منتديات بحر الامل

منتديات بحر الامل (http://www.bhralaml.com/vb/index.php)
-   ۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ (http://www.bhralaml.com/vb/forumdisplay.php?f=106)
-   -   الواضح في التفسير الحلقة الخامسة والعشرون (http://www.bhralaml.com/vb/showthread.php?t=28282)

نزف القلم 2020-04-21 03:29 PM

الواضح في التفسير الحلقة الخامسة والعشرون
 
الواضح في التفسير
(الحلقة الخامسة والعشرون)
أ. محمد خير رمضان يوسف
الجزء السابع
سورة الأنعام
(الآيات59 - 110)
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]
59- وعندَ اللهِ وحدَهُ خَزائنُ الغَيب، فلا يَعلمُها إلاّ هو، ومنها: العذابُ الذي تَستَعجِلونه، فلا أدري هلْ يكونُ أمْ لا، وإنْ كانَ فمتَى هو؟ واللهُ سُبحانَهُ يَعلمُ كلَّ ما يَجري على الأرض، مِنْ بَرٍّ وبَحر، ويَعلَمُ عددَ ما يَسقطُ مِنْ ورقِ الشجرِ وما يَبقَى عليه، وليسَ هناكَ مِنْ أمرٍ إلاّ ويَعلمُ حركتَهُ وأحوالَه، مهما دَقَّ وأينَما كان، فلا توجَدُ حَبَّةٌ في باطنِ الأرض، مهما كانَ بَعيداً ومُظلِماً، ولا جَمادٌ أو نَباتٌ أو حَيوان، أو أيُّ شَيء، إلاّ وهوَ في علمِ اللهِ ومُدَوَّنٌ في اللَّوحِ المحفُوظ.

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 60]
60- وهوَ اللهُ الذي يَقبِضُ أرواحَكمْ إذا نِمتُمْ باللَّيل، ويَعلَمُ ما كسَبتمْ منَ الأعمالِ بالنَّهار، ثمَّ يوقِظُكمْ فيهِ بعدَ نومِكمْ باللَّيل، لتَقضوا في الحياةِ أجلَكمُ المكتوبَ لكمْ باستِيفاءِ أعمارِكمْ بالكامِل، ثمَّ تموتونَ وتَقومونَ إلى اللهِ للحِساب، فيُخبِرُكمْ بأعمالِكمْ في تلكَ اللَّيالي والأيام، ويُجازيكمْ عليها، إنْ خَيراً أو شَرّاً.

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]
61- وهوَ القَاهرُ المُتَعَال، الذي خضعَ كلُّ شَيءٍ لعظَمتِه، لا يُعجِزهُ شَيءٌ ممّا يُريد ،ولا يَحُولُ بينَهُ وبينَ ما يُريدُهُ بعِبادهِ قوَّةٌ أو عائق. ويُرسِلُ عليكمْ مَلائكةً يُحصُونَ أعمالَكمْ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، حتَّى إذا انتَهتْ أيّامُ أحدِكمْ وحانَ أجلُ موتِه، قَبضَتْ روحَهُ ملائكةٌ مِنْ أعوانِ مَلَكِ الموت، الموكَّلِ بقَبضِ الأروَاح، وهمْ لا يُقَصِّرون، فيُنـزِلونَ روحَهُ حيثُ تَستحقّ، في عِلِّيينَ أو في سِجِّين.

﴿ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]
62- ثمَّ رُدَّ العِبادُ بعدَ البَعثِ والحَشرِ إلى موضعِ العَرْضِ والسُّؤال، ليَحكُمَ فيهمْ ويُجازيَهمْ على أعمالِهمْ بالعَدلِ وليُّ أمرهمْ ومالكُهمْ ومالكُ يومِ الدينِ كلِّه، ولهُ القَضاءُ يومَئذٍ دونَ خَلْقِهِ كلِّهم، وهوَ -جلَّ جَلالهُ- إذا حاسبَ فحِسابهُ سَريع، يُحاسِبُ الناسَ كلَّهمْ بنَفسهِ دونَ الاستِعانةِ بأحَد، في أسرعِ زمانٍ وأقصَرِه، على كثرَتِهمْ وكثرَةِ أعمالِهم.

﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 63]
63- قُلْ: مَنْ يُخلِّصُكمْ منَ الشَّدائدِ والأهوالِ التي تُصيبُكمْ إذا كنتُمْ مُسافِرينَ في البَحرِ فأحاطَتْ بكمُ الأمواجُ مِنْ كلِّ مكان، وقَذفَتْكُمُ الرياحُ العاتيَةُ في وسَطِ البَحر، أو في صَحارَى ومَهامهِ البَرّ، أو الجبالِ العَاليةِ والأوديةِ العَميقة، أو وقَعتْ أحداثٌ طبيعيَّةٌ بقَضاءِ اللهِ وقَدَره، فاهتزَّتِ الأرضُ وانفَجرتِ البراكينُ وهاجَتِ الأعاصير، أو لازمَتْكُمُ الأمراضُ ولا عِلاج، فتلجَؤونَ إليهِ وتَستَغيثونَ بهِ سرّاً وإعلاناً، قَلباً ولِساناً، مُخلِصينَ له الدِّين، لا تَدعونَ غيرَه، وتَقولون: لئنْ أنجانا اللهُ مِنْ هذا الكَرْبِ والضائقةِ لقدَّرنا نِعَمَهُ الجَليلة، وقُمنا بحقِّها كما يَنبَغي، حامِدينَ شاكِرين.

﴿ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 64]
64- فقُلْ لهمْ: إنَّ اللهَ يُنَجِّيكمْ منْ هذهِ الكرُباتِ وغَيرِها، لكنْ بعدَ أنْ يبلِّغَكـمْ بَرَّ الأمانِ ويُعافيَكمْ ممّا أصابَكم، تَعودونَ فتُشرِكونَ في عبادتِه، ولا توفُونَ بالعَهد.

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]
65- قُلْ لهمْ: إنَّ اللهَ قادرٌ على ابتلائكمْ وإلقائكمْ في المهالِك، وعلى التَّنكيلِ بكمْ بعدَ عودتِكمْ إلى الشِّرك -وقدْ نجّاكمْ ممّا أصابَكمْ مِنْ كَرْبٍ وشِدَّة- بعَذابٍ مِنْ فَوقِكم، كالصَّيحةِ والحِجارةِ والرِّيحِ والطُّوفان، أو مِنْ تحتِكم، كالرَّجْفةِ والخَسف، أو بأنواعٍ أخرَى منَ العُقوبات .. أو يَخلِطَ عليكمْ أمرَكمْ ويَبُثَّ فيكمُ الأهواءَ المختَلِفة، ويُسَلِّطَ بَعضَكمْ على بَعضٍ بالعَذابِ والقَتل.

انظرْ كيفَ نَعِظُهمْ ونُنذِرُهمْ، ونبيِّنُ لهمُ الأمورَ ونُكرِّرُها، وننوِّعُها بأساليبَ مختَلِفة، ليَفهَموا ويَتدبَّروا، ويُدرِكوا ما همْ عليهِ وما هوَ مَطلوبٌ منهم.

﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]
66- وكذَّبَ المشرِكونَ مِنْ قومِكَ بالقُرآنِ وهوَ الكتابُ الصَّادقُ الذي لا ريبَ فيه، قلْ لهم: لستُ رقيباً عليكمْ ولا مُسَلَّطاً على قلوبِكمْ لألزِمَكـمْ بالإسْلام، إنَّما أنا رَسُولٌ مُبَلِّغ، فمَنْ شاءَ آمن، ومَنْ شاءَ كَفر، وعاقِبَةُ كلِّ ذلكَ على صَاحبِه.

﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 67]
67- لكلِّ خَبَرٍ حَقيقةٌ ومُنتَهًى يَنتهي إليهِ ولو بعدَ حين، ومنهُ عذابُكم، فيَتبيَّنُ الحقُّ منَ الباطِل، والصِّدقُ منَ الكذِب، إنْ عاجِلاً في الدُّنيا، أو آجِلاً في الآخِرَة، وسوفَ تَعلمونَ ذلكَ في الحالَين.

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]
68- وإذا رأيتَ المشرِكينَ يَتكلَّمونَ على القُرآنِ بالتَّكذيبِ والاستِهزاءِ والطَّعن، فاتركهُمْ ولا تُجالِسْهُمْ حتَّى يأخذوا في كلامٍ آخَر، فإذا أنساكَ الشَّيطانُ ذلكَ ثمَّ تذكَّرت، فلا تَقعُدْ بعدَها معَ القَومِ الذينَ تَجاوزوا الحقَّ بالتَّكذيبِ والمخاصَمَةِ والعِناد.
وذكرَ بعضُهمْ أنَّها مَنسوخةٌ بآيةِ السيف.

﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 69]
69- وليسَ على المؤمِنينَ الذينَ يَبتَعدونَ عنْ حَديثِهمْ ولا يُشارِكونَ في مَجالسِهمْ حَرَجٌ ولا إثمٌ إذا خاضَ المشرِكونَ في ذلك، ممّا يُحاسَبونَ همْ عليه، ولكنَّهمْ يُذَكَّرونَ لعلَّهمْ يَنتَهونَ عنْ ذلك،؛ حياءً، أو كراهةَ مَساءَتهم.

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70]
70- ودَعِ الكافِرينَ الذينَ فُرِضَ عليهمْ أنْ يَدِينوا بالإسْلامِ فسَخِروا منه وعَبَثوا بهِ ولم يُبالوا، وخُدِعوا بما في الدُّنيا مِنْ لَذَّةٍ ومَتاعٍ ووَلد، حتَّى أنكَروا البَعث، فذكِّرْ بهذا القُرآن، وحذِّرِ الناسَ مِنْ نِقمةِ اللهِ وعَذابِه، حتَّى لا تُحْبَسَ نَفسٌ وتؤاخَذَ بسبَبِ عملِها السُّوء، وليسِ لها يومَ القيامَةِ ناصرٌ يلي أمرَها أو قريبٌ يَشفَعُ لها، فالأمرُ يَومئذٍ للهِ وحدَه.

ولو بَذلَتْ هذهِ النفسُ كلَّ ما تَقدِرُ عليهِ مِنْ بَذل، وفَدَتْ كلَّ فِداء، لمَا أُخِذَ منها، ولمَا نُظِرَ فيه، أولئكَ الذينَ اتَّخذوا دينَهمْ لهواً ولَعِباً قدْ حُوسِبوا على أعمالِهمُ السيِّئة، وحُرِموا الثَّواب، وسُلِّموا للعَذاب، فلهمْ شَرابٌ مِنْ مَاءٍ حارٍّ جدّاً يُقطِّعُ أمعاءَهم، ونارٌ عَظيمةٌ تُحرِقُ أجسادَهمْ وتأتي على أفئدتِهم، جزاءَ كُفرِهمْ وعنادِهمْ وتكذيبِهمُ الرسُل.

﴿ قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71]
71- قلْ للمُشرِكين: أنَتركُ عبادةَ اللهِ وحدَهُ ونعبدُ أصناماً جامدةً لا تَفقَهُ ولا تَعي، ولا تَنفعُ ولا تَضُرّ، ونَرجِعُ بذلكَ إلى درَكاتِ الكُفرِ والضَّلالِ بعدَ أنْ هَدانا اللهُ بالإسلام، وأنارَ لنا سَبيلَ الإيمان، وبصَّرَنا بالحقّ، فنَكونَ كمنْ كانَ معَ جماعَة، فابتَعدَ عنهم، وسلكَ طريقاً آخَر، ومضَى هَائماً على وجهِه، قدْ ذهَبتْ بهِ مَرَدَةُ الجنِّ في المَهامهِ والقِفار، ورُفَقاؤهُ يُنادونَهُ ليعودَ إلى الطَّريقِ الصَّحيح، فيأبَى، ويختارُ الضَّلال.

قلْ لهؤلاءِ الكفّار: إنَّ هدايةَ اللهِ التي أكرمَنا بها، وهيَ الإسلام، هيَ الطَّريقُ المستَقيم، ودينُ اللهِ القويم، وقدْ أُمِرْنا بالإخلاصِ في العِبادةِ لهُ وحدَهُ لا شَريكَ له.

﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 72]
72- وأُمِروا بأنْ يواظِبوا على الصَّلاة، ويَتَّقوا اللهَ في جَميعِ الأحوال، ويَبتَعدوا عنْ مُخالفتِه، فهوَ الذي تُحشَرونَ إليهِ يومَ القيامة، فيُحاسِبُكمْ على أعمالِكمْ ويُجازيكمْ عليها.

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 73]
73- وهوَ الذي خلقَ السَّماءَ والأرضَ وأبدعَ صُنعَهما على غيرِ مثالٍ سَبق، بالحقِّ والعَدل، لا عنْ عَبَثٍ وبُطلان، ويوجِدُ يومَ القيامَةِ وما فيهـا مِنْ أشياءَ بقولهِ كنْ فيَكون، كبَعثِ الأمواتِ للحِساب، فقولهُ الحقّ، صِدقاً وواقِعاً، ووَعدُهُ كائنٌ لا مَحالة، ولهُ الملكُ يومَ يُنفَخُ في الصُّورُ ليقومَ الناسُ ويَجتَمعوا في المَحشَر، ولا يدَّعي مُلْكَ ذلكَ اليومِ لنفسهِ غَيرُه، وهوَ العالِمُ بكلِّ ما غابَ وحَضر، وبَعُدَ وقَرُب، حَكيمٌ في كلِّ ما يَفعل، خَبيرٌ بما دَقَّ وجَلَّ.

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام: 74]
74- واذكرْ قولَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ لأبيهِ آزَرَ على عبادتهِ الأصنام: أتجعَلُ هذهِ الأصنامَ آلِهةً لكَ تعبدُها مِنْ دونِ الله؟ أرى أنَّكَ وقومَكَ الذينَ اتَّبَعوكَ في ضَلالٍ بيِّنٍ وبُعدٍ عنِ الحقّ، وحَيْرةٍ وجَهل.

﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75]
75- وكذلكَ نُمَكِّنُ إبراهيمَ منَ النظَرِ في مالِكيَّةِ اللهِ للسَّماواتِ والأرض، ليَستَدِلَّ بذلكَ على قُدرتهِ وعَظمتهِ ووحدانيَّتهِ في خَلْقهِ ومُلكِه، وليَكونَ منَ الراسِخينَ في العِلمِ والإيمان، مُشاهَدةً ويَقيناً.

﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ﴾ [الأنعام: 76]
76- وكانَ إبراهيمُ مُناظِراً لقَومِه، فأرادَ أنْ يُعَرِّفَهمْ كذلكَ خطَأهمْ وجَهلَهمْ وبُطلانَ ما همْ عليهِ مِنْ عِبادةِ الكواكبِ والنُّجوم، بعدَ بيانِ بُطلانِ إلهيَّةِ الأصنام. وفي المساء، عندما بدأ ظلامُ الليلِ يَنتَشر، رأى كوكباً مُضيئاً يَطْلُع، فقالَ لقومِه: هذا ربِّي، في زَعمِكمُ الباطِل. فلمّا غابَ قال: لا أحِبُّ الأربابَ المتغيِّرينَ مِنْ حالٍ إلى حال، والربُّ دائمٌ لا يَغرُبُ ولا يَزول.

﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ [الأنعام: 77]
77- فلمّا رأَى القمرَ طالِعاً قدْ شَقَّ الظُّلمةَ وانتَشرَ ضَوؤه، قال: هذا ربِّي، في زَعمِكم. فلمّا غابَ مثلَ غيابِ الكَوكب، قال: إذا لم يَدُلَّني ربِّي على الحــقّ، فسأبقَى تَائهاً ضَائعاً، مثلَ القَومِ الضالِّينَ الذينَ يَعبدونَ ما لا تَعقِل.

﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 78]
78- فلمّا رأى الشمسَ طالِعةً قدْ بَدَّدتْ ظُلمةَ الليلِ مِنْ إشراقِها، قال: هذا ربِّي، في زعمِكم، فهوَ أكبرُ مِنَ الكَوكبِ ومنَ القَمر. فلمّا غابَتْ هي الأخرَى قال: يا قوم، إنَّ هذهِ الكَواكبَ والنُّجومَ ليستْ بأرْباب، فهيَ تَطلُعُ وتَغيبُ ثمَّ تَعودُ إلى ما كانتْ عليه، فهيَ كغَيرِها منَ الأجرامِ مُسَخَّرةٌ مُقَدَّرة، لا تَملِكُ لنفسِها تَصرُّفاً، وأنا بَريءٌ مِنْ عِبادتِها، ومنْ إشراكِكمْ إيّاها في عِبادةِ الله.

﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79]
79- إنِّي قدْ توجَّهتُ بعِبادتي وأخلصتُ ديني لمنْ خلقَ السَّماواتِ والأرض، وما فيهنَّ مِنْ أجرامٍ وأحياءٍ ونَباتٍ وجَمادٍ وبِحار، مائلاً عنْ كلِّ باطِلٍ وشِركٍ في الأديانِ والعَقائدِ الفاسِدة، إلى الحقِّ والتوحيدِ الخالِص، ولستُ منَ المشرِكينَ في شَيءٍ منَ الأقْوالِ والأفْعال.

﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 80]
80- وجادلَهُ قومهُ في أمرِ التوحيدِ وخاصَموهُ في عبادةِ اللهِ دونَ الأصنام، فقالَ لهم: أتجادِلُونَني في أمرِ اللهِ وقدْ بصَّرني بالحقِّ وهَداني إلى التوحيد، ولا أخافُ منْ هذهِ الأصنامِ التي تَعبدونها وتَظنُّونَ أنَّها تَضُرُّ مَنْ يَستَهزِئُ بها، فهي أحجارٌ صمّاءُ صنَعتُموها بأيديكم، فإذا أصابَني شَيءٌ فمِنْ جهةِ اللهِ وبتَقديرهِ ولا علاقةَ لأصنامِكمْ بها، قدْ أحاطَ ربِّي عِلمًا بكلِّ المخلوقات، فلا يَخفَى عليهِ شَيءٌ منها ومِنْ أحوالِها، أفلا تَفقَهونَ وتَعتبِرونَ ممّا قلتُهُ لكم، فتَتركوا عبادةَ الآلهةِ الباطِلة، وتَتوجَّهوا إلى اللهِ الواحِدِ الأحَدِ في عبادتِكمْ ودُعائكم، وخوفِكمْ ورجائكم، وفي السرّاء والضرّاء؟!

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 81]
81- وكيفَ أخافُ مِنْ أصنامِكمُ المصنُوعةِ مِنْ حِجارة، وهيَ لا تَسمعُ ولا تَتكلَّم، ولا تَدري بأمرِ عِبادتِكمْ لها، وأنتُمْ لا تَخافونَ مِنْ إشراكِكُمْ باللهِ العَظيمِ وعبادتِكمْ مِنْ دونه، وهوَ خالقُ السَّماواتِ والأرضِ وما فيهما مِنْ أشياء، على كثرتِها وتنوُّعِها، وعبادتُكمْ لها لا أساسَ لها مِنَ الصحَّة، فلمْ يُنـزلِ اللهُ بذلكَ حُجَّةً ولا دَليلاً، وأمرُ العبادةِ مَتروكٌ للهِ وحدَه، لا يَشْرَعُ الإنسانُ شَيئاً منها.

فأيُّ الجانبَينِ على الحقِّ والصَّواب: الذي يَعبدُ ما لا يَضرُّ ولا يَنفَع، أمِ الذي يَعبدُ مَنْ بيدهِ الضرُّ والنَّفع؟ وأيُّهما أحقُّ بالأمنِ منْ عَذابِ الله، أخبِروني بذلكَ إنْ كنتُمْ منْ أهلِ العِلم.

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾[الأنعام: 82]
82- إنَّ الذينَ آمَنوا حقَّ الإيمان، ولم يَخلِطوا إيمانَهمْ بشائبةٍ مِنْ شِرك، فهمُ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ يومَ القيامَة، وهمُ المهتَدونَ إلى العَقيدةِ الصَّحيحَة، ومَنْ عَداهُمْ في ضَلال، كمنِ ادَّعى الإيمانَ وهوَ يتَّخِذُ الطَّواغيتَ شُفَعاءَ إلى الله، ويَعتبِرُ ذلكَ مِنْ تَتِمّات الإيمانِ بالله!

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83]
83- وما احتجَّ بهِ إبراهيمُ على قومِهِ مِنْ فَسادِ عَقيدتِهمْ وصحَّةِ ألوهيَّةِ اللهِ وربوبيَّته، هوَ ما حكمَ اللهُ عليهِ بالصِّدقِ والرُّشد، نَرفَعُ شَأنَ مَنْ نُريدُ فنَهَبُهُ العِلمَ والحِكمةَ والتَّوفيق، واللهُ حَكيمٌ فيما يَفعلُ ويُقَدِّر، عليمٌ بمنْ يَستَحِقُّ الهِدايةَ والضَّلال، وبمنْ يَرفعُ درجتَهُ أو يَحُطُّها.

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84]
84- ووَهبنا لإبراهيمَ بعدَ أنْ كَبِرَ في السنِّ وأيسَتْ زوجتُهُ سارة: إسحاقَ، وابنَهُ يَعقوب، لتقَرَّ عينهُ باستِمرارِ العَقِب، كِلاهما صالِحٌ مُهتَدٍ ونَبيّ. وقبلَ إبراهيمَ نوح، هَديناهُ وجعَلناهُ نبيّاً كذلك، ووَهبنا لهُ ذُرِّيةً صالِحة، فالنَّاسُ كلُّهمْ مِنْ ذُرِّيتِه، والأنبياءُ كلُّهم مِنْ ذُرِّيةِ إبراهيم، منهمْ داود، وسُلَيمان، وأيُّوب، ويوسُف، وموسى، وهارون، وكذلكَ نَجزيهمْ خيراً كما جَزينا جَدَّهمْ إبراهيم، ونرفَعُ درَجاتِهم.

﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنعام: 85]
85- ومِنْ ذرِّيتهِ زَكريّا، وابنُهُ يَحيَى، وعيسَى، وكلُّ هؤلاءِ صالِحونَ مُهتَدون، أنبياءُ مُكرَمون.

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 86]
86- وكذا إسماعيل، واليَسَع، ويونُس، ولُوط، وهوَ ابنُ أخي إبراهيم، دخلَ في ذرِّيتهِ تَغليباً، وكلُّ واحدٍ مِنْ هؤلاءِ فَضَّلناهُ بالنبوَّةِ على العالَمِ كلِّه، في وقتِهم. عليهمْ جَميعًا صَلواتُ اللهِ وسَلامُه.

﴿ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 87]
87- وممَّنْ شَمِلَهمْ تَوفيقُ اللهِ وهدايتُه، بَعضُ آبائهم، وذُرِّياتِهم، وإخوانِهم، فقدِ اصطَفَيناهمْ وهدَيناهمْ إلى الطَّريقِ الصَّحيحِ والثَّباتِ على طاعَةِ الله.

﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]
88- تلكَ هدايةُ الله، يَهدي بها مَنْ شاءَ مِنْ عِبادهِ ممَّن وجدَ عندَهمُ الاستعدادَ والتقبُّل، وزادَهمْ إحسَاناً وتَوفيقاً، ولو أنَّهمُ انحرَفوا وأشرَكوا لبَطَلَ ثوابُ أعمالِهمُ الصَّالحة، ولو كانوا أصحابَ وَجاهةٍ وفَضل.

﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 89]
89- أولئكَ الأنبياء، الذينَ أنعَمنا عليهم، فأنزَلنا عليهمُ الكتاب، ووهَبناهُمْ مَعرِفةَ حَقائقِ الأشياء، والقُدرةَ على تَفهُّمها، والحكمَ فيها بالحقِّ والعَدل، وآتيناهُمُ النبوَّة، ليُعَلِّموا الناسَ ويُبيِّنوا لهمُ الطريقَ الصَّحيحَ في شؤونِهمُ الحياتيَّةِ والأُخرَويَّة، فإنْ يَكفُرِ المشرِكونَ بالنبوَّة، فقدْ وفَّقنا للإيمانِ بها والقيامِ بحقوقِها قوماً آخَرِينَ لا يَجحَدونها، بلْ يُقيمونَ عليها ويُدافِعونَ عنها بأرْواحِهم.

﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]
90- أولئكَ الأنبياءُ المذْكورونَ همُ الذينَ هَديناهُمْ إلى الحقّ، فسِرْ على طريقتِهمْ في الإيمانِ والتوْحيد.
وقُلْ إنَّني لا أطلبُ على تَبليغي هذا الدِّينَ أُجرَة، وما هوَ إلاّ تَذكيرٌ للناسِ وإرشادٌ لهمْ إلى طَريقِ الحقّ، وبيانٌ للهُدَى والإيمان، وتحذيرٌ منَ الكفر ِوالضَّلال.

﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91]
91- وما عظَّموا اللهَ التعظيمَ المطلوب، ولا عَرَفوهُ حقَّ معرفتِه، عندما أنكَروا الكتُبَ السَّماويَّة، وكذَّبوا الرُّسل، وكفَروا بالوَحي المُنـزَلِ منْ عندِ الله، فقلْ لهؤلاءِ المشرِكينَ المُنكرِينَ -أو اليهودِ-: لماذا تُنكِرونَ تَنـزيلَ القُرآنِ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتؤمِنونَ بالتوراةِ المُنـزَلةِ على موسَى لتكونَ هِدايةً للناسِ وإرشاداً لهمْ في الحياةِ إلى الحقّ، وأنتُمْ تَنقلونَ منها فِقْرات ٍوفُصولاً وتَجعلونَها في أوراق، بعدَ تَحريفِها وتَزويرِها وإخفاءِ كثيرٍ منَ المعلوماتِ فيها، وتَقولونَ للناسِ هذا منْ كتابِ اللهِ المنُـزَل؟!

وقدْ جاءَكمْ منَ الأخبارِ والقَصَصِ والآياتِ في القُرآنِ ما لا عهدَ ولا علمَ لكمْ ولا لآبائكمْ بها. قلْ لهم: إنَّ اللهَ هوَ الذي أنزلَ هذهِ الكُتب، ومنها القُرآنُ الكريم، ثمَّ دَعْهُمْ في باطلِهمْ وضَلالِهمْ يلتَهون.

﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92]
92- وهذا القُرآنُ أنزلناهُ مِنْ عندِنا لا ريبَ فيه، كثيرُ الفائدةِ والنَّفع، كلُّهُ حقٌّ وهِداية، وتَوجيهٌ وحِكمة، مُصَدِّقٌ للكُتبِ السَّماويَّةِ السابقَة، ومنها التَّوراة، لتُنذرَ بهِ وتبلِّغَهُ أهلَ مكَّةَ ومَنْ حولَها في المشارقِ والمغارب.

والمؤمِنونَ باللهِ وباليومِ الآخِرِ وما فيهِ مِنْ ثَوابٍ وعِقاب، يؤمِنونَ بالقرآنِ المُنـزَلِ عليكَ أيُّها النبيّ، وهمْ محافِظونَ على صَلواتِهمُ المكتوبةِ عَليهم، فهي عِمادُ الدين.

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]
93- وليسَ هناكَ أظلمُ ممَّنْ كذَبَ وادَّعى أنَّ للهِ شَريكاً في الأُلوهيَّة، منْ صنَمٍ وولدٍ وغَيرِ ذلك، أو ممَّنِ ادَّعى النبوَّةَ وهوَ كاذِبٌ لم يوحِ اللهِ إليهِ بشَيء، أو ممَّنْ قالَ إنَّهُ سيأتي بكتابٍ مثلِ القُرآنِ في بَيانهِ وإعْجازِه.

ولو نظرتَ فرأيتَ الكافِرينَ الظَّالمينَ في سكَراتِ الموتِ وكرُوبِه، وقدْ بسَطَتِ الملائكةُ الموكَّلةُ بقَبضِ أرواحِهمْ أيديَها عليهمْ بالضَّربِ والعَذابِ على وجوهِهمْ وأدبارِهم، وأرواحُهمْ مُتَشَبِّثةٌ بأجسادِهمْ لا تريدُ أنْ تَخرُج، حيثُ إنَّها تُبَشَّرُ بالعَذابِ والإهانة، وتقولُ لهمْ الملائكة: أخرِجوا أنفسَكمْ كَرْهاً، فاليومَ تُعاقَبونَ بالعَذابِ المُذِلِّ المُهين، جزاءَ كَذِبِكمْ على اللهِ ورسلِه، وعنادِكمْ واستِكبارِكمْ عنِ اتِّباعِ الحقِّ وإعراضِكمْ عمّا أنزلَهُ الله.

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]
94- وقدْ جئتُمْ إلى ربِّكمْ للحِسابِ منفَردِين، بدونِ أعوانٍ ولا أوْثان، بلْ وقفتُمْ في المحشَرِ بدونِ لباسٍ ولا نِعال، وتركتُمْ وراءَكمْ ما أعطيناكمْ منَ المالِ والولَدِ والنِّعَم، التي شغلتْكُمْ عنِ الآخِرَة، فلمْ تنفَعْكمْ بشَيءٍ في يومِكمْ هذا، ولم نَجِدْ معكمْ آلهتَكمُ الذينَ كنتُمْ تعبدونَهمْ وتَستَنصِرونَ بهم، وتَزعُمونَ أنَّهمْ شُركاءُ لله في الربوبيَّةِ والعِبادة، وأنَّهمْ سيَشفَعونَ لكمْ عندَ اللهِ لقضاءِ حوائجِكم. لقدِ انقطعَ ما بينَكمْ منْ أسبابٍ ووسائلَ فيما كنتُمْ تَزعُمونَهُ لهم، وذهبَ عنكمْ ما ظننتُمْ مِنْ رَجائهم، وبَطَلتْ أمامَكمْ عقيدتُكمُ الفاسِدَةُ في ذلك.

﴿ إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام: 95]
95- إنَّ اللهَ بقُدرتهِ وإبداعهِ في خَلْقِه، شَقَّ الحبوبَ والنَّوَى تحتَ الأرضِ لتُنتِجَ الزُّروعَ والثِّمارَ بأنواعِها وأشكالِها وطُعومِها، فيُخرِجُ الحيَّ ممّا يَنمو مِنْ هذهِ الحبوبِ اليابسَةِ المَيتة، وهوَ مُخرِجُ الميِّتِ منَ الحيّ، كإخراجِ ما يُستفادُ منهُ للطَّعمِ والقُوتِ منَ الحيوانات، أو أضرابِ ذلكَ مما يُخْرَجُ منها للعُطورِ والصِّناعات، وكذلكَ دَوْرَةُ الخلايا في الحيوانِ والنَّباتِ التي تَكونُ في تجدُّدٍ مستَمِرّ، فتَموتُ القديمةُ ويَنشأ ما هو جَديد... واللهُ هوَ الذي خَلقَ فيها كُلَّ هذا، بعلمهِ وحِكمتهِ وقُدرتِه، فكيفَ تُصْرَفونَ عنِ الحقِّ إلى الباطِل، وتَعبُدونَ معَ اللهِ ما لا قُدرةَ لهُ على خَلقِ شَيءٍ مِنْ هذا أو أقلَّ منه؟!

﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام: 96]
96- وهوَ الذي شقَّ ظُلمةَ اللَّيلِ بالصَّباحِ المضيءِ ليؤذِنَ بالعَملِ والنَّشاط، وجعلَ الليلَ مُظلِماً تَسكنُ فيه الأشياء، ويَرتاحُ فيهِ الإنسانُ مِنْ عملِ النَّهار، فيَهدأ و يَنام.

وجعلَ الشَّمسَ والقمرَ دَليلاً وضَبْطاً لحِسابٍ مُقدَّرٍ لا يَتقدَّمُ ولا يَتأخَّر، لتَعرِفوا بهِ الأوقاتَ والتَّواريخ، في العِباداتِ والمعامَلاتِ والمعاهَدات، بالسَّاعاتِ والأيَّام والشُّهورِ والسَّنوات.

وهذا كلُّهُ مِنْ تَقديرِ اللهِ العَزيز، الذي لا يَصْعُبُ عليهِ شَيء، العَليمِ الذي لا يَغِيبُ عنهُ شيءٌ ممّا بثَّهُ في الكَونِ كلِّه.

﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 97]
97- وهوَ اللهُ الذي أنشَأَ النُّجومَ وقدَّرها في أبعادٍ معيَّنةٍ عنْ بَعضِِها البَعض، وفي جِهاتٍ مُختلِفة، معَ سُطوعِها في أوقاتٍ محدَّدة، لتكونَ لكمْ دَليلاً إلى معرفةِ الجهاتِ في اللَّيالي المظلمة، في البرِّ والبحر.

وقدْ بيَّنا هذهِ الآياتِ التي فيها ذِكْرٌ لنِعَمِ اللهِ لمنْ يَعقِلُ ويَتدبَّر، ويَعرِفُ الحقَّ فيتَّبعُهُ ويَعملُ بموجبِه.

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 98]
98- وهوَ اللهُ الذي خَلَقكمْ جَميعاً مِنْ نَفسٍ واحِدَة، هيَ آدم، ولكمُ استِقرارٌ في أرحامِ أمَّهاتِكم، واستيداعٌ في أصلابِ آبائكم. وقدْ بيَّنا هذهِ الحُجَجَ والأدلَّةَ لمنْ يَفْطَنونَ إلى ذلكَ ويتدبَّرونَ دقَّةَ الخَلقِ وإبداعَه.

﴿ وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99]
99- وهوَ الذي أنزلَ الأمطارَ منَ السَّماءِ ليَنتفِعَ بها العِباد، فأخرَجنا بالماءِ كلَّ أنواعِ النبَاتات، ومِنْ هذهِ النبَاتاتِ أخرَجنا الزُّروعَ والأشجارَ الخَضراء، وأخرَجنا مِنْ هذهِ الأشجارِ والنباتاتِ الثِّمارَ والحبوبَ المتراصَّة، ومِنْ طلْعِ شَجرِ النخيلِ أخرَجنا أغداقاً فيها ثَمَرُ الرُّطَب، مُنثَنيةً، وقَريبةَ التناول.

ونُخرِجُ بالماءِ بَساتينَ كثيرةً مُنتَشِرَةً في الأرضِ منَ الأعناب، وكذلكَ الزَّيتون، والرمّان، وبعضُ ذلكَ مُتشابِهٌ وبعضُهُ غيرُ مُتشابِه، في الهَيئةِ والمِقدار، واللَّونِ والطَّعم، وانظُروا وتفَكَّروا في ثَمَرِ الزَّيتونِ عندما يَنْضَج، وإلى ثَمَرِ الرمّانِ كذلك، وقدْ تجمَّعتْ حُبَيباتُهُ وتراكبَتْ فوقَ بعضِها البَعضِ في شكلٍ هَندسيٍّ جميل، معَ طَعمٍ لذيذٍ وفائدةٍ طبِّية، فيهِ وفي الزَّيتون، وغيرِهما منَ الثِّمارِ المتنوِّعة، وإنَّ في ذلكَ كلِّهِ أدلَّةً واضحةً على قُدرةِ اللهِ وبَديعِ صُنعه، وعلى عَظمتهِ وحِكمتهِ ووَحدانيَّته، لمنْ أرادَ أنْ يَستَدِلَّ بها على الإيمانِ به، وتَصديقِ ما أنزَلَه.

﴿ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنعام: 100]
100- وقدْ جَعلَ المشرِكونَ الجنَّ شُرَكاءَ للهِ في العِبادةِ فعبَدوهمْ معه، وهوَ الذي خلقَهمْ كما خلقَ الإنس، فكيفَ يَعبدُونَ مخلوقاً؟

واختلَقوا للهِ بنينَ وبناتٍ فكذَبوا وافترَوا، كما قالتِ النصارَى: عيسى ابنُ الله، وقالتِ اليهود: عُزَيرٌ ابنُ الله، وقالَ المشرِكون: الملائكةُ بَناتُ الله! قالوا كلَّ هذا زُوراً وإفْكاً، بدونِ فِكرٍ ولا رَوِيَّة، وبدونِ أيَّةِ حُجَّةٍ أو عِلم، بلْ قالوا ذلكَ جَهلاً باللهِ العَظيم، الذي ليسَ هوَ منْ جِنسِ البشَر، فلا صَاحَبَةَ لهُ ولا ولَد، ولا نِدَّ لهُ ولا شَبيه، بلْ هوَ الإلهُ الواحِدُ الأحَد، المنفَرِدُ بالخَلقِ والرزْق، فسُبحانَه، تَقدَّسَ وتَنَـزَّهَ وتَعاظمَ عمّا يَصِفهُ بهِ المشرِكون.

﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 101]
101- اللهُ موجِدُ السَّماواتِ والأرضِ مِنْ غَيرِ مادَّةٍ أو أصلٍ مَوجودٍ سابقاً، ومُبدِعُهما على غَيرِ مِثالٍ سابق، فلا نظيرَ لهما.

وكيفَ يَكونُ لهُ ولَدٌ ولم تَكنْ لهُ صَاحبة، والولَدُ يَكونُ مُتَولِّداً مِنْ شَيئينِ مُتناسِبَين، ولا مناسِبَ لله، ولا شَيبهَ له، فلا ولَدَ له، وهوَ الخالقُ الذي أوجدَ الكونَ ومَنْ فيه، مِنْ والِدٍ ووَلَد، وهوَ عَليمٌ بكلِّ شَيءٍ عِلماً تامّاً، أزَلاً وأبَداً ، مَخلوقاً كانَ ذلكَ الشَّيءُ أمْ لم يَكنْ مَخلوقاً.

﴿ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]
102- ذلكمُ اللهُ ربُّكم، مالِكُ أمرِكم، الواحِدُ الذي لا شَريكَ له، خالِقُ كلِّ شَيء، ممّا كانَ وسيَكون، فاعبُدوهُ ولا تُشرِكوا بهِ شَيئاً، فهوَ وحدَهُ المستَحِقُّ للعِبادة، وهوَ الحفيظُ والرَّقيبُ على كلِّ الأشياء، يَعرِفُ أحوالَها ويُدَبِّرُ شُؤونَها، ويتولَّى جَميعَ أمورِها.

﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]
103- لا تَراهُ العُيونُ في الدُّنيا وإنْ كانتْ تَراهُ في الآخِرَة، وهوَ يُحيطُ بها ويَعرِفها على حَقيقَتِها، لأنَّهُ خالِقُها. وهوَ الرَّفيقُ بعبادِه، الرحيمُ بأوليائه، الخبيرُ بهم.

﴿ قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ [الأنعام: 104]
104- قدْ جاءَتْكمْ آياتٌ واضِحاتٌ وحُجَجٌ باهِراتٌ مِنْ عندِ الله، بلَّغَكمْ إيّاها رَسُولهُ في القُرآنِ والسنَّة، فمنْ وعَى وآمنَ فلنَفسهِ تعودُ الفائدة، ومَنْ أغمضَ عَينيهِ عنها وأغلقَ قلبَهُ فلمْ يأبَهْ بها، فعلى نَفسهِ تَعودُ الخَسارة، قلْ لهم: لستُ حافظاً عليكمْ ولا رَقيباً على أعمالِكم، بلِ اللهُ يحفَظُها عليكم ويُجازيكمْ عليها، وإنَّما أبا مبلِّغٌ نَذير.

﴿ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 105]
105- وكذلكَ نُورِدُ الأدلَّةَ والبراهينَ الواحدةَ تلوَ الأخرى، بوجوهٍ مُختَلِفَة، وفي مَواطنَ عدَّة، وليَقولَ المشرِكونَ إثرَ ذلك: إنَّكَ قرأتَ وتعلَّمتَ مِنْ أهلِ الكتاب. ويبيِّنُ اللهُ ذلكَ لمنْ يَعلمُ الحقَّ فيتَّبعونَه، والباطلَ فيَجتَنِبونَه، فسُبحانَ مَنْ هَدَى بآياتهِ هؤلاء، وضلَّ بها أولئك، وهوَ المَلِكُ العَدْل.

﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 106]
106- فاتَّبِعْ أيُّها النبيُّ ما أوحَى اللهُ إليكَ منَ الحقِّ الذي لا رَيبَ فيه، ودُمْ عليهِ واعمَلْ به، لا إله إلاّ هو، ولا يَشْرَعُ إلا هو، ومَنْ أرسلَهُ وأذِنَ لهُ بذلك، ولا تَعتدَّ بأقاويلِ المشرِكينَ الباطِلَةِ ولا تَلتفِتْ إلى أذاهُم، فالحقُّ معَك.

﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]
107- ولو شاءَ اللهُ ألاّ يُشرِكوا لمَا أشرَكوا، فلهُ تعالَى المشيئةُ والحِكمةُ فيما يَشاؤهُ ويَختارُه. ولو عَلِمَ منهمْ اختيارَ الإيمانِ لهَداهُمْ إليه.

وما جَعلناكَ أيُّها النبيُّ رَقيباً عليهمْ تَحفَظُ أعمالَهمْ وأقوالَهم، ولستَ وكيلاً عليهمْ فتُجبِرَهمْ على الإيمان، ولا قائماً على أرزاقِهمْ وتَدبيرِ مصالِحهم، فهذا أمرهُ إلى الله، وما عليكَ إلاّ البَلاغ.

﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108]
108- ولا تَشتُموا المشرِكين وأصنامَهم؛ لأنَّهُ يترتَّبُ عليهِ مَفسدَةٌ أكبرُ منَ الفائدةِ المرجوَّةِ منها، فيَسبُّوا اللهَ ربَّ العالمين؛ تَجاوزاً عنِ الحقِّ إلى الباطِلِ وجَهلاً منهم، فهمْ لا يَعلمونَ أنَّهمْ يسبُّونَ اللهَ العَظيم، خالِقَهمْ وخالِقَ الكونِ كلِّه.

وقدْ قالَ المشرِكونَ لرَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يا محمَّد، لتَنتَهِينَّ عنْ سبِّكَ آلهتِنا، أو لنَهجُوَنَّ ربَّك. فنَزَلتِ الآية.

ومِثْلُ هذا التَّزيينِ الذي زيَّناهُ للمُشرِكين، بحبِّ أصنامِهمْ والدفاعِ عنها، زيَّنا لكلِّ قومٍ عملَهمُ الذي ارتَبطوا بهِ وتَفانَوا فيهِ منْ خَيرٍ وشَرّ، فهذا ما أرادُوهُ أصْلاً وتَعلَّقوا به، ثمَّ إنَّ رُجوعَهمْ ومَصيرَهمْ إلى مالكِ أمرِهم، فيُخبِرُهمْ بما كانوا عليه، ويُجازِيهمْ على ذلك، ثَواباً أو عِقاباً.

﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 109]
109- وحَلَفَ المشرِكونَ حَلِفاً مؤكَّداً أنَّهمْ إذا جاءَتهمْ مُعجِزةٌ كما اقترَحوها، ليُصَدِّقُنَّها ويؤمِنُنَّ بها. وقدْ سبَقَتْ مُعجِزاتٌ لهُ صلى الله عليه وسلَّم فلمْ يؤمِنوا بها، فكانَ غرضَهمُ التعنُّتُ والعِنادُ، لا الهدايةُ والإيمانُ كما قالوا، فقلْ لهمْ أيُّها النبيُّ: إنَّما المُعجِزاتُ والخوارِقُ منْ عندِ الله، إنْ شَاءَ أتَى بها وإنْ شَاءَ أمسَكَها، وليسَ لي منَ الأمرِ شَيء، فلا أقدِرُ على الإتيانِ بها مِنْ عندي. وأنتُمْ -أيُّها المؤمنونَ- ما يُدريكمْ لعلَّ المعجِزاتِ إذا جاءَتهمْ لا يُؤمِنونَ بها، فلا تُصَدِّقوهمْ ولو حَلَفوا.

﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام: 110]
110- ونحوِّلُ قُلوبَ المشرِكينَ عنْ إدراكِ الحقِّ فلا يَفهمَونَه، وعيونَهمْ عن إبصارِها فلا يرونَه، تماماً كما رفَضوا الإيمانَ بالآياتِ والمعجِزاتِ الواضِحاتِ الدالَّةِ على صِدقِ نبوَّةِ رَسولِنا أوَّلَ مرَّة، فهي القُلوبُ نفسُها التي أبَتْ أنْ تَستَجيبَ للحقّ، وما زالتْ تُعانِدُ وتُخاصِمُ بعدَ كلِّ رَغبةٍ ورَهبة، وبعدَ كلِّ إيضاحٍ ومَحَجَّة، فهمُ الذينَ ظَلموا أنفُسَهمْ ورَضُوا بالكُفرِ والضَّلال، وعَلِمَ اللهُ فيهمْ هذا العزمَ والتوَجُّه، فتركَهمْ في كُفرِهمْ وضَلالِهمْ يَتردَّدونَ مُتَحيِّرين.

والمتابعُ للحوارِ والجدالِ معَ الملاحِدَةِ وأهلِ الأديانِ والفِرَق، يرَى العِنادَ واللَّجاجةَ والمخاصَمةَ مِنْ مُعظَمِهم، وإصرارَهمْ على ما همْ عليهِ منْ باطِل، فهمْ بذلكَ يَستَحِقُّونَ ما قالَ اللهُ فيهم، وما ظَلمهمُ اللهُ ولا أجبَرهمْ على ذلك، بلْ هذا هوَ توجٌّههمْ واستعدادُهمُ الذي رَضُوهُ لأنفسِهم، فليَكونوا كذلكَ كما رَغِبوا.

صقر 2020-04-21 03:32 PM







نزف القلم
يعطيكم العافيه على الطرح
يسلموووو على رقي الطرح واختياره
ابداع لايضاهى بالطرح
سلمت يمناك وعساك على القوه
طرح بقمة الرووعه
دمت بسعاده ورضى الرحمن
مودتي وتقــديري
صقر






عذبة المعاني 2020-04-21 04:56 PM

اثابك الله الأجر
واسعد قلبك في الدنيا والآخره
دمت بحفظ الرحمن



صقر 2020-04-22 09:53 PM

جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري

ورد القلب 2020-04-23 08:48 PM

لكم من الإبداع رونقه
ومن الإختيار جماله
رزقكم الله الجنان
ودام لنا عطائكم المميز

عبير الورد 2020-04-23 10:50 PM

جزاك الله كل خير وجعلها في موازين حسناتك
سلم آيدينك على روؤوعة طرحك آلمميز
آلله يعطيك آلف عآفية وً عسآكِ على آلقوة
في آنتظآر روآئع جديدك آلقآدم
دمت بسعآدهـ..

محمد 2020-04-25 02:40 PM


http://www.hamasatdamad.com/upload/do.php?img=4662


جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
وأجـــــــــزل لك العطـــاء


http://www.hamasatdamad.com/upload/do.php?img=4662

احمد 2020-04-26 06:08 AM

يعطيك العافيه
ولك مني كل التقديروالاحترام
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ارق التحآيآ لك
ودي وعبق وردي

كيان 2020-05-02 05:58 PM

جزاك الله كل خير
يعطيك العافيه لإختيارك الراقي
لك مني كل التقدير
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ارق التحآيآ لك

اسماء 2020-05-16 10:53 AM

يعطيك العآفيه لطرحك الجميل
لاحرمنآ جديدك القآدم
لروحك السعاده
http://img-fotki.yandex.ru/get/5309/...4eb16cde_M.png


الساعة الآن 05:31 AM

 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
المشاركات المكتوبة والمنشورة لا تعبر عن رأي منتدى بحرالامل ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)