منتديات بحر الامل

منتديات بحر الامل (http://www.bhralaml.com/vb/index.php)
-   ۩{ علوم منوعة من آلقرآن آلكريم }۩ (http://www.bhralaml.com/vb/forumdisplay.php?f=106)
-   -   تفسير قوله تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ) (http://www.bhralaml.com/vb/showthread.php?t=35351)

نزف القلم 2020-10-21 10:31 AM

تفسير قوله تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة )
 
تفسير قوله تعالى
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ... ﴾
قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 3 - 5].
ذكر الله تعالى في هذه الآيات صفات وعلامات المتقين الذين ينتفعون بهداية القرآن ويستضيئون بنوره، فأولها وأهمها: صفة الإيمان بالغيب.
والإيمان هنا: إذعان النفس واطمئنانها على سبيل التصديق؛ ومنه قوله تعالى ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وقوله حكاية عن إخوة يوسف إذ قالوا لأبيهم ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ وتقول ما أومن بشيء مما تقول؛ أي: لا أصدق.
أما الإيمان في قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [الحديد: 19] وفي أمثالها فهو ذلك الإذعان والاطمئنان النفسي الذي يثمره العلم الصادق الذي يكون نتيجة التدبر، والمعرفة الصحيحة بآيات الله المنزلة وصفاته التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلم والمعرفة الصحيحة بالنبي صلى الله عليه وسلم: سيرته، وهديه، وآدابه وأخلاقه، وأحواله التي تكشف عما اختصه الله تعالى به من المزايا والخصائص. فيمتلئ القلب من ذلك العلم إجلال وإكبارًا وعبودية صحيحة، وذلًا وإسلامًا لله تعالى؛ وتعظيمًا وحبًّا، وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإيمان هو الذي بينه ووضحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر وابنه رضي الله عنهما؛ إذ قال جبريل: "فأخبرني عن الإيمان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره".
وهذا الإيمان الذي تذعن به النفس، وتطمئن له عن علم ومعرفة صحيحة، وهو الإيمان الصادق: وهو الإيمان النافع الذي تظهر آثاره على صاحبه في جميع شؤونه وأحواله، وعلى جميع جوارحه وحواسه، ويكون لصاحبه نورًا يخرجه من ظلمات الشكوك والشبهات، ويهديه دائمًا إلى سبيل الصالحات والخيرات، وهو الإيمان الثابت الذي لا تُزلزله الحوادث، ولا تعبث به الأهواء، ولا تزيغ به الآراء، وهو المعنى في الحديث: "كذلك الإيمان إذا خالطت حلاوته بشاشة القلوب لا يخرج منها"، وهو إيمان البررة الذين فازوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفنَّن المشركون ما تفننوا في أذاهم، محاولين فتنتهم عن دينهم، فصبروا على ما أوذوا، ومات من مات منهم تحت أسواط ذلك العذاب شهداءَ في سبيل هذا الإيمان، وفداءً لهذا الإيمان، وتضحية بالنفس؛ مرضاة للروح التي نعمت بذلك الإيمان واستمتعت بحلاوته، وابتغاء ما عند الله من مثوبة وعدها الصابرين، وعاقبة ادخرها للمؤمنين؛ ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157] جعلنا الله مع هؤلاء في الدنيا والأخرى.
وثَمَّ شيء آخر يسميه أصحابه المتصفون به إيمانًا، وما هو على الحقيقة بإيمان، ذلك هو التدين التقليدي، الذي ينشأ صاحبه ويشب ويشيخ، ويهرم ويموت، وهو لا يعرف من هذا الدين إلا أنه قد كتب في شهادة الميلاد (مسلم) وأن اسمه محمدًا مثلاً، وأن أباه عبدالله، وأمه فاطمة، وأنه في طفولته كان يرى أمه تذهب به إلى الشيخ فلان، يكتب له تميمة وحجابًا يقيه العين والشياطين، وتذهب به كلما مرض إلى قبر فلان وفلانة، تطوف حوله، وتتمسح بالنحاس، والخشب، والأحجار المنصوبة عليه، وتأخذ من بركات ذلك، وتفيض على رأسه وجسمه، ويسمعها تقول له: يا ابني، إن سر الشيخ فلان والست الطاهرة الباتعة فلانة سيشفيك ويحميك، وكان يرى أباه يحرص على أن يحضره الموالد والأعياد التي تقام في كل وقت لمشايخ قريته أو بلدته، وكان يرى أباه في بعض الأوقات يذهب إلى الحضرة التي يقيمها شيخ طريقته، ويجمع لها الشبان والشيوخ، فيقومون بحركات الرقص على نغمات المغني والمزمر، ويقولون: إن ذلك ذكرٌ لله، ويرى أباه يذهب إلى المسجد في بضع الأوقات، ويعود فيقص عليهم ما سمع من خطيب المسجد عن كرامات الشيخ فلان، والست الباتعة فلانة من إحياء الموتى، ورد الغائبين وإحبال العقيم، وشفاء المرضى والتصرف في فلان الذي لم يف بنذره، وما إلى ذلك ويرى رجلاً مُعممًا يجيء إلى البيت صباح كل يوم يقرأ ما تيسر من القرآن على روح جده الميت، ثم يأخذ بعض الصدقات، ويرى أمه تذهب كل خميس أو جمعة إلى المقبرة تحمل الأقراص والزهور والرياحين، وتحضر هذا "الشباح"، فيقرأ سورة يس بقرش، وسورة تبارك بنصف قرش أو بربع قرش، تساومه على ذلك وتماكسه فيه، وأمثال تلك الأعمال التي يمجها الإسلام، ويمقتها أشد المقت ويبرأ منها.
فينشأ ويشب ويشيخ على ذلك الذي يسميه إسلامًا وإيمانًا:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾، وقد يقرأ بعض القرآن أو كله، وقد يقرأ بعض كتب الحديث أو كلها، وقد يقرأ كثيرًا من كتب الفقه، قد يقرأ كل ذلك ولكنه لا يفهم شيئًا من ذلك كله ولا يفقهه؛ ولا يتعظ به ولا يستفيد منه شيئًا جديدًا؛ لأنه لا يراه ولا يتصل به إلا بتلك الروح المتربية على هذه الخرافات، ولا ينظر إلى القرآن وإلى الحديث إلا بتلك العين المغشاة بهذه الضلالات؛ ولا يتأمل في هذه الكتب إلا بهذا القلب المتغلغل فيه جذور هذه الأباطيل، فهو قد اصطبغ بهذه النشأة الجاهلية صبغة تلون له الدين: قرآنًا، وحديثًا، وفقهًا، بهذا اللون الأغبر الممقوت، فهو لكل هذا يحرف الآيات عن مواضعها، ويصرف الأحاديث عن مدلولاتها؛ ويرجع دائمًا إلى سلفه القائل: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23].
هذا الذي يتصف به أكثر الناس، ويزعمونه إيمانًا هو أبعد شيء عن الإيمان، بل هو نقيض الإيمان، وهادم الإيمان، وناقضه حجرًا حجرًا، وعروة عروة، فإن إيمان أحدهم بالله لا يزيد عن إيمانه بالشيخ فلان والشيخة فلانة من آلهته الأموات، بل إنه ليرجو إلهه الميت، ويخافه ويفزع إليه، ويسأله ويستغيث به أكثر من الله، ويزيده جاهلية على جاهليته، وعمًى على عماه ما يمليه عليه أعداء الأنبياء من شياطين الجن والإنس من زخرف القول، وما يتمحلونه لذلك الشرك من أعذار أوهى من بيت العنكبوت، وأنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وستجيء مناسبات كثيرة للكلام عن أولئك إن شاء الله، فنجتزئ الآن بهذه الكلمة، راجين من الله أن يهديهم وأن يعيذنا من شر فتنتهم، وأن يباعد بيننا وبين أباطيلهم وغرورهم.
والغيب: ضد الشهادة؛ وهو كل ما غاب عن الحواس، فلا يقع تحتها ولا تستطيع إدراكه، ولا تقتضيه بدائه العقول؛ وإنما يعلم بخبر الأنبياء، ومن دفع هذا الغيب وكذب به، كان ملحدًا وزنديقًا.
وذلك الغيب: إما أنه لا ينصب عليه دليل يمكن من الوصول إليه، وذلك هو المَعني بقوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾، وإما أن يكون قد نصب عليه من الدلائل المحسوسة أو المعقولة ما يمكن من الوصول إليه، وذلك كصفات الله وأسمائه الحسنى وكالملائكة والجن، والنبوات وما يتعلق بها من أحكام وشرائع، واليوم الآخر والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والحساب والجزاء ونحو ذلك.
الإنسان هو العالم الذي خلقه الله ليقوم بمظهر الشكر وفروض العبودية لله خالق كل شيء، ولقد سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعًا؛ ليتوفر على إحسان ما خلق من أجله، وليتفرغ قلبه من الاهتمام والانشغال بما يصرفه عن تحقيق ما وجد له على أتم وجوهه وأحبها إلى فاطره وبارئه جل شأنه.
وقد وضع الله تعالى تحت حواسه في الأرض وفي السماء وفي نفسه من الآيات الكونية ومن آثار القدرة والحكمة ما يكون عونًا له على معرفة بارئه وخالقه المنعم المتفضل بكل النعم، فيخلص له الحب ويصدق في الذل والخضوع والخشوع له وحده، ويفرده بالإلهية والعبادة، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وأخفى عنه - رحمة به - من العوالم والأكوان والمعلومات ما لا يعلم قدره إلا الله؛ لأنه فوق طاقة عقله، ومن وراء دائرة تفكيره، والذي غيبه الله وأخفاه عن الإنسان أعظم مما أشهده إياه.
فالذين يؤمنون بالغيب هم الذين يصدقون، مذعنين بأن وراء ما يشهدون ويدركون معلومات وعوالم هي أخطر شأنًا وأعظم قدرًا مما بدا لهم، ووقع تحت مدارك حواسهم، فيقبلون الأخبار عنها من الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، ويردون تفصيل ما أجمل منها إلى عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم، ولا يتصرفون فيها بالقياس والرأي، فإن مبنى القياس والرأي على اتحاد العلة والغاية، ومرجع ذلك إلى إدراك الحواس للمقدمات التي تؤدي إلى نتائجها، والمعلومات والعوالم الغيبية لا تقع تحت مدركات الحواس، فلا تعلق للمقدمات والنتائج بها، ولا يصح قياسها على علم الشهادة؛ لأن الفرق بينهما بعيد والبون شاسع لا يدرك.
ولقد زلَّت في هذا المقام أقدام طوائف، فهوت ببعضهم إلى الدرك الأسفل نسأل الله العافية.
فمن هؤلاء قوم لعب شيطان الغرور بهم وبعقولهم، وفتنهم أشد الفتنة، فتمردوا على كل شيء، واستكبروا وعتوا عتوًّا كبيرًا، وزعموا أن كل شيء لا يدرك بالحواس، فهو خيال مهما كان المخبر به، ومهما كانت الأخبار عنه واضحة في أنه حقائق ثابتة، وجرهم ذلك إلى إنكار الجنة والنار؛ والدار الآخرة؛ وإلى غير ذلك.
وإنما أتى ذلك هؤلاء من جهلهم المركب، وعدم اتصالهم بالإلهيات اتصالًا يعرفهم قدر أنفسهم، ويدلهم على مكانهم الحقير من هذا الوجود الذي لا يدرك عظمته إلا خالقه والعجب أنهم يصدقون من يخبرهم عن بلاد وحوادث لم تقع تحت بصرهم، ثم يكابرون فِطرتهم ويكذبون ما يخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الآخرة وما فيها، وعن الله وصفاته، أعتقد مرض الكبر والحسد لرسول الله صلى الله ليه وسلم، أو التقليد الأعمى للمتكبر الحاسد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هؤلاء:
قوم سمعوا من أخبار القرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض شؤون الموتى، كالشهداء والأنبياء، فذهبوا يقيسون على هذه الأخبار غير الشهداء والأنبياء ممن يزعمونهم أولياء وصالحين، ويقولون: إن الله أخبر أن الشهداء أحياء في قبورهم؛ ولا نفهم الحياة إلا على الوجه الذي نعرفه من الأكل والشرب والتمتع بالنساء، والإتيان بالحركات في التنقل من مكان إلى مكان؛ وبناء على ذلك نستخدمهم في قضاء حوائجنا، ونسألهم بعد موتهم ما كنا نسألهم في حياتهم الدنيا، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لقي الأنبياء ليلة المعراج في السموات، ثم جمعهم الله له في بيت المقدس فصلى بهم، فهذه انتقالات وحركات، فكذلك يجوز لغيرهم ما جاز لهم، وخاضوا في ذلك كثيرًا وأخذوا يلفون ويدرون حول الكلام في الأرواح وبقائها وقدرتها على التنقل، وغير ذلك من حق فهِموه على غير وجهه، وباطل اختاروه بجهلهم وقبِلوه وروَّجوه بضلالهم، مما يعتبره المؤمنون بالغيب سفهًا وجهالات، وافتراء الكذب على الله، ودعوى أنهم عرفوا حقائق وكيفيات هذه الأخبار، كما عرفوا حقائق وكيفيات ما تقع عليه حواسهم، وذلك - على ما أعتقد - كفرٌ بالغيب؛ لأنه جعل له كالشاهد الذي تتصرف العقول في شأنه، وتعرف مقدماته ونتائجه، وعِلله وغاياته، فلم يبق بذلك غيبًا عند هؤلاء الضالين عُمي القلوب والبصائر، وقد زيَّن الشيطان لأولئك الصم البكم العمي بذلك الخوض في الغيب: دعاء الموتى والاستغاثة بهم، وعبادتهم من دون الله وسموها تقليدًا لشيخهم المذموم المدحور -: توسلات جائزة ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23].
وطوائف أخرى - أو هم الطوائف الأولى أيضًا - حرجت صدورهم بتلك الأخبار الصادقة عن الغيب الأعظم من صفات الله العلية وأسمائه الحسنى، فذهبوا يردونها ردًّا، ويطعنون في صدورها وإعجازها بالتحريف والتأويل، والتبديل والتعطيل، ويقولون: لا ينبغي أن يكون الله موصوفًا بتلك الصفات التي أخبر هو جل شأنه بها عن نفسه، وبلغها إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن ننزهه عنها، لأنها غير لائقة به.
وما أشنع تلك المقالة وأقبحها - أخزى الله كل من يخطرها على باله مستحسنًا لها أو مدافعًا عنها - فإنها تتضمن تكذيب الله في الإخبار عما ارتضاه لنفسه العلية من الصفات، وتتضمن أن أولئك الخسرة العمي الأبصار والبصائر أعرف بالله وبصفاته منه سبحانه، وأن القرآن كاذب في الإخبار عن الله وصفاته، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن الله الأخبار الصحيحة الصادقة.
فبعدًا لهذه المقالة وقبحًا لها ولأهلها وللكتب التي تنشرها، وتُروِّجها باسم التوحيد والتنزيه، ويزعم مروجوها أنها تحفة للناس، وهدية للعباد، وما هي والله إلا تفلة بل أقذر من البصقة وأخبث.
والذين يؤمنون بالغيب إيمانًا صادقًا على علم وهدى ونور يقولون: آمنَّا بالله وبكتاب الله وبرسول الله، وبما وصف الله به نفسه على ما أراد وعلى حقيقته بدون تحريف ولا تأويل، ولا تكييف ولا تمثيل، فإنه من علم الغيب الذي لا ينبغي أبدًا أن يقاس على علم الشهادة، ولا أن تتعرف فيه العقول ومدارك الحس تصرفها في علوم الشهادة، وإن توافقا في الأسماء، فهما متباينان أتم التباين في الحقائق والمسميات، والكنه والكيفيات، وسبحان الذي وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم، وتعالى من خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات والأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله، لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.
سبحانه وتعالى عما يقوله أولئك الجاهلون الضالون علوًّا كبيرًا.
ستتقطع نفوسهم حسرات يوم يعض الظالم على يديه ويقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29
ومن الناس من أعماه الهوى وحُبُّ الظهور، واستولى عليه شهوة الرياسة المجرد عن مؤهلاتها؛ فذهب يقلد من قسا قلبه وتحجرت نفسه، ففسق عن سنة ربه وتمرد على الكون وخالقه، فزعم أنه ليس وراء حسه شيء يعلم، وكل ما لم يدركه العقل فهو عدم في عدم، فكذب بالغيب وما يحويه من علوم وعوالم وأكوان.
وقد يكون هذا إسلامي الصورة والنشأة، فلا يجد من نفسه قوة على إعلان كفره وزندقته واضحة مكشوفة، فيذهب يكذب القرآن في عالم الجن وعالم الملائكة، ومعجزات الأنبياء وأمثالها، مما أخبر به القرآن وأظلم قلب الزنديق وفهمه عن أن يفهم ذلك على ما أخبر الله به على الوجه الذي يعلمه الله ويريده جل شأنه.
وهذا القسم من الناس هو أحقرهم شأنًا، وأهونهم أمرًا، فإنه يدل بحاله ومقاله على عظيم غبائه وجهله، وهو أبعد في الحقارة من أن تخاف فتنته، وإن زعمت نفسه المخدوعة أنه من أفقه الناس في معاني القرآن، وأنه أول من جاء بالهداية والفرقان، ولو آنس الناس فيه فهمًا أو عقلًا، لقالوا له: أيها الشيطان الألعبان، يا أبا النقص والهذيان، يا عدو المتقين وفد الرحمن، ما جئت إلا بالضلال والبهتان؛ وأنت أصغر من أن يفكر في شأنك إنسان، وعلى غرار هذا بعض المفتونين من أدعياء العلم الحديث، ولكنهم أقرب إلى الهدى إذا ذكروا، وأقرب إلى الإرشاد إذا أرشدوا، وهم بحاجة إلى وصلهم بعلم الدين صلة تقيهم شر هذا الغرور، وتردهم إلى الجادة، وتهديهم سواء السبيل.
وقد قال شيخنا العلامة السيد رشيد رضا رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه أحسن الجزاء: وقد كتب الأستاذ الإمام في صاحب الإيمان بالغيب ما نصه:
وصاحب هذا الاعتقاد واقف على طريق الرشاد وقائم على أول النهج، لا يحتاج إلا إلى من يدله على المسلك، ويأخذ بيده إلى الغاية، فإن من يعتقد بأن وراء المحسوسات موجودات يصدق بها العقل، وإن لم يأت عليها الحس، إذا أقمت له الدليل على وجود فاطر السموات والأرض المستعلي عن المادة ولواحقها، المتصف بما وصف به نفسه على ألسنة رسله - سهل عليه التصديق، وخف عليه النظر في جَلِي المقدمات وخفيها، وإذا جاء الرسول بوصف اليوم الآخر، أو بذكر عالم من العوالم التي استأثر الله بعلمها، كعالم الملائكة مثلاً، لم يشق على نفسه تصديق ما جاء به الخبر بعد ثبوت النبوة، لهذا جعل الله هذا الوصف في مقدمة أوصاف المتقين الذين يجدون في القرآن هدى لهم.
وأما من لا يعرف من الوجود إلا المحسوس، ويظن أنْ لا شيء وراء المحسوسات، وما اشتملت عليه فنفسه تنفر من ذكر ما وراء مشهوده، أو ما يشبه مشهوده، وقلما تجد الهداية السبيل إلى قلبه إذا بدأته بدعواك.
نعم قد توصلك المجاهدة بعد مرور الزمان في إيراد المقدمات البعيدة، والأخذ به في الطرق المختلفة إلى تقريبه مما تطلب؛ ولكن هيهات أن ينصرك الصبر، أو يخضعه القهر، حتى يتم لك منه الأمر؛ فمثل هذا إذا عرض عليه القرآن نبا عنه سمعه، ولم يجمل من نفسه وقعه؛ فكيف يجد فيه هداية، أو منقذًا من غواية؟
الشيخ محمد حامد الفقي

ورد القلب 2020-10-21 01:32 PM

فوائد قيمة
دمت طيباً

عاشق الورد 2020-10-21 09:41 PM

جزاك الله خير وأثابك
شكرا على ذوقك الراقي وطرحك القيم
سلمت يمينك
لروحك الجنة وماقرب اليها من قول وعمل ..
مع صادق ودي
عاشق

محمد 2020-10-26 06:35 PM

http://www.hamasatdamad.com/upload/do.php?img=4662
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
وأجـــــــــزل لك العطـــاء

http://www.hamasatdamad.com/upload/do.php?img=4662

خيال 2020-10-27 09:11 AM

يعافيك ربي على هالطرح الرائع والجميل ..
سلمت اناملك على الموضوع الاكثر من روعه ،
بنتظارجديدك القادم ~

عبير الورد 2020-10-30 10:37 AM

جزاك الله كل خير
يعطيك العافيه لطرح القيم
لك مني كل التقدير
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ارق التحآيآ لك
ودي وعبق وردي

ناطق العبيدي 2020-10-30 01:41 PM

اسعد الله قلبك وشرح صدرك
وانار دربك وفرج همك
يعطيك ربي الف عافية على الطرح المفيد
جعلها الله في ميزان حسناتك يوم القيامة
وشفيع لك يوم الحساب

اكتفاء 2020-11-05 04:26 AM

يعطيك العافيه وسلمت يدآك
وسلم لنآ ذوقك الراقي على جمال الاختيار*
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير
اسأل البآري لك سعآدة دائمة

البرنسيسة 2020-11-18 05:42 AM

جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
الله يعطيك العافيه
http://www.bhralaml.com/vb/images/sm...%20%288%29.gif

غزل 2020-11-23 04:24 AM

سعدتُ بتوآجدي هُنا
طرح بقمة الرووعه والجمال
فسلمت أيادي لـ إختيارك لنا كل جميل
ولآحرمنا الله جديدك الرآئع..
تحيه معطره برياحين الياسمين


الساعة الآن 01:11 AM

 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
المشاركات المكتوبة والمنشورة لا تعبر عن رأي منتدى بحرالامل ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)