عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 2020-04-13, 03:40 PM
نزف القلم متواجد حالياً
Saudi Arabia    
اوسمتي
الالفيه الخامسه والخمسين وسام عضو سحري يوم الوطني وسام المعايده وسام شكر وتقدير وسام قلم مبدع 
 عضويتي » 30
 جيت فيذا » 14-08-2018
 آخر حضور » 2024-05-21 (09:04 AM)
آبدآعاتي » 55,848
الاعجابات المتلقاة » 11591
الاعجابات المُرسلة » 3978
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » نزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond reputeنزف القلم has a reputation beyond repute
مشروبك  » مشروبك   7up
قناتك   » قناتك abudhabi
ناديك  » اشجع ithad
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الواضح في التفسير الحلقة الخامسة عشرة



الواضح في التفسير
( الحلقة الخامسة عشرة)
أ. محمد خير رمضان يوسف
سورة آل عمران (169 - 200)
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران:169].
169 - ولا تَظُننَّ الذينَ فارقوا الحياةَ مِنَ الشُّهداءِ قدْ ماتُوا حقًّا. وإنْ ظَهرَ قَتلُهم في هذه الحياةِ الدُّنيا، فإنَّ أرواحَهُمْ حيَّةٌ تُرْزَقُ عندَ اللهِ في دارِ القَرار.
﴿ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران:170]
170 - وهمْ فَرِحُونَ مُغتَبِطونَ بفَضلِ اللهِ عَليهمْ ورِضائهِ عَنهم، ويَستَبشِرونَ بإخوانِهمُ الذينَ يُقْتَلونَ بعدَهمْ في سبيلِ اللهِ ألَّا خوفٌ عليهمْ فيما يَستَقبِلونَه، فهمْ أمامَ نِعمةٍ وفَضلٍ يَفِيضُ عَليهم، ولا همْ يَحزنونَ على ما فاتَهُمْ مِنَ الدُّنيا، فالآخِرةُ لهمْ خَيرٌ وأبقَى.
﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:171]
171 - إنَّهمُ يَستَبشِرونَ ويُسَرُّونَ بما رأوا ما وُعِدوا بهِ مِنْ جَزيلِ الثَّوابِ مِنْ فَضلِ اللهِ ونِعمتِه. وهذا شَأنُ اللهِ معَ المؤمِنينَ الصَّادقين، فيُكرِمُهم، ويُجزِلُ لهمُ الثَّواب.
﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:172].
172 - لقدِ استَجابوا لنِداءِ الله، وأطاعُوا رسولَهُ عندَما دَعاهُمْ لتَتَبُّعِ المشرِكينَ ليُرعِبوهمْ ويُرُوهُمْ أنَّ بهمْ قوَّةً وجَلَدًا، ولو أنَّهمْ كانوا مُرْهَقين مُثخَنينَ بالجِراح، ولم يَنْدُبْ أحدًا لملاحقِتِهم حتَّى "حمراءِ الأسدِ" إلاّ مَنْ ثَبتَ معَهُ يومَ أُحُد. وكانَ أبو سفيانَ قدْ عَتبَ على المشرِكينَ لأنَّهمْ لم يَغزوا المَدينَة.
وقدْ تَحقَّق الغَرضُ منْ تَتبُّعِهم، فرجَع أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَما لم يَروا أحدًا. فهؤلاءِ الذينَ استَجابوا وثَبتوا على مواقفِهمْ واتَّقَوا ربَّهم، لهمْ ثَوابٌ كَبير.
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ﴾ [آل عمران:173].
173 - إنَّهمُ المجاهِدونَ المؤمِنون، الصَّابرونَ المتوكِّلون، الذينَ توعَّدهمُ الناسُ بالجُموعِ الكبيرةِ وخوَّفوهُمْ كثرةَ الأعدَاء، فما اكتَرثوا لذلكَ وما جَبُنوا، بلْ زادَهمْ ذلكَ إيمانًا وثَباتًا وعَزيمة؛ لحُسنِ تَوكُّلِهمْ على الله، ويَقينِهمْ بما وَعَدَهُمُ اللهُ به، فاستَعانوا بهِ وقالوا: حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل، فهوَ حَسْبُنا وكافِينا، ونرضَى بهِ وحدَهُ وكيلًا وحافِظًا.
﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران:174].
174 - فرجَعوا إلى بلدِهمْ وقدْ ردَّ اللهُ عنهمْ بأسَ مَنْ أرادَ كيدَهمْ وأذيَّتَهم، وكفاهُمْ لحُسنِ توكُّلهمْ عليه، فسَلِموا ونجَوا، ونالوا رِضوانَ اللهِ باستجابةِ نِداءِ رسولِه، وفَضلُ اللهِ عَظيمٌ على عِبادهِ المؤمنين.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:175]
175 - إنَّما هوَ الشَّيطانُ الذي يُوهِمُكمْ أنَّهُ ذو بَأسٍ وشِدَّة، ويُلْبِسُ أنصارَهُ لباسَ القوَّةِ والقُدرة، ويُوقِعُ في القُلوبِ أنَّهمْ ذَوو حَوْلٍ وطَوْل، وأنَّهمْ سيَنتصِرون، فلا تَخافوا المشرِكينَ أولياءَ الشَّياطين، الذينَ يَنشُرونَ الفسادَ والباطِل، بلْ خافونِ والتَجِئوا إليَّ، فأنا كافِيكمْ وناصرُكمْ عليهمْ ما نَصَرْتُموني.
﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:176].
176 - كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشفِقُ على الناسِ ويَحْرِصُ على إيمانِهم، فإذا بادرَ بعضُ المشرِكينَ إلى المخالفةِ والعِنادِ اغتَمَّ وحَزِنَ لذلِك، فقالَ اللهُ ما مَعناه: لا تَحزَنْ مِنْ عَملِ الكافِرينَ عندَما يُسارِعونَ إلى مُخالفتِكَ ويَقعونَ في الكُفرِ سَريعًا لحرصِهمْ عليهِ وشِدَّةِ رَغبَتِهمْ فيه، فهؤلاءِ غيرُ قادرِينَ على أنْ يُلحِقوا باللهِ ضَررًا ولا بأوليائه، إنَّما يُريدُ اللهُ بانْهماكِهم في الكُفرِ حِرمانَهم منَ النَّعيمِ وتعذيبَهمْ بالنَّار. ولذلكَ تركَهمْ بلا هِدايةٍ حتَّى يَهلِكوا على الكُفر، وعذابُهمْ جَزاءَ طُغيانِهم هائلٌ كَبير.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران:177]
177 - وإنَّ الذينَ استَبدلُوا الكفرَ بالإيمان، رغبةً في الأوَّلِ وإعراضًا عنِ الآخَر، لنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيئًا، إنَّما ضَررُهمْ على أنفسِهم، عندما يَأتي على أبدانِهمْ عذابٌ مُؤلمٌ شَديد، جزاءَ سُرورِهمْ بالكُفرِ في الدُّنيا.
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران:178]
178 - ولا تَظُنَّنَّ أيُّها الرسُولُ أنَّ إمهالَنا الكافِرينَ فيهِ خيرٌ ومَنفَعةٌ لهم، إنَّما نُؤخِّرُهمْ في الحياةِ الدُّنيا لتَزدادَ آثامُهمْ وتَكثُرَ ذنوبُهم، فيزدادَ عذابُهم، وعذابُهمْ في الآخِرةِ يَكونُ مُذِلًّا لهم؛ جزاءَ عنادِهمْ وتَجبُّرِهم.
﴿ مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:179]
179 - ما كانَ اللهُ لِيَدعَ المؤمِنينَ هكذا بدونِ تَمحيصٍ وابتِلاءٍ وقدِ التبسَ بهمُ المنافِقون، فكانَ لا بدَّ منَ المِحنةِ حتَّى يَظهرَ الوليُّ منَ العَدوّ، ويَبِيْنَ المؤمِنُ الصَّابرُ منَ المنافقِ الفاجِر، وذلك يَومَ أُحُد، وكانَ كذلك، حيثُ تَبيَّنَ المخلِصونَ المجاهِدونَ الذينَ ثَبتُوا معَ رسولِ الله، وظَهرتْ مخالفةُ المنافِقينَ وخيانتُهمْ للهِ ورسولِه.
وأنتمْ لا اطِّلاعَ لكمْ على الغَيب، ولا ما تُكِنُّهُ قُلوبُ المنافِقينَ منْ كفرٍ ونِفاق، ولولا هذهِ الأسبابُ التي أجرَاها اللهُ لكم، لَما عرفتُمْ خبرَهمْ وشِدَّةَ عَداوتِهمْ لكم. ويَختارُ اللهُ مِنْ رُسُلهِ منْ يَشاء، كمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ليَتبيَّنَ مَنْ يَتَّبعُهُ ومَنْ لا يَتَّبعُه، ومَنْ يُعاديهِ مِنْ غيرِه، فيَتميَّزُ الخَبيثُ مِنَ الطيِّب، ويُخبرُهُ اللهُ بما صَدرَ عنِ المنافِقينَ مِنْ أقوالٍ وأفعَال، فيَفضَحُهم، ويخلِّصُكمْ مِنْ شرِّهمْ وإيذائهم.
فأطِيعوا اللهَ واتَّبِعوا ما يأمرُكمْ بهِ رسولُهُ ممّا شَرعَ لكم، وإنْ تُؤمنوا باللهِ حقَّ الإيمان، وتَتَّقوهُ بمراعاةِ حُقوقِه، فلكمْ ثوابٌ عَظيمٌ لا تَعرِفونَ قَدْرَه.
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران:180].
180 - ولا يَظُنَّنَّ الذينَ يَبخَلُونَ بأموالِهمْ فيَكنِزونَها ولا يُنفِقونَها في حقِّها أنَّ ذلكَ أفضَلُ لهمْ وأحسَن، بلْ هوَ شرٌّ لهم، وسوءُ عاقبةٍ يَنتظرُهم، فإنَّ تلكَ الأموالَ ستَتحوَّلُ إلى نيرانٍ فَظيعةٍ تُحيطُ بهمْ وتُطَوِّقُهم؛ جَزاءَ إمساكِهمْ ما تفضَّلَ اللهُ بهِ عليهمْ مِنْ مال، وسيَعلمونَ عندئذٍ أنَّ حِفْظَهُمْ لتلكَ الأموالِ كانَ حفظًا لنارٍ تَنتَظرُهم.
وليسَ اللهُ بحاجةٍ إلى أموالِهم، فهُمْ وأموالَهم وما في السَّماواتِ والأرضِ مُلْكٌ لله، ويَرِثُ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ بعدَ فَناءِ مَخلوقاتِهما. فكلُّ شَيءٍ مَرجِعهُ إليه، ومَنْ أنفقَ فإنَّما يُقَدِّمُ لنفسِهِ خَيرًا، واللهُ خَبيرٌ بنيَّاتِكمْ في المنعِ والبُخل، ويُجازيكمْ على ذلك.
﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ ﴾ [آل عمران:181]
181 - لقدْ سَمِعَ اللهُ قولَ اليَهودِ عندَما قالوا: إنَّ اللهَ فقيرٌ ونحنُ أغنياء؛ وذلكَ لمَّا طَلبَ سُبحانَهُ منْ عِبادهِ أنْ يُنفِقوا مِنْ أموالِهمْ ليدَّخِرَها لهمْ ويَجزيَهمْ عليها خَيرَ الجزاءِ يومَ القيامة، فقالَ عزَّ مِنْ قائل:﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة:245]، قالتْ يَهود: "يا محمَّد، افتَقرَ ربُّك، يسألُ عبادَهُ القَرْضَ"! في كُفرٍ وسُوءِ أدَبٍ معَ ربِّ الكَون!
يقولُ سُبحانَهُ مُهَدِّدًا بما يَنتظرُهم: سنَكتُبُ قولَهمْ هذا ونُحاسِبُهم عليه، فلا هو مَنسِيٌّ ولا هوَ مُهْمَل، إلى جانبِ آثامٍ عَظيمةٍ أخرَى لهم، كقتلِهمْ أنبياءَ الله. وهمْ يَتباهَوْنَ بهذهِ الجرائمِ المنكَرةِ التي تَقشَعِرُّ منها الأبدَان، وتَنبِذُها الفِطَرُ السَّليمة. وسنَجزِيهمْ على ذلكَ شرَّ الجزاء، عَذابًا كبيرًا مُخيفًا لا يَعرِفُ قدْرَهُ وكيفيَّتَهُ إلا الله!
﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران:182]
182 - وهذا كلُّهُ بسببِ ما اقتَرفتْهُ أيديكمْ منْ أعمالٍ شَنيعةٍ أيُّها اليَهود، وهوَ جَزاءٌ حَقّ، لا ظُلمَ فيهِ ولا قَسوة، واللهُ لا يَظلِمُ عَبيدَه، فلا يوقِعُ بهمْ عَذابًا لا يَستَحِقُّونه، على الرَّغمِ منْ أنَّهم عَصَوا ربًّا، وهمْ عَبيد.
﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران:183].
183 - إنَّهمُ اليَهود، الذينَ زَعَموا أنَّ اللهَ قدْ أخذَ منهمْ عَهدًا كما هوَ في كتبِهم، ألاّ يُؤمِنوا بنبيٍّ حتَّى يَكونَ مِنْ مُعجِزاتهِ أنَّ أحَدًا مِنْ أتباعهِ لا يَتصدَّقُ بصَدَقةٍ مَقبولَةٍ إلاّ ونَزلتْ نارٌ منَ السَّماءِ فأكلتْها، في عَلامةٍ على قَبولها.
فقلْ لهم: لقدْ سبقَ أنْ بعَثَ اللهُ إليكمْ رُسُلًا مِنْ قَبلي مُؤيَّدينَ بمُعجِزات، منها ما ذَكرتمْ مِنْ قَرابينَ تأكلُها النَّار، ولكنَّكمْ لم تَقبلوا منهم، فلِمَ كذَّبتُموهمْ وقَتلتُموهم، إنْ كنتُمْ صادقينَ في دَعواكمْ بأنَّكم تَتَّبعونَ الحقَّ وتَنقادونَ للرُّسُل؟
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالكِتَابِ المُنِيرِ ﴾ [آل عمران:184]
184 - فإذا كذَّبوكَ ولم يَتَّبعوا ما أُرسِلْتَ به، فلكَ أسوَةٌ بمَنْ سَبقكَ مِنَ الأنبياءِ الذينَ كذَّبتْهمْ يَهود، وكذَّبوا ما جاؤوا بهِ مِنْ مُعجِزاتٍ وخَوارِق، وتَوجيهاتٍ إلهية، وكُتبٍ مُنْزَلَة، بيِّنةٍ جَليَّة.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ [آل عمران:185]
185 - فلا تَحزَنْ أيُّها الرسُول، فإنَّ كلَّ نفسٍ مَيِّتةٌ لا مَحالة، وبعدَها دارٌ يَتميَّزُ فيها المُحْسِنُ عنِ المُسِيء، ويُجازي اللهُ الخلائقَ بأعمالِهم، كثيرِها وقَليلِها، كبيرِها وصَغيرِها، فلا يُظْلَمُ أحدٌ مِثقالَ ذرَّة.
فمَنْ بَعُدَ عنِ النَّار ونجا منها وأُدخِلَ الجنَّةَ فقدْ فازَ وظفرَ ببُغيتِه، وما لذَّاتُ الحياةِ الدُّنيا وزَخارفُها إلا مَتاعٌ قَليلٌ زَائل.
﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران:186]
186 - وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ يُؤذَوْنَ مِنْ قِبَلِ المشرِكينَ واليَهودِ حينَ قُدومِهمُ المدينة، فأُمِروا بالعفوِ والصَّبر: سوفَ تُمتَحَنونَ أيُّها المسلِمونَ في أموالِكم بالنَّقص، وفي أنفسِكم بالأمراضِ والجِراحِ وما إليها - وقدْ أخذَ المشرِكونَ أموالَهمْ وعذَّبوهمْ في مكَّةَ - وسَتسمَعونَ منَ اليهودِ والنصارَى ومنْ المشرِكينَ كلامًا وهِجاءً مُؤذيًا، منَ الطَّعنِ في الدِّين، والتَّحقيرِ والاستِهزاء، والتَّحريضِ على القَتل، فإذا صَبرتمْ على أذاهُم، وعَفوتُمْ عنهم، واشتَغلتمْ بطاعةِ اللهِ وطلبِ رِضوانِه، فإنَّ ذلكَ مِنْ خيرِ الأمورِ وأفضلِها، حتَّى تَتقَوَّوا وتُرهِبوهُم.
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران:187]
187 - لقدْ أخذَ اللهُ العهدَ والميثاقَ على أهلِ الكتابِ أنْ يُبَيِّنوا للنَّاسِ أمرَ الرسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما علَّمهمْ أنبياؤهمْ وكما هو مسطَّرٌ في كتُبِهم، وألاّ يَكتُموه، حتَّى إذا أرسلَهُ اللهُ عَرفوهُ وتابَعوه، لكنَّهمْ طَرحوهُ وضَيَّعوهُ وتَركوا العَملَ به، واستَعاضوا بذلكَ الهدايا والمآكِلَ والرِّشا، حَظًّا دُنيويًا حَقيرًا مُقابلَ أمرٍ عَظيمٍ يترتَّبُ عليهِ تَضليلُ أُمَمٍ وأجيالٍ على مدَى قُرونٍ وأحقاب... فبئستِ التجارةُ تجارتُهم، وبئسَ ما يَشتَرون.
قالَ قتادةُ رحمَهُ الله: هذا ميثاقٌ أخذَهُ اللهُ تعالَى على أهلِ العِلم. فمَنْ عَلِمَ شَيئًا فليُعلِّمه، وإيّاكم وكِتمانَ العِلم.
وقالَ ابنُ كثير: في هذا تحذيرٌ للعُلماءِ أنْ يَسلُكوا مَسلكَهم، فيُصيبَهم ما أصابَهم...
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران:188]
188 - لا تَظُنَّنَّ الذينَ يَفرَحونَ بما اقتَرفوا مِنْ أفعالٍ سيِّئةٍ، ويُحِبُّونَ أنْ يُظهِروا للنَّاسِ أنَّ ما فَعلوهُ هوَ الحقّ، مثلما كانَ يَفعلُ اليَهودُ عندما يُسألونَ عنْ شَيءٍ مِنَ العلمِ الذي بأيدِيهم، فيُضَلِّلونَ الناسَ ويُجيبونَهمْ بكلامٍ فيهِ كَذِبٌ وتَحريف، ويَطلبونَ شُكرَ الناسِ لهمْ على إيمانِهمْ وأمانَتِهمْ في العِلم!! فلا تَظُنَّ أنَّهمْ بمَنجاةٍ منْ عِقابِ الله، ولسوفَ يُعَذِّبُهمْ عَذابًا مؤلمًا مُوجعًا.
﴿ وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران:189]
189 - واعلَموا أنَّ كلَّ شيءٍ ممّا في السَّماواتِ والأرضِ هوَ مُلْكٌ لله، فهوَ المتصرِّفُ فيهما كيفَما يَشاء، والقادرُ على ما يَشاء، لا يُعجِزُه شَيءٌ ممّا يُريدُ فيهما، فاخشَوهُ ولا تخالِفوه، واحذَروا نِقمتَهُ وغَضَبَه.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:190].
190 - إنَّ في خَلْقِ السماوات، بارتفاعِها واتِّساعِها، وما فيها منْ نُجومٍ وأفْلاك، والنظامِ الدقيقِ في سَيرِها، وتكامُلِ أنظمتِها وتنسيقِها، وعُمومِ نَواميسِها، والأرضِ وما فيها منْ أحياءٍ ونباتاتٍ شتَّى، وجِبالٍ شاهِقات، وبِحارٍ عَظيمة، ومَعادِنَ ومَنافِع، وفي تَعاقُبِ اللَّيلِ والنّهار، وكونِ كلٍّ منهما يَخلُفُ الآخَر، بحسَبِ طُلوعِ الشَّمسِ وغُروبِها، أو في تَفاوتِهما بازديادِ أحدِهما وانتِقاصِ الآخَر، كلُّ ذلكَ آياتٌ وأدِلِّةٌ عَظيمةٌ على أُلوهيَّةِ اللهِ ووَحدانيَّتِه، لمنْ عَقَلَ منَ النَّاسِ وأدركَ الأشياءَ على حقائقِها، وتجرَّدَ منْ شَوائبِ الوَهمِ والتَّقليد، فتَفكَّرَ، وصَدَّق، واعتَبر، وآمَن، واستَسلمَ للحَقّ.
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران:191].
191 - إنَّهمُ المؤمِنونَ إذًا، الذينَ لا يَكِلُّونَ ولا يَمَلُّونَ مِنْ ذكرِ الله، ولا يَغفُلونَ عنهُ في عامَّةِ أوقاتِهم، لمعرفتِهمْ بأنَّهُ الحقُّ الذي يَنبَغي ألاّ يُنسَى، ولخُشوعِهم، واطمئنانِ قلوبِهمْ بذكرِه، فيَذكرونَهُ قائمين، وقاعِدين، ومَضطَجِعِين، ويَتفكَّرونَ في عظمةِ خَلْقِ الله، الدالَّةِ على علمهِ وقُدرتهِ وعَظمتهِ وحِكمتِهِ سُبحانه، ويَتأمَّلونَ فيما خلقَ وبَثَّ في السَّماواتِ والأرضِ مِنْ بَديعِ صُنعِه، ويَقولون: ربَّنا ما خَلقتَ هذا الكونَ عَبَثًا وهَزْلًا، فأنتَ مُنَزَّهٌ عنِ النقائصِ والعَيْبِ والعَبَث، بلْ هوَ لحِكَمٍ عَظيمةٍ وأمورٍ جَليلَة، ليَعرِفَ الناسُ ربَّهمُ العَظيم، وليَعرِفوا بَديعَ صُنعِه، وليَعبُدوه، وليَجزيَ مَنْ آمنَ بالحقِّ بالحُسنى، ومَنْ كفرَ وأساءَ بالسُّوء.
اللهمَّ فإنَّا آمنَّا بكَ إلهًا واحِدًا وخالقًا عَظيمًا لا شَرِيكَ لك، فأجِرْنا منَ النار، بهدايتِنا وتوفيقِنا إلى الأعمالِ الصَّالحة، وبرحمَتِك، ونَعوذُ بكَ أنْ نَكونَ ممّن يَكفرونَ بكَ وبنعمتِك.
﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران:192]
192 - اللهمَّ إنكَ مَنْ أدخلتَهُ النارَ فقدْ أبعَدتَهُ منْ رحمَتِك، وأهنتَه، وأهلكتَه، ولا مُجِيرَ للظالمينَ -أمثالِهم - منكَ ولا نَصير، ولا مَحِيدَ لهمْ عنِ النار.
﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران:193].
193 - ربَّنا إنَّنا سَمِعنا داعيًا يَدعو إلى الإيمان، وهوَ نبيُّكَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، أنْ آمِنوا بربِّكم، مالكِكمْ ومُتَولِّي أمورِكم، فامتَثلنا أمرَه، وأجبنَا نِداءَهُ واتَّبعناه، اللهمَّ فذاكَ إيمانُنا، وهذا دعاؤنا، فاغفِرْ لنا ذُنوبنَا، كبيرَها وصَغيرَها، وألحِقنا بعبادِكَ الصالحينَ الأبرَار، خُصَّنا بصُحبتِهم، واجعَلنا في جِوارِهم.
﴿ رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيعَادَ ﴾ [آل عمران:194]
194 - اللهمَّ وأعطِنا ما وَعدتَنا منَ الثَّوابِ على ألسنةِ رُسُلِك، ولا تُبعِدْنا عنْ رحمتِكَ يومَ القيامةِ فنَهلِك، إنَّكَ لا تُخلِفُ ما وَعدتَ بهِ منَ الفَضلِ والرَّحمَة.
وتُستَحَبُّ قِراءَةُ الآياتِ (190 - 194) عندَ القيامِ منَ اللَّيل.
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران:195]
195 - فأجابَ اللهُ دُعاءَهم، أنِّي لا أُضِيْعُ عملَ أحَدٍ منكمْ مهما كانَ صَغيرًا، بلْ يُوَفَّى كلٌّ جزاءَ ما عَمِل، الذكَرُ منكمْ والأُنثَى سَواء، فأنتُمْ مِنْ أصلٍ واحِد، والجميعُ يَنالُ ما يَستَحِقُّ مِنَ الثَّواب.
فالذينَ أُخرِجوا مِنْ ديارهِم وهاجَروا لمضايقةِ المشرِكينَ لهمْ وإلحاقِ الأذَى بهمْ والضَّررِ بأموالِهم، لا لشيءٍ سِوَى لاعتِناقِهم دينَ الإسلام، ثمَّ جاهَدوا في سبَيلِ الله، فمنهمْ مَنْ قاتلَ وأبلَى بلاءً حَسنًا في قوَّةٍ وصَبر، وعَزمٍ وبُطولة، ورأى النَّصر، ومنهمْ مَنْ قاتَل حتَّى قُتِل، فهؤلاءِ سأغفِرُ جميعَ ذنوبِهم، وأُدخلُهمْ جَنّاتٍ تَجري في خِلالِها الأنهارُ، جزاءً عظيمًا مِنْ ربِّهمُ الكريم، وعند اللهِ الجزاءُ الحسَنُ لكلِّ مَنْ آمنَ وعَمِلَ صالحًا.
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلَادِ ﴾ [آل عمران:196]
196 - لا تَنظُرْ إلى الكافِرينَ والعُصاةِ مِنْ أعداءِ الدِّينِ وما همْ فيهِ مِنْ مَظاهرِ النِّعمةِ والتَّرَفِ، والغِبْطةِ والمَكانة، ولا تَلتَفِتْ إلى تصرُّفِهمْ في البلادِ بالتجارةِ وأنواعِ المَكاسِب.
﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ ﴾ [آل عمران:197]
197 - فعمَّا قَليلٍ يَذهَبُ ما همْ فيهِ مِنْ سُرور، ويَنتهي ما كانَ في أيدِيهمْ منْ مَتاع، ويَزولُ عنهمْ كلُّ شيءٍ كانوا عَليه، ويَبقونَ مُرتَهنينَ بأعمالِهمُ السيِّئة، التي تأخذُهمْ إلى جَهنَّم، ليَفترِشوا بُسُطًا مِنْ نار، وبئسَ الفِراشُ والمَصير!
﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران:198]
198 - وفي مُقابِلهمُ المؤمِنون، الذينَ سَمِعوا نِداءَ الإيمانِ فآمَنوا وثَبتُوا، وعَزمُوا على الأعمالِ الصَّالحةِ والتزَموا، فجَازاهمُ اللهُ جَنَّاتٍ واسِعات، تَجري في خِلالها الأنهارُ المتنوِّعَة، ضيافةً منَ الربِّ الكريم، والذي عندَ اللهِ ممّا ذُكِرَ مِنَ النَّعيم، ومنْ خُلودٍ دائمٍ ورِضوانٍ منَ الله، هوَ خَيرٌ لأوليائهِ المتَّقين، ممّا يَتقلَّبُ الفُجَّارُ في المَتاعِ القَليلِ الزَّائل.
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ [آل عمران:199]
199 - وهناكَ طائفةٌ مِنْ أهلِ الكِتابِ يؤمِنونَ باللهِ حَقَّ الإيمان، ويؤمِنونَ بما أُنْزِلَ على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إضافةً إلى إيمانِهمْ بالكُتُبِ المتقدِّمة، مثلَ المسلِمين، معَ خُشوعٍ وخَشيةٍ منَ الله، وطاعةٍ لهُ وتَذَلُّل، ولا يَكتُمونَ صِفَةَ رسولِ اللهِ ومَبعثَهُ ممّا يَقرَؤونَهُ في تلكَ الكتُب، وليسُوا مثلَ غيرِهمْ منْ أهلِ الكتابِ الذينَ يُحرِّفونَها مُقابِلَ هَدايا ورِشًا، أو يَكتُمونَ ما بها مِنْ بِشاراتٍ بالرسُولِ الكريم؛ حَسَدًا وبَغيًا وعِنادًا، فمَنْ آمنَ منهمْ يَكونُ مِنْ خِيْرةِ أهلِ الكتابِ وصَفوتِهم، ولهمْ أجرُهمْ عندَ ربِّهمْ مثلَ بَقيَّةِ المؤمِنين، لا فرقَ بينَهم، واللهُ سَريعُ الحِساب، على كثرةِ عبادِه، وكثرةِ أعمالِهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200]
200 - يا عبادَ اللهِ المؤمِنين، اصبِروا على دينِكمُ الذي ارتَضاهُ اللهُ لكم، في الشدَّةِ والرَّخاء، حتَّى تَموتوا عليه، فهوَ زادُكمُ الذي تَتمسَّكونَ بهِ حتَّى يَبْلُغَكمُ المَقِيل.
وصابِروا أعداءَكمُ الذينَ يُحاولونَ دائمًا أنْ يُزَعزِعُوا إيمانَكمْ ويَقضُوا عَليكم، فكونُوا أصبرَ منهمْ وأقوَى حتَّى تَغْلِبوهُم.
ورابِطوا في مواقعِ الجهادِ وفي الثغورِ المعرَّضةِ لهجومِ الأعداء، لا تَغْفُلوا عنْ هذا ولا تَستَسلِموا للرُّقاد.
ويأتي معنَى المرابطةِ هُنا أيضًا - مِنْ بابِ التنوُّعِ في التَّفسير -: المداومةُ على العبادةِ والثباتُ على طاعةِ الله.
واتَّقوا اللهَ في جميعِ أمورِكمْ وأحوالِكم، ولا تَغفُلوا عمّا أُمِرْتمْ به.
حتَّى تَكونوا بهذا كلِّهِ منْ الفائزين، مُعَزَّزين في الدُّنيا، ومُكرَّمينَ في الآخِرَة.


مِنْ فضائلِ هذهِ السُّورَةِ الكريمَة، قَولُهُ صلى اللهُ عليه وسلم: "اقرَؤوا الزَّهراوَين: البَقَرَةَ وسُورَةَ آلِ عِمران، فإنَّهما تَأتيانِ يَومَ القيامَةِ كأنَّهُما غَمامَتان، أو كأنَّهما غَيَايَتان، أو كأنَّهما فِرْقَانِ مِنْ طَيرٍ صَوَافَّ، تُحاجَّانِ عَنْ أصحَابِهما". رواهُ مسلمٌ وغَيرُه.
والغَمامَةُ والغيَايَة:
السَّحابَة. والفِرْق:الطائفَةُ منَ الشَّيءِ المتفَرِّق. والطَّيرُ الصَّوَافّ: التي تَصُفُّ بأجنِحَتِها فلا تُحَرِّكُها.


بحر الامل

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات , مسابقات ، فعاليات ، قصص ، مدونات ، نكت , مدونات , تصميم , شيلات , شعر , قصص , حكايات , صور , خواطر , سياحه , لغات , طبيعة , مفاتيح , ستايلات , صيانه , تهيئة , قواعد , سيرفرات , استضافه , مناضر, جوالات





 توقيع : نزف القلم

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس