الموضوع: نفحات قرآنية 17
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 2019-05-27, 03:40 AM
عبير الورد متواجد حالياً
Saudi Arabia    
اوسمتي
يوم الوطني وسام مسابقه الحج  المركز الثاني 
 عضويتي » 74
 جيت فيذا » 08-09-2018
 آخر حضور » 2022-07-18 (01:28 PM)
آبدآعاتي » 5,592
الاعجابات المتلقاة » 24340
الاعجابات المُرسلة » 22871
 حاليآ في » وسط بحرالامل
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الادبي
آلعمر  » 60سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond reputeعبير الورد has a reputation beyond repute
مشروبك  » مشروبك   7up
قناتك   » قناتك abudhabi
ناديك  » اشجع shabab
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نفحات قرآنية 17




نفحات قرآنية 17




الآل، والأهل، والمودة في القربى[1]



سبحنا مع نفحات ﴿ تَبَّتْ يَدَا ﴾ [المسد: 1].

سبحا طويلاً، واستهدفنا بكلِّ ما بسطنا من نفحات إظهارَ أنَّ الإسلام دِين القيِّمة، وأنَّه دائمًا على صراطٍ ناصع مستقيم.

ولكنَّ حكمة الله اقتضَتْ أن يمدَّ هذا الصراط بين سبل مضلَّة تعمرها شَياطين، مِصداق ما روى أحمد والنسائي عن ابن مسعود - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطَّ خطًّا، ثُمَّ قال: ((هذا سبيل الله))، ثم خطَّ خُطوطًا عن يمينه وعن شماله وقال: ((هذه سُبُلٌ، على كلِّ سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه))، ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ... ﴾ [الأنعام: 153].

فالأصوات التي ترتفع عليلة مموهة بزخرف القول، أو صاخبة ملتهبة بضرام الحقد هي أصوات الزيغ والمكر، والإضلال والتغرير.

ولقد أوضَحَ لنا ابن مسعود - رضي الله عنه - معالم تلك اللوحة التي وُضِعت خطوطُها بيد النبي الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم، سُئِل ابن مسعود - رضِي الله عنه -: ما الصراط المستقيم؟ قال: ترَكَنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أدناه، وطرَفه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ (بتشديد الدال، جمع جادَّة، والجادَّة: الطريق)، وعن يساره جوادُّ، وثَمَّ (بفتح الثاء) رجال يدعون مَن مرَّ بهم، فمَن أخَذ في تلك الجوادِّ انتهت به إلى النار، ومَن أخَذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا... ﴾ [الأنعام: 153]؛ أخرجه رزين موقوفًا.

أرَدْنا بكلِّ ما أسلَفْنا أن نعلم أنَّ الإسلام حريصٌ على ترابُط المجتمع المسلم بروابط الأخوَّة والمودَّة، والأُلْفة والمرحمة، حريص على أن يظلَّ هذا المجتمع بعيدًا عن مزالق الأثَرَة والفَرْديَّة، والانتِهازية والانحلالية، والغي والهوى، وحمية الجاهلية.

والمسلمون إن ضلُّوا، فزلوا، فتردَّوا في المهالك، وذلوا، فلأنهم أسدَلُوا على وُجوههم حُجُبًا فتلوها بأيديهم، وحشوا أعينهم بأغشية نسجوها بأيديهم، وخسروا أنفسهم في غَيابات حفَرُوها بأيديهم، وباتوا يُعانُون مِن مخمصة ماديَّة ومعنويَّة، حاكوا أعطافها بأنفُسهم، فلا عجب - وقد احتوَتْهم الغفلات - إذا صدَّقوا كلَّ ناعق، أو تشدَّقوا بكلِّ باطل زاهق، ولا غرابة إذا آبوا بشر السمع والبصر، واللسان والفؤاد، وغنموا خِزي الدنيا والآخرة، وعاشوا غلبة الدَّين وقهْر الرجال.

والآن وبعد ذلك السبح الطويل الهادف نقف وجهًا لوجه مع مزاعم الحاقدين، وتآويل الجاهلين، مُستفتحين بقوله - سبحانه -: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ﴾ [الشورى: 23].

والنص الكريم في صِيغته الموحية وأسلوبه الفخم هو صوتُ الحق، علا مجلجِلاً عبر أجواء تُثِير الرعب والرهب، واستَرسَل مصلصلاً في معيَّة معانٍ تدهم الذين يُحاجُّون في الله، وتدحَضُ حُجَجَهم، وتَتَوَعَّدهم بالويل والثُّبور؛ ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى: 16].

وهو الأذان السماوي ارتَفَعَ في بيئةٍ قُرآنيَّة تنبذ الغافِلين، وتُزرِي آياتها بالمخلدين إلى الدنيا المنطوين في زهرتها وحرثها، السارين مُتخبِّطين بلا بصيرة ولا هدى ولا كتاب مُنير، الموغلين في مَتاهات تُسلِم إلى الضلال، وتَفضِي إلى الضَّياع؛ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 20 - 21].

صوت الحق دوَّى في سِياق نُذُرٍ تشهر سيف الحق، وتلوح بقَبْضة العزِّ؛ ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الشورى: 24].

وخِلال هذه النُّذُرِ تمضى بُرُوقٌ رخية السَّنَا، زكية الأرواح، واعدة مبشِّرة؛ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الشورى: 22 - 23].

وبعد تلك النُّذر التي تقذف بالحمم، وهذه البشارة التي تذخَر بالمنِّ، وتذكر بالفضل - يُؤمَر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنْ يرفع نداء العزَّة ويُعلِن اكتفاءَه بالله، واستغناءَه عن الناس؛ ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].

مقتضى السِّياق وارتباط النص بما سبق وبما لحق، وارتفاعه في بيئة تُوحِي بالقوة والقدرة والعزة - يرجح وحدة الملامح بين أفراد البيئة الواحدة، ووحدة الجو النفسي الذي يعمُّ الوسط ويهبُّ على قَضاياه.

والنص - بهذا المُقتَضى - يزخَرُ بالشُّموخ، ويَشِي بالثِّقة والاعتِداد.

والذي يقذف بمثْل هذا الحق ينبغي أنْ يكونَ عزيزًا عِملاقًا، يسمو فوق ذُلِّ السؤال أو مَهانة الاستِعطاف والنظر إلى المخلوق، كيف وعظمة الله تحيطُ بعبده من كلِّ جانب، ورحمته تتنزَّل مُتدفِّقة من كلِّ صوب؟

وإيحاءً بهذا، وإشعارًا بالعزة التي تحدق برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حفلت البيئة بلفظ الجلالة "الله"، وبضمير الجلالة "هو"، فلا مجال لقوَّة أخرى، ولا مكان لمخلوق ولا لياذ إلا بالخالق.

1- ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17].

2- ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19].

3- ﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ ﴾ [الشورى: 23].

4- ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [الشورى: 24].

5- ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27].

6- ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ﴾ [الشورى: 28]... إلخ.

إنَّ القوَّة المتفجِّرة من مثْل هذه الآيات حَرِيَّة أنْ ترفع رؤوس المؤمنين، وتعصمهم عن سؤال غير الله.

وإذا كان هذا هو شأن عامَّة المؤمنين، فكيف بأوَّل المؤمنين؟ إنَّ رسول الله أولى بألاَّ نضعه موضعًا مشبوهًا، موضع مَن يستَجدِي، أو ينتظر من الناس عائدًا ماديًّا أو معنويًّا، مباشرًا أو غير مباشر، لقاء تبليغ الرسالة.

أسلوب التلقين "قل":
ذلك عَطاء البيئة، وإيحاء السياق، فما عطاء الأسلوب؟
إنَّ قَرار الاحتِساب والزُّهد فيما عند الناس ابتَدَأ بكلمة: "قل"، التي تنمُّ عن عِنايةٍ فائقة بموضوع الحديث، ومثل هذا الأسلوب يُعرَف بـ"الأسلوب التلقيني"، وهو أسلوب مُثِير يربط بكلمة الحق، ويلقن الحجة البالغة، ويأمر بقذفها قذفًا يأخُذ بالألباب ويحسم الموقف، ويسدُّ على الخصم كلَّ طريق، فلا يستطيعُ التفلُّت، ولا يجدُ غير التسليم.

ويَكثُر مَجِيء هذا الأسلوب في المواقف التي تتطلَّب الصلابة أو الصَّرامة والحسم:
1- يجيء في مَقامات توضيح العقيدة وبَيان أُسُسِ الإيمان؛ ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ﴾ [آل عمران: 84]، ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 161 - 162].

2- وفي مَقامات تقرير التوحيد، ونبْذ نَوازِع الشرك؛ ﴿ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19]، ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164].

3- وفي مَقامات التعريف بالله وصِفاته؛ ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ ﴾ [الأنعام: 63 - 65].

4- وفي مَقامات التخويف والوَعْظ البليغ؛ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ﴾ [الأنعام: 40 - 41].

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ [الأنعام: 46].

5- وفي مَقامات الوعيد والتهديد؛ ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11]، ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ [الأنعام: 135].

6- وفي مقامات المحاجة وتضييق الخناق على الخصوم؛ ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: 145]، ﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا ﴾ [الأنعام: 150]، ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 151].

7- وفي المقامات التي تتطلَّب جَهْرًا باليقين واعتِدادًا بالطريقة؛ ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 161]، ﴿ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾ [الأنعام: 57].

8- وفي مَقامات الاعتِراف بالقدر والحجم البشري؛ ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [الكهف: 110]، ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [الأنعام: 50].

9- وفي مَقامات إظهار العبودية والخشية؛ ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن: 22].

10- وعند سوق أمرٍ مُستغرَب غير مألوف؛ ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ﴾ [الجن: 1].

11- وعند القهْر وكبْت الأعداء؛ ﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾ [آل عمران: 119].

12- واستبراء وطمأنة للنفس الهَلُوع التي أُشرِبت الشحَّ؛ ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 90]، ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [سبأ: 47]، ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].

هذه هي أبرز المقامات التي استُعمِل فيها أسلوب التلقين "قل"، وقد تبرز - حين نستعرض الآيات التي عُنِيت بهذا الأسلوب - أعراض أخرى، ولكنَّها عند التمعُّن تقترب بل تَتداخَل في هذه الأغراض التي ذكَرناها، وكلُّها في مُجمَلها تُنبِئ عن الحسم والعزم وفصل المقال، كما توحي بأنَّ القذف بالحق على هذا النحو لا يتمُّ إلا من فوق أرضيَّة صلبة، ولا ينمُّ إلا عن مركز قوَّة.

ومَن كان يقذف بالحق قذفًا يَدفَع الباطل ويزهقه، مَن كان يرمي من مركز القوَّة لا يمكن أنْ يستعطي الناس، أو يسأل العائد - هانَ هذا العائد أو جَلَّ - إلا أنْ يكون العائد المسؤول يرتدُّ إلى الناس أنفسهم، مُوقِظًا النفوس، ومذكيًا الوجدان، ورابطًا الأواصر، ورافعًا دَعائِم المجتمع.

والسؤال حينئذٍ سؤالٌ بلاغي يُوحِي بشدَّة الارتباط وعُمق المشاركة بأنَّ الداعية والمدعوِّين كالجسد الواحد، والسؤال - بهذا التأويل - قريبٌ مِن قضيَّة استِقراض الله الناس في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [المزمل: 20].

وبقوله - سبحانه -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾ [البقرة: 245]، [الحديد: 11].

فهل يسوغ هنا أنْ نأخُذ "القرض" بمعناه الأرضي؟
وهل يسوغ أنْ نصِيح كما صاحَتْ يهود: "إنَّ اللهَ فقيرٌ ونحن أغنياءُ"؟ وهل نفهم من تعدُّد آيات الاستقراض أنَّ شدَّة الإلحاح ينمُّ عن شدَّة حاجة المُلحِفِ المُلِحِّ (بضم الميم وكسر اللام، وتشديد الحاء؟ سبحانه هو الغني، له ما في السماوات وما في الأرض.

جوع العين، وجوع الفؤاد:
والإسلام يُربِّي المؤمن على النَّزاهة، وينشئه على تنزيه البصر والبصيرة عمَّا في حوزة الناس، والقُرآن يحدُّ للأبصار والبصائر حُدودًا معنويَّة قويمة، ويُلزِم المؤمن باحترامها وعدم تخطِّيها.

عين المؤمن لا تَبغِي ولا تَعدُو، ولا تتذَبذَب ولا تَزِيغ، والمؤمن يُقاوِم كلَّ بَوادِر الزيغ التي تحومُ حولَ عينَيْه دفعًا لأخطارها، وخشية أنْ يُفضِي ذلك إلى زَيْغِ القلوب وميلها عن الصراط، وإلى زيغ الألباب وتهافتها على القشور والترَّهات، والزيغ يَلِدُ مَزِيدًا من زيغ؛ ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].

واتِّقاءً لكلِّ هذا يُوجِّه الله رسوله - ومن ورائه كلُّ المؤمنين - إلى ضَرُورة ضبْط الحواس، وشكم[2] الجوارح حتى تعتدل فلا تزيغ وتعدو؛ ذلك قول الله: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].

ومثل ذلك قوله - سبحانه -: ﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، وكأنَّ استدبار النظرة الزائلة والزهرة الخادعة لا يتمُّ إلا بالإقبال الخالص على المؤمنين أولي المبادئ والقِيَم، ولعلَّ هذا مِن أسرار إتباع النهي في ﴿ لاَ تَمُدَّنَّ ﴾ ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ ﴾ بالأمر الصادع الرشيد ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾، ولعله من أسرار الأمر بالملازمة، والنهي عن التجاوُز وإطاعة الغافلين في قوله - سبحانه -: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

وشجبًا لكلِّ الدوافع قد يظنُّ أنها تُبرِّر استقبال الازدهار والمزدهِرين، والترف والمترفين، يدفع الرسول بأسلوب التلقين إلى أنْ يصيح بين المزدهِرين بصيحة الحق؛ ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].

هكذا يحدُّ المولى الحدودَ للبصائر والأبصار؛ حتى لا تنزلق في نوبة زيغها إلى وهدة المِحَنِ والفِتَنِ والشُّبهات؛ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7].

والإسلام يَأمُر بالرضا بما قسم، ويُغرِي بالقناعة بما أُتِيح بعد بذْل الجهد واتِّخاذ الأسباب.

والقناعة بما قسم، والرضا بما قدر من خير أو شر يُورِثان سكينةً واستقرارًا واطمئنانًا.

والاطمئنان والسكينة والاستقرار هي[3] قرَّة عين البشر:
1- قرَّة العين؛ ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

2- وإليها هفتْ نفس امرأة فرعون، وهي تتشبَّث بموسى، وتُغرِي فرعون باستِحيائه؛ ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [القصص: 9].

3- وبها امتنَّ الله على أم موسى؛ ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [القصص: 13].

4- وهي التي وفَّرها الله لمريم في يوم محنتها ساعة زفرت: ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]، قال - سبحانه -: ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ [مريم: 24 - 26].

5- وهي ثمرة التشريع؛ ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ [الأحزاب: 51].

وكما أنَّ زيغ البصر يُهدِّد بزيغ القلوب، فإنَّ قرَّة الأعيُن تُنبِئ عن استِقرار النُّفوس وهدأة الأفئدة.

والأعيُن التي لم تحظَ بالقرَّة لا تَزال تَدُور حتى تفقد صاحبها الاتِّزان، وتُصِيبه بالدوار؛ فيغدو ويروح أصمَّ أعمى كأنَّ في أذنيه وقرًا، وفوق عينيه سَحابة، وحول قلبه أغشية كأنها الأكنَّة، ومحشَره مع الذين كانت أعينهم في غِطاء عن ذِكر الله، وكانوا لا يستَطِيعون سمعًا.

العين الشَّبعَى هي القريرة التي لا يخطفها بريقٌ، ولا يزيغها بَرَجٌ (بفتح الباء، والراء، والبَرَجُ: الحسن الفاتن)، ولا تلهث وراء كلِّ بصيص، هي عين المؤمن.

والعين الجَوعَى هي المتوتِّرة القلقة التي لا ترى الأشياء على حقيقتها وفق ما ينبعث منها من شعاع، بل وفق ما يعتمل في نفس صاحبها من نَهَمٍ أو قَرَمٍ (شدة الشوق)، أو شَبَقٍ (شدة الرغبة)، هي العين التي تجرُّ صاحبها إلى تَبابٍ، ولا يملَؤُها إلا التراب، هي عين الفاجر.

وتهذيبًا للأعيُنَّ وصدًّا لشيطانها، وإطفاءً لنارها - أمَر الإسلام بالغضِّ؛ ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ﴾ [النور: 30]، وحذَّر من النظرة الأولى، وشدَّد النَّكير على الثانية؛ توفيرًا للأمن، وضَمانًا للاستقرار.
[1] زعَمُوا أن الإسلام دِين محاباة، وروَّجوا أنه حابَى آل محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فخصَّهم بالصلوات والبركات، وأضمر لهم ما لم يضمر لغيرهم، وطلب لهم المودة والتكريم!

[2] شكم الجواد: ألجمة وتحكم في حركته.

[3] قرَّة العين: استقرارها واطمئنانها، ورضاها ونبذها للتذبذب والزيغ، والمادة (قر) توحي بالبرودة التي تُثلِج الصدر، وبالموضع الذي يهب الأمن؛ إذ القرار المطمئنُّ من الأرض، وتُوحِي بالثَّبات وانقِطاع أسباب الهلع، تقول: قرَّت عينه، تقرُّ، قرة، وقرورًا إذا هدَأت أو رأتْ ما كانت تتشوَّق إليه، فالمادة تَدُورُ حول الرضا والهدوء والثَّبات والاطمئنان حول السعادة.

الموضوع الأصلي: نفحات قرآنية 17 |~| الكاتب: عبير الورد |~| المصدر: منتديات بحر الامل

بحر الامل

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مفاتيح , ستايلات , صيانه , تهيئة , قواعد , سيرفرات , استضافه , مناضر, جوالات





 توقيع : عبير الورد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس