منتديات بحر الامل

منتديات بحر الامل (http://www.bhralaml.com/vb/index.php)
-   ۩{ الحديث الشريف}۩ (http://www.bhralaml.com/vb/forumdisplay.php?f=108)
-   -   شرح حديث: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك (http://www.bhralaml.com/vb/showthread.php?t=42406)

نزف القلم 2021-02-22 12:43 PM

شرح حديث: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك
 
شرح حديث: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ»[1].

هذا الحديث اشتمل على أدعية عظيمة وجامعة لخيري الدنيا والآخرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أُوتي جوامع الكلم، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ»: الاستعاذة هي طلب العوذ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «اعلم أن لفظ عاذ وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والنجاة، وحقيقة معناها: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا يسمى المستعاذ به: مَعاذًا، كما يسمى ملجأ ووَزَرًا»[2].
«والمستعاذ به هو الذي يُطلب منه العوذ، ويُعتصم به، ويُلتجأ ويُهرب إليه، وهو الله جبار السماوات والأرض، فلا يُستعاذ إلا به، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه، بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا به»[3].

ونعم الله كثيرة على عباده ومتتابعة بتتابع الليل والنهار، قال تعالى: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].
وأعظم نعمة نعمة الهداية لهذا الدين، وهي نعمة لا تعدلها كنوز الأرض كلها، قال تعالى:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
وقال تعالى ممتنًّا على نبيه بهذه النعمة: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي»[4].
وامتن الله على أهل الجنة بهذه النعمة فقال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

ودوام هذه النعم بالشكر بالقلب والقول والفعل، وزوالها بالمعاصي والذنوب، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله: «قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ»، الأمور كلها بيد الله، فهو المعطي وهو المانع، لا راد لأمره، فالاستعاذة والاعتصام من زوال النعم هي في موضعها وواقعة موقعها، فهو يسأل معطيها أن لا يزيلها، وزوال النعم يكون غالبًا بسبب الذنوب، فهو يسأل ضمنًا العصمة من الذنوب التي هي سبب زوال النعم، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]"[5].

قوله: «وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ»، نعمة العافية من أعظم النعم بعد نعمة الإيمان والإسلام، روى الترمذي في سننه من حديث رفاعةبن رافع، قال: قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى فقال: «سَلُوا اﻟﻠَّﻪَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْط بَعْد الْيَقِينِ خَيرًا مِنَ الْعَافِيَةِ»[6].

قال ابن القيم رحمه الله تعليقًا على الحديث المذكور: «فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه، فجمع أمر الآخرة في كلمة، وأمر الدنيا كله في كلمة[7].

واستعاذ صلى الله عليه وسلم من تحول عافيته سبحانه؛ لأنه إذا كان قد اختصه الله بعافيته، فقد ظفر بخير الدارين، فإن تحولت عنه فقد أصيب بشر الدارين، فإن العافية بها صلاح الدِّين والدنيا كما تقدم»[8].

«قوله: «وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ»: الفجاءة هي البغتة التي تأخذ الإنسان من حيث لا يكون عنده سابق إنذار وإخطار وتحذير، فيؤخذ من مأمنه حيثما تفجأه النقمة، ويبغته العذاب، ولات حين مناص ولا مفر، قال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97 - 99]»[9].

«واستعاذ صلى الله عليه وسلم من فجاءة نقمة الله تعالى لأنه إذا انتقم من العبد فقد أحل به من البلاء ما لا يقدر على دفعه، ولا يُستدفع بسائر المخلوقين، وإن اجتمعوا جميعًا»[10].
قوله: «وَجَمِيعِ سَخَطِكَ»: استعاذ صلى الله عليه وسلم من جميع سخطه؛ لأنه سبحانه إذا سخط على العبد فقد هلك وخسر، ولو كان السخط في أدنى شيء وبأيسر سبب، ولهذا قال الصادق المصدوق وجميع سخطك وجاء بهذه العبارة شاملة لكل سخط»[11].

روى الترمذي في سننه من حديث بلال بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَت، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ»[12].

وروى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «فَقَدْتُ رَسُولَ الله ِصلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»[13].

قال النووي، قال الخطابي: في هذا معنى لطيف، وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضاء والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله عز وجل، استعاذ به منه لا غير، ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه[14].اهـ

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] برقم 2739.
[2] بدائع الفوائد (2/ 200).
[3] فقه الأدعية والأذكار، د. عبدالرزاق البدر ص922.
[4] صحيح البخاري برقم 4330، وصحيح مسلم برقم 1061.
[5] توضيح الأحكام (6/ 435).
[6] برقم 3558، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (3/ 180) برقم 2821.
[7] زاد المعاد (4/ 197).
[8] المصدر السابق.
[9] توضيح الأحكام (6/ 435).
[10] تحفة الذاكرين للشوكاني رحمه الله ص421.
[11] المصدر السابق.
[12] برقم 2319، وقال: حديث حسن صحيح.
[13] برقم 486.
[14] شرح صحيح مسلم (4/ 427).
(د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

كيان 2021-02-22 12:54 PM

يعطيك العافيه وسلمت يداك
وسلم لنا ذوقك الراقي على جمال الاختيار
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير
اسأل الباري لك سعادة دائمة

غزل 2021-02-22 01:22 PM

سعدتُ بتوآجدي
فسلمت أيادي
ولآحرمنا الله جديدك الرآئع..
تحيه معطره برياحين الياسمين

احمد 2021-02-22 01:24 PM

بارك الله فيك ونفع بِك ..
على طرح موضوعك القيم
وأسلمت الايادي ويعطيك العافيه
تقديري مع احترامي.

عشق 2021-02-23 03:09 AM

جزاك الله خير ..
وبارك الله في جهودك ..
اسأل الله لك السعادة دائما ..

روان 2021-02-23 12:36 PM

سلمت يمناك على طرحك الراقي
يعطيك العافية
كل الشكر والتقدير لك
آحتـرآمي لك

شغف 2021-02-23 04:37 PM

جزاك الله خيراً
وجعله في ميزان حسناتك
وأجزل لك الأجر
دمت ودام عطاءك
تحياتي

لہهفُہة 2021-02-27 11:35 PM

جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله
على ما قدمت

بدر 2021-03-02 04:14 PM

https://www.up.bhralaml.com/uploads/161467362933593.gif

اكتفاء 2021-03-04 01:33 PM

جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
وأجـــــــــزل لك العطـــاء


الساعة الآن 09:11 AM

 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
المشاركات المكتوبة والمنشورة لا تعبر عن رأي منتدى بحرالامل ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)