما يَجهلونَهُ مِنْ حلالٍ وحرام. فبئسَ ما يُقْدِمونَ عليه، وبئسَ ما همْ عليهِ قائمون.

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة : 64]
64- وقالتِ اليَهود: إنَّ يدَ اللهِ بَخيلة -تعالَى اللهُ عنْ ذلك-. بَخِلَتْ نفوسُهمْ وأمسَكتْ أيديهمْ عنْ فعلِ الخيرات، فهمُ المعرُوفونَ بالبُخلِ والحسَدِ والجُبْن، والذلَّةِ والصَّغار، ولعنَهمُ اللهُ وطردَهمْ مِنْ رحمتهِ بما تَلفَّظوهُ مِنْ كلامٍ في جانبِ اللهِ خالقِهمُ العَظيم، ورازقِهمْ ورازقِ الأحياءِ في الكونِ كلِّه، فيَداهُ مَبسوطتانِ بالعَطاء، فهوَ ذو فَضلٍ عَميمٍ وعَطاءٍ جَزيل، لا تَنْفَدُ خزائنُه، يُنفِقُ كما يَشاء، مِنْ توسيعٍ على عبادٍ له، أو تَضييقٍ في الرزقِ على آخَرينَ منهم، وما قالوهُ هنا هوَ مِنْ كفرِياتِهم، وسوفَ يَزيدونَ عليها ويَتمادَونَ فيها، فيَكفرونَ بآياتٍ أخرَى تَنـزِلُ عليك، فيزدادونَ بذلكَ تَكذيباً وكُفراً على كفرِهم.

وألقَينا بينَ بعضِهمُ البعضِ عداواتٍ وأحقاداً ، فصاروا فِرَقاً وجماعاتٍ لا تَكادُ تَتوافَقُ قلوبُهمْ ولا تَتَّحِدُ كلمتُهم؛ لكثرةِ اختلافِهمْ وخُصوماتِهمْ وجدالِهمْ في دينِهم، فصاروا مُتباغِضينَ مُتخاصِمين، وسيَكونُ هذا شأنَهمْ إلى يومِ القيامة.

وكلَّما أرادوا أنْ يَكيدوك، أو يُشعِلوا حرباً ضدَّ المسلِمين، بأساليبِهمُ الخبيثةِ ومكرِهمُ السيِّئِ وفتنَتِهمْ بينَ الأقوامِ والجماعات، أطفأها الله، فردَّ كيدَهمْ وقهرَهم، ونصرَ نبيَّهُ ودينَه. وهذا مِنْ سَجيَّتهمْ، فإنَّ شأنَهمُ الإفسادُ في الأرض، بالكيدِ لأهلِ الحقّ، وإثارةِ الشرِّ والفِتنة، وإيقادِ نيرانِ الحروب، واللهُ يَبغَضُ هذهِ الصفاتِ وأهلَها، و يَجزيهمْ على ذلكَ سُوءَ العَذاب.

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة : 65]
65- ولو أنَّ أهلَ الكتابِ منَ اليهودِ والنَّصارَى آمَنوا باللهِ ورَسولِه، وابتَعدوا عمّا نُهوا عنهُ منَ المحرَّماتِ والمآثِم؛ لغفَرنا لهمْ ذنوبَهمُ التي اقتَرفوها، ولأدخَلناهُمْ جنّاتِ اللهِ الدائمَة، يَتنعَّمونَ فيها سُعداءَ خالدين.

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : 66]
66- ولو أنَّ أهلَ الكتابِ أقامُوا أحكامَ التوراةِ والإنجيلِ كما أُنزِلتْ مِنْ غيرِ تَحريفٍ ولا تَبديل، ومِنْ ذلكَ مبشِّراتُ بعثةِ الرسُولِ محمَّدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم، وما أُنزِلَ إليهمْ منْ ربِّهمْ مِنْ كتُبٍ على أنبياءِ بَني إسرائيل، ففيها كذلكَ البِشارةُ بهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم.

أو أنَّ المقصودَ الإيمانُ بالقُرآنِ الكريم، لو فَعلوا ذلكَ لوسَّعَ اللهُ لهمْ في الرِّزق، فنَـزلتْ عليهمُ السَّماءُ بالمطَر، وأخرَجتْ لهمُ الأرضُ النَّباتَ والثَّمَر.

ومِنْ أهلِ الكتابِ طائفةٌ آمنَتْ برسالةِ الإسْلام، وتابَعتِ النبيَّ محمَّداً صلى اللهُ عليه وسلم، وكثيرٌ منهمْ مُتعَصِّبونَ ومُعانِدونَ مُكابِرون، يُحَرِّفونَ الحقَّ ويُعرِضونَ عنه، فما أسوأ عملَهم، وما أخيبَ أملَهم!

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة : 67 ].

67- أيُّها الرسُولُ الكريم، المبعوثُ إلى العالَمين، أوصِلْ إلى النَّاسِ جميعَ ما أنـزلَهُ اللهُ إليك، فإذا لم تُوصِلِ الرسَالةَ التي أُرسِلْتَ بها إليهمْ فما بلَّغت.

وقدْ أدَّى الرسُولُ عليه الصلاةُ والسلامُ الأمانةَ التي اؤتمنَ عليها أتمَّ أداء، وما كتمَ شيئاً، كما جاءَ في حديثِ عائشةَ الصحيح.

واللهُ يَحفَظُكَ مِنْ أعدائك، فلا أحدَ يَقدِرُ على قَتلِكَ أو مدِّ يدِ السُّوءِ إليك، فاهتمَّ بأمرِ التَّبليغ، ولا تَخَفْ ولا تَحزن، واللهُ يَهدي مَنْ يَشاء، ويُضِلٌّ مَنْ يَشاء، ولنْ يَجِدَ الكفّارُ سبيلاً إلى الهِداية، ماداموا أغلَقوا عُقولَهمْ وقلوبَهمْ عنْ سَماعِ الحقِّ وإرادةِ اتّباعِه.

وفي حديثٍ حَسن، أنَّ اللهَ تعالَى لمّا أنـزلَ ﴿ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾، أخرجَ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ رأسَهُ منَ القُبَّة، وقالَ لمنْ يَحرُسه: "أيُّها النَّاس، انْصِرفوا، فقدْ عَصَمني الله".

وقدْ أسلمَ في عَصرِنا أحَدُهم، أو بعضُهم، لمّا اطَّلعَ على هذا، وقالَ في سَببِ إسلامِه: إذا كانَ محمَّدٌ يَكذِبُ على النَّاس، فإنَّهُ لا يَكذِبُ على نفسهِ ولا يُعَرِّضُها للخطَرِ بصرفِ الناسِ عنْ حراستِه، وقدْ عاشَ بعدَ ذلكَ ولم يُقتَل، فصحَّ أنهُ نبيّ.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة : 68 ]
68- وقلْ يا نبيَّ الله: يا أهلَ الكتابِ منَ اليهودِ والنَّصارَى، لستُمْ على شَيءٍ منَ الحقِّ، ولا على صَحيحٍ منَ الدِّين، حتَّى تُحافِظوا وتُراعُوا ما في التوراةِ والإنجيلِ مِنْ أمورٍ وأحكامٍ دونَ تحريفٍ ولا تَبديل، ومِنْ ذلكَ البِشارةُ بمبعَثِ خاتَمِ الأنبياءِ محمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلَّم، وحتَّى تؤمِنوا بالقُرآنِ الذي أُنْزِلَ عليه، وإنَّ ما أنزَلَ اللهُ عليكَ مِنْ حقٍّ يا نبيَّ الله، سوفَ يَزيدُ كثيراً منَ الكفّارِ كُفراً وبُعداً عنِ الحقّ، لعدمِ قبولِهمْ به؛ لعِنادِهمْ ومكابرَتِهم، فلا تَحزَنْ عليهمْ ولا تَتحسَّرْ على هلاكِهمْ وعَذابِهم، فإنَّ هذهِ نتيجةُ مَنْ رضيَ بالضَّلالِ لنفسِه، وهمُ الذينَ جَنَوا على أنفسِهم.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة : 69 ]
69- إنَّ المسلِمين، واليهود، والصابئة، والنَّصارَى، مَنْ آمنَ منهمْ بالله، وبالمعادِ والجزاءِ يومَ القيامَة، وعملَ صالحاً، ولا يَكونُ العملُ صالحاً إلا بموافَقتهِ للدِّينِ وإخلاصهِ للهِ تعالَى، فلا خوفٌ عَليهم -لمنْ توفَّرتْ فيهِ هذهِ الصِّفاتُ- يومَ يَخافُ الكافِرونَ ممّا يَستقبِلونَه، ولا همْ يَحزنونَ حينَ يَحزنُ المقصِّرونَ على ما فاتَهمْ مِنْ ثَواب.

والمقصودُ كلٌّ في وقتِه، ولا يُقبَلُ دِينٌ منْ أحدٍ بعدَ الإسلام سِوَى دينِ الإسلام.

﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ﴾ [المائدة : 70 ]
70- لقدْ أخَذنا العهودَ والمواثيقَ على بَني إسْرائيل، وبَعَثنا فيهمْ أنبياءَ وأرسلنا إليهمْ رُسلاً، يُذَكِّرونَهمْ بها ويُخَوِّفونَهمْ نقضَها، ليسمَعوا ويُطيعوا ويأتمِروا بما أُنـزِلَ إليهم، ومِنْ ذلكَ العهدُ الذي أخذَهُ أنبياؤهمْ عليهم، منَ الإيمانِ بالنبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ولكنْ كلَّما جاءَهمْ رسولٌ بما لا يوافِقُ أهواءَهمُ الزائغَة، وآراءَهمُ الفاسِدة، صارَ فريقٌ منهمْ يُكذِّبونَهمْ ويُخالفونَهم، وآخَرونَ منهمْ يَقتلونَهم!

﴿ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : 71 ]
71- لقدْ ظنَّ كثيرٌ مِنْ بَني إسْرائيلَ أنَّهُ لنْ يَترَتَّبَ على مَواقفِهمُ السيِّئةِ منَ الأنبياءِ شرٌّ وفَساد، وأنَّ اللهَ لا يُحاسِبُهمْ عليها، ولا يُصيبُهمْ منها بلاءٌ وعَذاب، فتَمادوا في الغَيِّ والفَساد، وصَاروا لا يَسمعونَ حقًّا ولا يَهتدونَ إليه، ثمَّ تابَ اللهُ عَليهمْ حينَ تابوا ورجَعوا عمّا كانوا عليهِ منَ الفَساد، ثمَّ ازدادوا ضَلالاً وغَيّاً وأغلَقوا منافذَ التفكُّرِ وسَماعِ صوتِ الحقِّ في نُفوسِهم، وعَادوا إلى الفَسادِ وقَتلوا الأنبياء، واللهُ مُطَّلعٌ عليهم، وعالِمٌ بما عَمِلوا، وسيُحاسِبُهمْ أشدَّ الحِساب.

﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ [المائدة : 72 ]
72- لقدْ كفرَ مَنْ قالَ مِنَ النَّصارَى إنَّ اللهَ هوَ المسيحُ بنُ مريم، وقدْ قالَ المسيحُ نفسُه: يا بَني إسْرائيل، اعبُدوا اللهَ وحدَه، فهوَ ربِّي وربُّكم، ونحنُ جميعاً عَبيدٌ لله، وإنَّ مَنْ يُشرِكْ بهِ في عبادتهِ فقدْ حرَّمَ عليهِ دُخولَ الجنَّة، وأوجبَ لهُ النَّار. وقدْ ظَلموا بإشراكِهمْ وكفرِهمْ هذا وعَدَلوا عنْ طريقِ الحقّ، ولنْ تَجِدَ لهؤلاءِ الظَّالمينَ مُعيناً ولا ناصِراً يُنقِذُهمْ منْ عَذابِ اللهِ وعُقوبتهِ المقدَّرةِ عليهم.

﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة : 73 ]
73- لقدْ كفرَ منهمْ كذلكَ مَنْ قالَ إنَّ اللهَ إلهٌ معَ إلهينِ آخَرينِ هما عيسى وأمُّهُ مريم، وقالتْ طوائفُ أخرَى غيرَ ذلك. والحقُّ أنَّهُ ما منْ إلهٍ إلاّ الله، فهوَ وحدَهُ المعبودُ بحقّ، الذي لا شَريكَ لهُ ولا شَبيه، وهوَ إلهُ الكون، وربُّ جميعِ الكائنات، مُحييها ورازِقُها ومُميتُها، وليسَ هناكَ آلهةٌ مِنْ جنسِ البشَر، وعيسى وأمُّهُ كانوا منَ البشَرِ يأكلانِ الطعام.وقدْ ظَهرتْ فِرقةٌ منَ النصارَى يُقالُ لها "المريميُّون" في القرنِ السادسِ الميلادي، تقولُ بأُلوهيَّةِ مريمَ أيضاً!

فإذا لم يَنتَهِ النَّصارَى منْ هذا الكذِبِ والافتِراءِ على اللهِ ربِّ العالمين، فإنَّهُ يُصيبُ الذينَ كفَروا منهمْ عذابٌ مؤلمٌ موجِع، ونارٌ تأتي على أفئدتِهم.
وقدْ خصَّ اللهُ الكافِرينَ منهمْ بالعَذاب، لعلمهِ أنَّ بعضَهم يؤمِنون.

﴿ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة : 74 ]
74- أفلا يتوبُ النَّصارَى مِنْ هذا الإفكِ العَظيمِ، ويَستَغفِرونَهُ منْ هذا القَولِ الأثيم، ويَعودونَ إلى القَولِ الحقّ؟ هلاّ انتهَيتُمْ ممّا نَسبتُموهُ إلى ربِّكمْ وتُبتُمْ إليهِ ليتوبَ عليكم، ويمنحَكمْ مِنْ فَضلهِ ورحمتِه؟

﴿ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة : 75 ]
75- والمسيحُ عيسَى بنُ مريمَ ما هو إلا عبدٌ رَسَولٌ وليسَ بإله، وقدْ سبقَهُ رسلٌ منْ أمثالهِ كانوا بشَراً كذلك، ولم يَكونوا آلهة. وإذا كانَ أُوتيَ مُعجِزاتٍ خارِقة،فإنَّ مَنْ سبقَهُ منَ الرسُلِ كذلكَ أُوتوا مُعجِزاتٍ خارِقة، وإذا كانَ قدْ خُلِقَ منْ غيرِ أب، فإنَّ هناكَ مَنْ خُلِقَ منْ دونِ أبٍ ولا أمّ، وهوَ آدمُ عليه السَّلام، ولم يَكنْ إلهاً.

وأمُّهُ مريمُ كذلكَ كسائرِ النِّساء، كانتْ وليَّةً طاهرة، مؤمِنةً بابنِها نبيًّا ورَسُولاً، مُصَدِّقةً لهُ فيما يُبَلِّغُ عنْ ربِّه، ولم تكنْ إلهة. وكانَ كلاهما يَجوعانِ ويَعيشانِ بالغِذاءِ كسائرِ الآدَميين، ويَتخلَّصانِ منْ فَضلاتِهما كما يَتخلَّصُ منها البشَر. فكيفَ يجوعُ الإلهُ ويَهلِكُ إذا لم يأكل؟ وكيفَ يَتغوَّطُ الإله؟! بلْ هذهِ كلُّها صفاتُ آدميِّينَ كما تُرَى.

فانظرْ كيفَ نُبيِّنُ لهمُ الأدلَّةَ والحُجَج، والبراهينَ المُقنِعةَ الواحِدةَ تِلْوَ الأخرَى، وانظرْ بعدَها كيفَ يَنصرِفونَ عنِ الحقّ، وعلى أيِّ مذهبٍ ضالٍّ يُقيمون؟!

﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة : 76 ]
76- قلْ أيُّها النبيُّ للمشرِكينَ وأهلِ الكتابِ منَ العابدينَ غيرَ الله: أتَعبدونَ مِنْ دونِ اللهِ ما لا يَقدِرُ على ضُرِّكمْ ولا إيصَالِ النفعِ إليكم، واللهُ خالقُكمْ وخالِقُهم، الذي يَجِبُ أنْ يُعبَدَ وَحدَه، وهوَ الذي يَنَفَعُ ويَضُرُّ ويُجازي على الأعمال، والجماداتُ المعبودةُ لا تَنطِقُ ولا تَسمعُ حتَّى تَضُرَّ وتَنفَع، والأناسيُّ لا يَقدِرونَ على النَّفعِ والضُّرِّ إلا إذا شاءَ الله، وهوَ وحدَهُ الذي يَتصرَّفُ في الكونِ كلِّهِ كما يَشاء، ولا يَقدِرُ أحَدٌ على أنْ يَمنعَهُ منْ ذلك، فلا نَفعَ ولا ضَررَ إلاّ منه، فلهُ وحدَهُ يجبُ أنْ تكونَ العبادة. وهوَ الذي يَسمعُ أقوالَ كلِّ عبادِه، ويَعلمُ جميعَ أحوالِهم.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ [المائدة : 77 ]
77- قلْ يا نبيَّ الله: يا أهلَ الكتابِ منَ اليهودِ والنَّصارَى، لا تَتجاوزوا الحدَّ في أمرِ دينِكم، لا علوًّا ولا تَقصيراً، فإنَّ تَجاوزَ الحدِّ مَذمُوم، وكذا التقصيرُ فيه، فليسَ المسيحُ عيسى إلهًا كما يدَّعي النصارَى، ولا هو ابنُ زانيةٍ كما يدِّعي اليهود، بلْ هوَ عبدُ اللهِ ورسولهُ الكريم، وأمُّهُ صِدِّيقةٌ طاهِرة. ولا توافِقوا المذاهبَ الباطلةَ التي ابتدَعها شيوخُ الضَّلالةِ منْ أسلافِكم، الذينَ انحرَفوا وابتعَدوا عنِ الحقِّ والصَّواب، وأضلُّوا كثيراً منْ أتباعِهم، نَتيجةَ خُروجِهمْ عنْ طريقِ الاستقامةِ والاعتدالِ إلى طَريقِ الشِّركِ والضَّلال.

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ [المائدة : 78 ]
78- لعَنَ اللهُ الذينَ كفَروا منْ بَني إسْرائيلَ على لِسانِ نبيِّ اللهِ داودَ في الزَّبور، وعلى لسانِ نبيِّ اللهِ عيسى بنِ مريمَ في الإنجيل، ولعنُهمْ هوَ طَردُهمْ منْ رحمةِ الله، بسبَبِ عِصيانِهمْ ومخالفتِهم، واعتدائهمْ على خَلقِ الله.

﴿ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة : 79 ]
79- كانَ بَنو إسْرائيلَ إذا فَعلوا مُنكراتٍ وارتَكبوا مآثِم، لا يَنهَى بعضُهمْ بَعضاً عنها، ولا يَعِظُونَهمْ بتركِها، مثلَ أكلِ الِّربا، وأخذِ الرشْوة، وقَبولِ أثمانِ الشُّحوم، وغيرِ ذلك. فما أسوأ فعلَهم، وما أنكرَ صَنيعَهم.

﴿ تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [المائدة : 80 ]
80- وترَى كثيراً منَ اليهودِ يوالُونَ المشرِكينَ والمنافِقين، ويَنتَصرونَ لهمْ ويُقَوِّونهمْ ضدَّ دينِ الإسلام، فما أسوأ عملَهم، وما أتعسَ ما قدَّموا منْ عَملٍ لمعادِهمْ يومَ حِسابِهم، فقدْ جلَبوا بذلكَ غضبَ اللهِ وسُخْطَهُ عليهم، وسيُدخلُهمْ بذلكَ النَّار، ويُخَلِّدهمْ فيها تَخليداً.

﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة : 81 ]
81- ولو أنَّ هؤلاءِ الموالِينَ للمشرِكينَ يؤمِنونَ باللهِ حقَّ الإيمان، ويؤمِنونَ بخاتَمِ أنبيائهِ محمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلَّم، وبما أنزلَهُ عليهِ منَ القُرآنِ الكريم، لَما اتَّخذوهمْ أولياءَ يُناصِرونَهمْ ضدَّ دينهِ وأوليائه، ولكنَّ كثيراً منهمْ خارِجونَ عنْ طاعةِ الله، معانِدونَ للحقِّ الذي أوجبَ اتِّباعه، مخالفونَ لوحيهِ المُنْـزَل.


بحر الامل

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مفاتيح , ستايلات , صيانه , تهيئة , قواعد , سيرفرات , استضافه , مناضر, جوالات





 توقيع : نزف القلم

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس